حرب داخل حرب: أزمة الجنينة المزمنة وروشتة منبر جدة
حرب داخل حرب: أزمة الجنينة المزمنة وروشتة منبر جدة
عبد الله رزق
في وقت هددت فيه قوات الدعم السريع الجنينة، بعد استيلائها على نيالا ثم زالنجي، في تصعيد تزامن مع استئناف محادثات جدة، لأجل إنهاء الحرب واستعادة مسار الانتقال الديموقراطي المدني، ما يعني إدراجها ضمن الأزمة العامة.
ليس من المتوقع أن تؤدي أي اتفاقات لوقف اطلاق النار وإنهاء العدائيات، تنتج من المفاوضات الجارية في جدة بين الدعم السريع والقوات المسلحة ،تلقائياً، إلى وقف الحرب المزمنة، التي تجعل من الجنينية، دار اندوكا، مسرحاً لها. فلحرب الجنينة خصوصيتها، كأزمة محلية، تميزها عن الأزمة العامة، الناشئة من حرب 15 ابريل.
فمنبر جدة، معني بإيقاف حرب 15 ابريل، بين البرهان وحميدتي، بينما تمتد جذور حرب الجنينة، إلى أبعد من ذلك التاريخ، وحتى إلى ماقبل الفترة الانتقالية.
يمكن التقرير بأن حرب الجنينة هي بقايا من حرب 2003، التي ابتدرتها حركة تحرير دارفور، ما يعني أن حرب الجنينة بحاجة لمنبر خاص، ولحزمة حلول جذرية تتجاوز روشتة منبر جدة.
خلال السنوات الأربع الماضية، منذ معارك نهاية العام 2019 وحتى مقتل خميس أبكر في يونيو 2023، شهدت الجنينة ما لا يقل عن أربع جولات من الاقتتال الأهلي. واستقبلت أكثر من وفد من الحكومة المركزية، حيث زارها، ابتداءً، الدكتور عبد الله حمدوك، رئيس الوزراء، مطلع عام 2020 ،ضمن وفد كبير، لتفقد الأوضاع وتهدئتها، واستعادة الأمن والسلام. كما استقبلت في أوقات لاحقة، وعلى وقع الاقتتال الأهلي، أيضاً، مسؤولين كبار آخرين، آخرهم الجنرال عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي ،في ابريل 2022، حيث طرح خطة تتضمن خروج جميع المليشيات من المدينة، وحفر خندق لمنع تسلل المقاتلين الأجانب.
تجدر بالملاحظة، أن اتفافات جوبا، التي وقعت عليها الحركات المسلحة، وما رافقها من تفاهمات، فوق وتحت التربيزة، لم يكن لها أثر ملموس على الأوضاع في الإقليم، وفي الولاية على نحو خاص. مما يرجح الاستنتاج، بأن تلك الاتفاقات والتفاهمات، قد تنكبت الصراط المستقيم لمخاطبة جذور الأزمة.
وبسبب الاحتقان المزمن، الذي يهدد التعايش السلمي بين مكونات الجنينة السكانية، ظل احتمال نشوب الاقتتال قائماً، في أي وقت، ولأي سبب.
ففي إحدى المرات، نشب خلاف بين شابين، قرب بائعة شاي، حول من يحصل أولاً على طلبه من الشاي، انتهى بقتل أحدهما الآخر، وفي مرة ثانية، كان الخلاف والشجار، الذي انتهى أيضاً بمقتل أحد المتشاجرين الاثنين، حول ملكية شاحن موبايل، وفق ما ورد في الصحف حينئذٍ. وفي الحالتين، تم استدراج قبائل المتشاحرين إلى حلبة انتقام وثأر واسعة.
تتميز حرب الجنينية، ببعدها الخارجي. ففي أكثر من مرة، تمت الإشارة لمشاركة عرب من تشاد إلى جانب عرب الجنينة في القتال القبلي الدائر.
وبفعل العسكرة المتزايدة للصراع في الولاية، نتيجة انتشار السلاح، وقد كان للسلطات المحلية دور في ذلك، وتوزع غالب المواطنين، وفق خطوط التقسيم القبلي، على الحركات ومليشياتها، ما تجدر ملاحظته، أيضاً، في هذا السياق، أن الوالي السابق كان قائد مليشيا لها حضورها في خارطة الصراع، أصبح للاقتتال نتائج وخيمة إنسانياً، بدلالة محصلة القتل والتشريد والنزوح الداخلي والخارجي.
لكن تواتر جولات الاقتتال، الذي يخلو أحياناً، من مشاركة أحد طرفي حرب 15 ابريل، أو كليهما، لم تمنع قيادات المجتمع المدني والأهلي، بالجنينة ،التي رفعت منذ وقت مبكر شعار: “الجنينة آمنة”، من مواصلة العمل على مبادراتها السلمية، بالتوسط لوقف الاقتتال واستعادة التعايش السلمي بين مكونات المدينة والولاية. هذه القوى المدنية المناهضة للحرب جديرة بأن يكون لها دور في أي تسوية سلمية تاريخية للنزاع المتطاول.
المصدر: صحيفة التغيير