اخبار السودان

سيدمج حميدتي قواته في الجيش بعد عشرين عاماً: يا مات الأمير، يا مات الفقير، يا مات البعير (22)

عبد الله علي إبراهيم

فات على “قحت” في سياساتها للإصلاح العسكري، التي قامت على دمج الدعم السريع في القوات المسلحة، أن حميدتي لم يتصالح مع هذه الفكرة فحسب، بل ظل يستنكرها أيضاً بغير مواربة.
ولا يعرف المرء عدد المرات التي قال فيها حميدتي صراحة إنه لن يخضع للدمج في القوات المسلحة. فعقيدته الراسخة أن “الدعم السريع” جاء ليبقى. فجاء في كتاب “جنجويد الإمبراطورية” لعشاري أحمد محمود أن حميدتي أعاد في تأبينه لأحد قادة القوات المسلحة في الرابع من يونيو 2021 ما سبق أن قاله للطاهر حسن التوم على برنامج “حتى تكتمل الصورة” في 2018 حرفاً بحرف. فقال في تأبين 2021، والدعوة إلى حل “الدعم السريع” لا مجرد دمجها يتردد صداها في شوارع الخرطوم، إن انشغال الناس بدمج قواته مجرد جهل بمنشئها وأدوارها في الدفاع عن البلد. فقواته قامت لتهدئ من روع دولة خشيت من غزو حركات دارفور المسلحة للخرطوم حتى إنها فكرت في هدم جسر مدينة كوستي الرابط بين الغرب والعاصمة. وقامت قواته بالواجب. فما احتاجت الحكومة إلى هدم الجسر. واستنكر على المطالبين بدمجهم، بعد خدماتهم تلك للبلد، هذا الجحود: يأكلونهم لحماً ويرمونهم عظماً.

وخلص حميدتي إلى أن كلام دمج “الدعم” في الجيش بلا طائل لأنه قام بقانون صادر من برلمان منتخب. وعليه فهو ليس كتيبة أو سرية تدمجها في الجيش متى شئت. وأضاف أنه يخشى أن مثل هذا الكلام عن “الدعم السريع” قد يقود إلى تفرق البلد. وزاد بأنه وعبدالفتاح البرهان، قائد القوات المسلحة سواء بسواء. فتعين البرهان في القوات المسلحة، وهو خريج الكلية الحربية، بقرار من الرئيس عمر البشير، كما تعين هو الذي لم يدخل هذه الكلية. فلا يوجد، في قوله “فريق خلاء”، وهي العبارة التي يصف بها السودانيون أمثاله ممن حمل رتبة عسكرية بينما لم يتخرج من الكلية الحربية، وفريق كلية لأن القرار في كليهما صادر من جهة واحدة، بل تباهى بجيشه قائلاً إنه يدرب المستجدين فيهم لتسعة أشهر بينما يكتفي الجيش النظامي بتدريبهم لستة أشهر. وتعجب أن توصف قواته كـ”ميليشيات” مع ذلك. وأوحى بغير تصريح بأن هناك من يكيد لـ”الدعم السريع” من وراء حجاب، بل ويرتكب فظاعات ينسبها لـ”الدعم السريع”.

وقال إنه جاهز ليجيب عن كل سؤال عن كل سوأة منسوبة له. وقال إنهم يقولون في مثل هذا الموضع في باديتهم “أمرق جلابيتك”، أي اخلعها في معنى “اخلِ ساحتك من التهمة الموجهة إليك”. وواجه الحضور قائلاً إنه إذا غلط في حق أي منهم فتلك جلابيته.

وحديث حميدتي في تأبين 2021 محمول من أقوال له في لقائه مع الطاهر المار ذكره في 2018، أي بعد عام من صدور قانون “الدعم السريع”.
الطاهر: ما مصير “الدعم السريع” بعد انتهاء مهمتها هل تكون جزءاً من الجيش؟
حميدتي: يكون وضعها قوات “دعم سريع”. تتدرب وتتأهل. هي قوات الآن.
الطاهر: يعني تظل موجودة؟
حميدتي: يعني انتهت المهمة يشيلوها يجدعوها واللا كيف؟
الطاهر: تنضم إلى الجيش.
حميدتي: هي جيش.
الطاهر: تدمج.
حميدتي: هي ليست ميليشيات كي تدمج. هي أصلها قوات.

