أوراق أديس أبابا السودانية , اخبار السودان
عمر العمر
ربما نتفق على توصيف لقاء أديس أبابا خطوةً إلى الأمام. لكن حصيلة اللقاء تبدو بمثابة خطوتين إلى الوراء. فهي لم تأت على مستوى التوقع. هذه القراءة ليست ناجمة عن تفاؤل أو تشاؤم. بل عن تبصر في الخلاصات في ضوء الواقع. حينما تنزلق نملة من على جدار فإنها تعاود الصعود سالكة ً دربا مغايراً. كأنما لم يستوعب اللقاء عميقا دروس المرحلة الإنتقالية. فحصاد اللقاء ترحيل كل القضايا إلى توقيت مفتوح على المجهول رهانا على استقطاب شريك لن يأتي أبدا. كلاهما؛ الترحيل والشراكة أبرز آفات المرحلة الانتقالية. طالما هو التحالف الأعرض فالأجدر به التقدم على درب الإنجاز. إذا كان اشراك الغائبين ضرورة وطنية فالأفضل إلتام المؤتمر بعد ضمان حضورهم مسبقا. الإعداد لتوسيع التيار العريض بزخم أرشق عملية ليست عصية .تبني أي خطوة عملية ولو على جبهة الإغاثة و هي مسألة تقتضي (أقصى درجات السرعة) تمنح حتما اللقاء وهج الجدية المطلوبة . الترحاب بمفاوضات جدة لا يرقى إلى مستوى الموقف منها حال الفشل أو النجاح.
*****
رغم الحديث عن الانكباب على مناقشات عميقة إلا أن البيان الختامي أعلن عن الإقبال على تنظيم ورش تعد توصيات لتطوير الموقف التفاوضي المدني، الاصلاح الأمني والعسكري،العدالة الإنتقالية، إعادة بناء أجهزة الدولة، السلام رتق النسيج الإجتماعي ومحاربة خطاب الكراهيةفضلا عن وضع دستور دائم وبرنامج اقتصادي.البيان لم يفصح عن الطرف الأخر على طاولة التفاوض.؟ لماذا لا يعتمد على جبهة التيار العريض بغية انجاز كل المهام الوطنية دون ولوج عملية تفاوضية لا تحتمل الكارثة؟.بما أن تشكيل الورش رهين بإنضمام الشركاء المرتقبين فان توقيت (المؤتمر التأسيسي) يظل كمصير عصفور وسط عاصفة. ركز البيان على إنهاء الحرب واسترداد الديمقراطية وهو محققضيتين أساسيتين. لكن الإغاثة قضية آنية ملحة .كما إعادة بناء الدولة والإعمار لا يقلان أهمية جديرتان بالتنويه والإعلاء على أجندة المرحلة التالية.
*****
البيان تحدث عن مشعلي الحرب ودعاة استمرارها لكنه لم يوجه رهبةً أو رغبة إدانة صارخة واجبة لأطرافها باسمائهم . أكثر من ذلك عمد فقط إلى مناشدتهم (مناشدة؟)بإيقافها! رغم الإجماع على حتمية التحول الديمقراطي إلا أن هناك لبسا متلبدا ينبغي تبديده الآن في هذا الصدد .فمن المهم الفرز بين المرحلة الإنتقالية وبين عملية التحول الديمقراطي. فالفترة الإنتقالية تؤسس للديمقراطية المستدامة لكنها غير محكومة بقواعد اللعبة الديمقراطية. فأجندة سلطة المرحلة الانتقالية الملحة تتمحور في تتفيذ شعارات الثورة .انجاز هذه المهام يتطلب بالضرورة سلطة مشبعة بروح الثورة متحررة من ضغوط اللعبة الديمقراطية إذ لم تكن رياحها قد هبت بعد .حكومة حمدوك الأولى واجهت موتا حتميا لأنها اختنقت في ظل ذلك التشويش المسموم عمدا وغفلة.فعوضا عن شحنها بروح الثورة كبلوها بقيود النظام الأوتقراطي تحت وهم الديمقراطية فتعطلت قدرتها على التغيير حد العجز .
*****
استهلال الورقة السياسية يغلب عليه الارتباك في المصلح والخطاب. فوصم الدولة السودانية بالفشل يشكل تبنياً لمحاججة معسكر الجنجويد بتبرير إنغماسهم في الحرب .(دولة 56).من الممكن الحديث عن فشل حكومات لكن الدولة تفشل حينما تعجز عن الدفاع عن وحدة شعبها وترابها .هذا حال لم يألفه السودانيون إلا في عهد البشير والبرهان. من ثم القول إن حرب ١٥ابريل لم تكن استثناء في الفشل السياسي منذ الاستقلال قفز فوق مساحات من الحقائق والجدل الموضوعي.كذلك وصم (الطبقة السياسية بالفشل والقوى المدنية)ينطوي على تعميم مخلٍ.ذلك اتهام يوجه إلى نُخب حاكمة بعينها ،إذا تجاوزنا الجدل في شأن(الطبقة السياسية) مصطلحا. الورقة نفسها تعود في الفقرة ذاتها لتصف الحرب (نتيجة حتمية للخلل البنيوي )لنظام الإنقاذ. (متفقٌ عليه ).هذا توصيف يبرئ (الدولة والطبقة السياسية)من وصمة الفشل! هذه خلاصة تناقض القراءة السابقة!
*****
الورقة التنظيمية أسمت عبدالله حمدوك رئيسا للهيئة القيادية التحضيرية للمؤتمر التأسيسي. لكنها سكتت عن تسمية أعضاء اللجنة. تلك مسألة تتيح لخصوم التيار فرصة فتح فوهات النقد.هم يستثمرون حتما هذا السكوت فيتحدثون عن خلافات أجلت استكمال تسمية أعضاء اللجنة. فوهات النقد ستنفتح بالطبع على حمدوك من منطلق عجز التحالف العريض ازاء الاتفاق على رأس بديل مقبول لدى الجميع أو الغالبية استنادا لتحميل حمدوك إخفاقات حكومته.النقد بدأ بسيل في صيغة أسئلة استنكارية في شأن تمويل أكثر من مؤتمر في الخارج.؟ بهت القيادات في الخارج بالعيش في محيطات مبطنة بالرفاهية بعيدا عن معاناة الهاربين من جحيم الحرب و المعانين تحت أدخنتها ؟مما يزيد كثافة نيران النقد استهداف 2000 مندوب إلى المؤتمر التأسيسي المرتقب في موعد يؤمل له 8 أسابيع.؟
*****
الورقة نفسها تعترف بالإفراط في التفاؤل اذ نصت على الاحتفاظ بالنسب حال عجز الهيئة التحضيرية عن استنفار الألفي مندوب. النسب في كل الأحوال تعيدنا إلى درس النملة. اذ كانت المحاصصة سوسة حكومة و أجهزة المرحلة الإنتقالية ما تم تشكيلها منها وما لم يتم! فان التحرر من عقلية المحاصصة والمساومة فرض عين ينبغي ممارسته على المستوى الشخصي كما الصعيد التنظيمي .وإلا ستبذر سوسة الفشل نفسها داخل الأجهزة المرتقبة إبان المرحلة المرتجاة.فكما قال الساخر الإيرلندي جورج برنارد شو ( النجاح ليس لعدم ارتكاب أخطاء بل لعدم تكرارها) .كما تقول الحكمة المتداولة (إذا ركبا أثنان على حصان واحد فلابد أن يكون أحدهما في الخلف)
المصدر: صحيفة التغيير