الرب استرد كماله كما الوديعة لصاحبها
خالد فضل
هو شيخي ؛ بالمفهوم الصوفي عند القوم , كمال الجزولي ؛ كلماته عندي مصدّقة , وأفعاله حكمة تنطوي وراء الظاهر أحيانا , هكذا تعرّفت على شيخي , ولم أك في منظومته الحزبية عضوا , بل كان مدخلي إلى عوالمه الواقعية السحرية ؛ حرف وكلمة وسطر من الشعر , ولهذه الأبواب المشرعة اسعى مهرولا , بين صفا فكرة ومروة موقف , وفي كليهما كان كمال يقترب من الكمال , فهو المناضل الصنديد الذي استقامت بصيرته على معيار الرفعة الأخلاقية والإلتزام الصارم _حد الحدّة_ في شولة أو نقطة اسقطها سهوا جمييع في صحيفة , ناهيك عن موقف خزلان لرفقة كفاح ضد البطش والعدوان وكمال كان في الصفوف الأولى من المنافحين عن حقوق الإنسان , ليس في السودان فحسب ؛ وهذا كان جلّ شغله ولكن في كل مكان في العالم صدرت فيه أنّة مقروح مكلوم مهضوم الحقوق مظلوم , وكانت مهنته المحاماة , دربا آخرا من دروب السعي بين الناس لرد المظالم وردع الظالم , ومرافعاته مزيج من الأدب الرفيع والحنكة الباذخة والحضور البديع والأناقة اللافتة .
هكذا تعرّفت على كمال قبل أن تسعدني الأيام بملاقاته شخصيا , بل والتتلمذ على يديه صحفيا , وكانت الرأي الآخر أولى تلك المحطات , كتبت ذات يوم استراحة استوحيت مادتها من رزنامة كمال الشهيرة , كانت بعنوان سلامات أبومريم ومي , شكرني كمال بتواضع شديد على اهتمامي بما كتب وعيادتي عبر الصحف للراحل المقيم (قطب الأقطاب) محجوب شريف ؛ وكمال خال بنياته بنيات الشعب السوداني . ثم كانت الصحافة على عهد صدورها برئاسة أستاذنا كمال حسن بخيت يرحمه الله , وفيها تعلّمت من كمال الكثير في عدد الثلاثاء المميز حينذاك , ومن دنيا الصحافة إلى عوالم حقوق الإنسان , إلى محكات المواقف السياسية المنحازة دوما لقيم الحق والخير والجمال دون إبطاء أو تردد , وكمال في كل مجال مقدام , شجاع الرأي شجاع القلب وشديد المراس لا يغشاه الوجل , ثم تصفو روحه وقلبه يتسع والوداعة تكتنفه في لحظات , حتى ليخيل إليك إنّ هذا النسيم العليل الرطب لا ينطلق من ثورة البركان قبل قليل , وادعو الزميلة والصديقة لبنى أحمد حسين لتسجيل موقف مثل ما أوردت حدث معها في جريدة الصحافة . وهو صاحب طرفة ومزاح , قلت له وقد اسميت ابني البكر (أُبي) يا استاذ سميت ولدي على اسم ولدك هات حق خروف السماية , اجابني دون تردد يا زول داك سيد الاسم دكتور كبير أمشي ليهو إن شالله اجيب ليك ناقة !! وضجكنا , الآن يا شيخي أحسّك تضحك في عليين مع رهط الصديقين الأخيار من بني البشر المخلصين , أراك الآن وعليك سندس واستبرق ترفل مع أهل الحقيقة في ملكوت صاحب الحقيقة المطلقة , في رحاب صاحب الوديعة الذي استرد وديعته بعد أنّ منّ علينا لبرهة من الزمان بواحد من أندر عباده الصالحين , كمال والعزاء في فقدك لا يقتصر على الأسرة والعائلة , لهم خالص عزائي ولكن كل من عرف فضلك زاملك صاحبك تتلمذ على يديك يستحق العزاء وأنا من ضمنهم أعزي نفسي إبتداء , ويا شيخي نم بسلام حتى نلحق بك بارادة الخالق الباري . نم بسلام يا داعية السلام . وعليك السلام .
خالد فضل _ ودنعمان , 7نوفمبر 2023
المصدر: صحيفة التغيير