ولن تجد خطاب الإصلاح العسكري والأمني في الاتفاق الإطاري، مع ذلك اعتبر تصميم حميدتي الذائع ألا يندمج في الجيش لأنه جيش في حد ذاته، فجعل الاتفاق الإطاري “الدعم السريع” مكوناً في الأجهزة النظامية على مثال القوات المسلحة، لكنه نادى، من الجهة الأخرى، بإصلاح عسكري “يقود إلى جيش مهني وقومي واحد يحمي حدود الوطن، والحكم المدني الديمقراطي وينأى بالجيش عن السياسة”. غير أنه مع ذلك مكون ذو صلاحية في غاية المحدودية. فسيتبع القوات المسلحة يوماً ما.

لن نفهم هذا الحرص على بقاء “الدعم السريع” جيشاً مستقلاً إلا بالنظر أيضاً إلى اقتصاده. فوصف تقرير لمركز الدفاعات المتقدمة بعنوان “حاميها حراميها”، “الدعم السريع” بأنه شركة عائلية تجارية سعت إلى الاستقلال المالي عن الدولة والانخراط في شبكة إقليمية وعالمية للاستثمار والربح. فبلغت مساهمة شركات الأسرة 58 في المئة ببنك الخليج. وحجزت لجنة جرائم الحرب وانتهاكات “الدعم السريع” في 25 أكتوبر الجاري على أرصدة 22 حساباً لشركات وأسماء عمل في شبكة آل دقلو. ولا تسمع ذكراً لهذا الاقتصاد الأسري في خطاب الإصلاح العسكري فحسب، بل بيت هذا الخطاب تجريد الأسرة منه. فحظر الاتفاق الإطاري “مزاولة القوات النظامية (والدعم السريع ثاني اثنين فيها بعد القوات المسلحة) الأعمال الاستثمارية والتجارية ما عدا تلك التي تتعلق بالتصنيع الحربي والمهام العسكرية وفقاً للسياسة التي تضعها الحكومة الانتقالية. وتؤول لوزارة المالية والتخطيط الاقتصادي جميع الشركات الحكومية والمملوكة للقوات النظامية المختلفة وجهاز الاستخبارات، والتي تعمل في قطاعات مدنية، وتخضع بقية الشركات المملوكة للقوات النظامية، والتي تعمل في قطاعات عسكرية وأمنية لإشراف وسلطة رقابة وزارة المالية في الجوانب المالية والمحاسبية وسلطة ديوان المراجع القومي”.

لا أعرف كيف ساغت لأهل الاتفاق الإطاري العزة بتوقيع حميدتي على الاتفاق الذي تربص بـ”دعمه السريع” فجرده من استثماراته، ورتب لحله في القوات المسلحة في يوم قريب. وفاتت عليهم أمثولته التي قبل بها الدمج في جيش قومي مهني، ووقع على الاتفاق الإطاري بوحي من بلاغتها. فقال لهم إنه لا يمانع في الدمج في القوات المسلحة، لكن وفق جدولة تمتد 20 عاماً. ولو علموا عن المصادر الثقافية التي أملت تلك العبارة لحميدتي لعرفوا أنه كأنه كان يقول لهم إنني لن اندمج والسماء قريب. وبدلاً من أن يفقهوا قوله دخلوا معه في مساومة أن يجعلها عشر. ويفتح الله يستر الله. ولو فقهوا أمره لعلموا أن حميدتي إنما استوحى في تأجيل موعد الدمج كما فعل من حكاية الأمير والفقير (معلم القرآن) والبعير. فكان الأمير طلب الفقير وقال له أن يعلم بعيره المفضل الكلام وإن فشل قتله. فقبل الفقير ولكنه اشترط أن ينتظره الأمير لخمس سنوات ليستوفي تعليم البعير. وما علم الناس بالأمر حتى توافدوا عليه مشفقين قبوله هذا الأمر المستحيل الذي سيقوده إلى حتفه. فقال الفقير يطمئنهم: يا أهلي في خمس سنوات يا مات الأمير يا مات الفقير يا مات البعير”.

وما يحدث في الـ20 عاماً التي طلب حميدتي “قحت” أن تنظره قبل دمج قواته كثير جداً.

حين يتكلم حميدتي بغير ثقافة الصفوة: أمثولة الأمير والفقير والبعير (12)

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *