خبير يدق ناقوس الخطر بشأن الآثار النفسية للاعتداءات الجنسية على الأطفال
كشفت معطيات رسمية حول انتشار التحرش في المؤسسات التعليمية بالمغرب أن حوالي خُمس الضحايا يقدمون على محاولة الانتحار، وهو ما يدعو إلى دق ناقوس الخطر بخصوص سبل التعامل مع الضحايا ووقايتهم.
وفي هذا الإطار قال محمد حبيب، أخصائي اجتماعي وباحث في علم النفس، إن “الإحصائيات توضح أن خمس المنتحرين تعرضوا للتحرش الجنسي، الأمر الذي يلزمه اهتمام ودراسة أعمق للظاهرة لأن خطورتها تتجاوز في مرئيتها كونها ظاهرة تتميز نتائجها بالعنف المزدوج، المادي والمعنوي، وتتجلى نتائجها فيما يلحق الضحية من هشاشة ونكران لهذا النوع من الظواهر، مما ينتج عنه انتحار للضحايا، وهذه النسبة من المنتحرين بسبب التحرش الجنسي أصبحت تدق ناقوس الخطر”.
وأضاف حبيب، في تصريح لهسبريس، أن “التحليل الدقيق لهذه الإحصاءات يتطلب نهجاً متعدد الأبعاد يأخذ بعين الاعتبار العوامل الاجتماعية والنفسية والثقافية. ومن الضروري النظر في كيفية دعم الضحايا، وتوفير الموارد اللازمة لهم للتعافي من تجاربهم، وكذلك العمل على تغيير الأنظمة والمعتقدات الثقافية، التي تسمح بوقوع مثل هذه الأفعال وتجعل من الصعب على الضحايا التحدث عن تجاربهم”.
اضطراب تقدير الذات
قال عادل الحساني، الخبير في علم النفس الاجتماعي، إن الآثار النفسية للاعتداءات الجنسية على الأطفال تبدأ حينما يبدأ وعيهم بالقيمة السردية ثقافيا لعملية التحرش، موضحا في تصريح لهسبريس أن “الطفل لا يعرف الجنس ولا العملية الجنسية، ناهيك عن العملية الجنسية البيدوفيلية ولا وصمها اجتماعيا، ولا يدري أن ذلك انتهاك من بالغ، ولا يحس بأنه تعرض لاعتداء”.
وتابع قائلا: “بعد ذلك حينما يدرك الحمولة الثقافية السلبية ووصمة العار وخطورة العملية وما يوصف به يتعرض آنذاك لإصدار أحكام على نفسه، مما يتطلب التدخل العلاجي”.
وأضاف أن “أهم ما يصاب به هؤلاء الأطفال هو اضطراب في تقدير الذات، وهذا هو الخطير في الأمر، إذ أن الطفل يرسل رسائل مفادها أنا أستحق هذا الفعل، ويستسلم لتلك المواقف سواء كان ذكرا أو أنثى”.
ونصح الحساني بضرورة العمل بـ”التدخلات الوقائية في المدارس”، مشيرا إلى أن “وزارة التربية الوطنية عليها أن تدرب الأطفال على أن تلك التصرفات غلط، وأن تصحيح الغلط بالحماية وليس بالوصم الثقافي”.
مواجهة المشكلة
يرى حبيب أنه يجب القيام بعدة خطوات لمواجهة هذه المشكلة، أبرزها: تطوير برامج توعية في المدارس والجامعات وأماكن العمل تهدف إلى التعريف بماهية التحرش الجنسي وتأثيراته، وتعزيز ثقافة الاحترام المتبادل، وتوفير خدمات الدعم للأشخاص الذين تعرضوا للتحرش الجنسي، بما في ذلك الاستشارات النفسية والدعم القانوني، ثم العمل على إصلاح القوانين والسياسات لضمان توفير الحماية الكافية للضحايا وضمان محاسبة المعتدين.
وأوصى الأخصائي الاجتماعي والباحث في علم النفس بضرورة إجراء المزيد من الأبحاث لفهم الأسباب الجذرية للتحرش الجنسي والعوامل التي تؤدي إلى الانتحار بين الضحايا لتطوير استراتيجيات فعالة للتدخل، ثم تشجيع تكوين مجموعات للدعم تجمع الضحايا معاً لتبادل الخبرات والحصول على الدعم العاطفي.
وأضاف “من الضروري الاعتراف بالحاجة إلى التدخلات النفسية والاجتماعية المتخصصة لدعم الضحايا وتوفير مسارات الشفاء. يشمل ذلك الدعم النفسي المهني، وتشجيع بناء الشبكات الاجتماعية الداعمة، وتعزيز السياسات والبرامج التي تحمي الضحايا وتعزز الوعي والتعليم حول هذه القضايا”.
تصرف المحيط
أبرز حبيب أن “تدخل محيط التلميذ يُعد جزءًا أساسيًا من الوقاية من التحرش الجنسي ومعالجته”، مقدما بعض الخطوات التي يمكن للأساتذة والأسر والأخصائيين الاجتماعيين اتخاذها.
وأولى هذه الخطوات “توفير برامج تعليمية حول الاحترام المتبادل وحدود السلوك الشخصي، كما يجب تثقيف التلاميذ حول ما هو التحرش الجنسي وكيفية الإبلاغ عنه”، يقول الأخصائي الاجتماعي والباحث في علم النفس، مشيرا إلى أنه “ينبغي للأخصائي الاجتماعي بالمؤسسات التعليمية تقديم الدعم والمشورة للتلاميذ الذين تعرضوا للتحرش الجنسي، ويمكنهم إعداد جلسات فردية أو جماعية للمساعدة في التعامل مع الصدمات”.
وتابع قائلا: “كعمل مشترك وتدخل استباقي يجب على الأساتذة والأخصائيين الاجتماعيين مراقبة أي تغيرات في سلوك التلاميذ أو أدائهم الدراسي قد تشير إلى تعرضهم للتحرش والتدخل المبكر عند الاشتباه”، مضيفا “لن يتأتى ذلك إلا بخلق جسور التواصل في المؤسسة التعليمية، وتعزيز بيئة آمنة حيث يشعر التلاميذ بالأمان للتحدث عن أي مشاكل يواجهونها”.
وأبرز أن “الطاقم التربوي يجب ألا يفوت أهمية الإبلاغ وفتح تحقيق، حيث يجب أن تكون هناك سياسات واضحة لكيفية الإبلاغ عن التحرش، وكيفية التحقيق في الادعاءات بطريقة تحمي خصوصية التلميذ وتضمن معاملة الجميع بعدالة”.
ونبه حبيب إلى أنه “في المرحلة ما قبل الأخيرة يجب على المدرسة العمل مع أسر التلاميذ لتوفير الدعم الكامل في المنزل، والتأكد من أن التلاميذ يتلقون الرعاية والمساندة اللازمة، وأخيرا تشجيع التلاميذ على الدعم المتبادل، حيث يمكن للأساتذة تشجيعهم على دعم بعضهم البعض، والتحدث عند رؤية أو تجربة التحرش. ومربط الفرس هنا هو مرحلة مهمة تلقى على مديرية التكوين المستمر بوزارة التربية الوطنية، إذ يجب أن يتلقى الأساتذة والموظفون تدريبًا دوريًا حول كيفية التعرف على علامات التحرش الجنسي والتعامل مع التقارير بشكل مناسب”.
المصدر: هسبريس