وسط ركام الحرب… إصرار حكومي بالسودان على بدء الدراسة
على الرغم من دمار نحو 40% من المؤسسات التعليمية بالعاصمة السودانيةالخرطوم ، وتعرض الـ60% الأخرى للنهب، و استخدام ما لا يقل عن 89 مدرسة في 9 ولايات، كملاجئ للنازحين، تصر حكومة الأمر الواقع في السودان على استئناف الدراسة، وفقا لتوجيهات رئيس الانقلاب عبد الفتاح البرهان.
الخرطوم : التغيير: سارة تاج السر
من المنتظر أن تعيد بعض الولايات الآمنة، فتح ابواب مدارسها، في نوفمبر المقبل، حيث اعتمدت ولاية نهر النيل، شمال السودان، الخامس من الشهر بداية لانطلاقة العام الدراسي الجديد لمراحل الإبتدائي والمتوسط والثانوي، فيما تسعي ولايات الجزيرة، البحر الأحمر، الشمالية، لإعادة التلاميذ لفصولهم دون أن تحدد موعداً لذلك.
اليونسيف و إنقاذ الطفولة : فقد المعلمون رواتبهم منذ بدء النزاع المسلح إلى جانب نقص الإمدادات التعليمية وعدم صيانة المرافق
19 مليون طفل
جراء حرب منتصف أبريل بين الجيش والدعم السريع، إلغي امتحان الشهادة السودانية، والاختبارات الصفية، واغلق مايفوق 10.000 مدرسة في المناطق المتضررة، وطبقا لليونسيف ومنظمة انقاذ الطفولة، فان ما يقدر بنحو 19 مليون طفل في السودان خارج المدرسة، ومن بين هذا المجموع طفل واحد من كل 3 أطفال في البلاد، أي ما يعادل حوالي 6.5 مليون شخص، فقدوا إمكانية الوصول إلى المدرسة بسبب تزايد العنف وانعدام الأمن في منطقتهم.
في الوقت نفسه، ينتظر أكثر من 5.5 مليون طفل يقيمون في مناطق أقل تأثراً بالحرب أن تؤكد السلطات المحلية ما إذا كان من الممكن إعادة فتح الفصول الدراسية.
وقالت ممثلة اليونيسف في السودان، مانديب أوبراين، في اكتوبر الجاري إن “السودان على وشك أن يصبح موطناً لأسوأ أزمة تعليمية في العالم”.
دمار 40% ونهب 60% من المدارس
قالت الأمم المتحدة : إن ما لا يقل عن 89 مدرسة في 7 ولايات، تستخدم كملاجئ للنازحين، بالمقابل تعرضت أكثر من 1500 مدرسة أي ما يعادل 40% من المؤسسات التعليمية في العاصمة الخرطوم، للدمار شبه التام، جراء العمليات العسكرية خلال الأشهر الخمسة الاولي من الحرب وفق ماذكره وزير التربية والتعليم في حكومة الانقلاب محمود سر الختم الحوري، خلال حوار مع وكالة “سبوتنيك”، سبتمبر الماضي.
وأضاف :إن الـ60% الباقية من المدارس تعرضت لنهب في بنياتها التحتية، وغالبيتها تشكل مؤسسات التعليم الخاص، وكذلك مرافق التعليم الحكومية التي نُهبت ممتلكاتها ووسائل النقل فيها.
وأكد أن ما حدث له أثر كبير وبالغ في قطاع التعليم في بلد مثل السودان، بالنظر إلى تعطل العام الدراسي، وتدمير مرافق التعليم في مدينة الخرطوم، وأيضاً ما تعرض له طلاب الشهادة السودانية الذين كانوا على استعداد لأداء الامتحانات، وهو ما عرض التقويم الدراسي لخلل نتيجة للحرب، ولكن ثمة مساعٍ لتوفير الحلول المناسب.
“اليونسيف” وانقاذ الطفولة، أكدتا أنه برغم الجهود الجارية في عدد قليل من المناطق لضمان بقاء أنظمة التعليم فعالة، إلا أن هناك قيودا كبيرة، والاحتياجات تفوق الموارد بسرعة.
خطة بديلة
رغم القيود الكبيرة التي ذكرتها المنظمتان، الا أن المسؤول السوداني كشف عن خطة بديلة حال استمرت الاشتباكات، تتضمن إعادة توزيع الطلاب والأساتذة على الولايات المستقرة لضمان استمرارية التعليم في العام الجديد.
وأوضح الحوري أن الوزارة اتخذت خطة طارئة منذ بداية الحرب لمواجهة تداعيات الصراع، تركزت على تعزيز إمكانيات المؤسسات التعليمية في الولايات الأخرى لزيادة قدرتها على استيعاب الطلاب.
و أوضح أن وزارته ستدعم التعليم من خلال تأمين رواتب المعلمين وطباعة الكتب المدرسية، و قال إنها تلقت تعهدات من وزارة المالية بتوفير التمويل اللازم لتنفيذ الخطة ضمن جهود معالجة تداعيات الحرب واستعادة نظام التعليم في السودان.
مهددات وعقبات
حديث وزير التعليم عن تأمين الرواتب وطباعة الكتاب المدرسي، يخالف الواقع حيث ان بعض المعلمين لم يتقاضوا مستحقات 7 اشهر ، والبعض الاخر 5 و4 شهور.
وقالت منظمتا اليونسيف وانقاذ الطفولة : الإنفاق على الخدمات الاجتماعية شهد انخفاضا حادا، حيث فقد المعلمون في جميع الولايات تقريبا رواتبهم منذ بدء النزاع المسلح، الى جانب نقص الإمدادات التعليمية، وعدم صيانة المرافق.
بالمقابل فان مقررات الصف الثالث متوسط لم يتم اكمال اعدادها من قبل المركز القومي للمناهج والبحوث التربوية، كما أن المنهج لم يستوف المطلوبات الفنية ولم يجرب كما لم يتم تدريب المعلمين عليه. وفقا لاراء معلمين وخبراء تربوين، معتبرين ان فتح المدارس بالمناطق الامنة، قبل انهاء الصراع قرار كارثي، ويمهد لانفصال جديد في الدولة السودانية،
التربوي والمختص في سياسات تكنولوجيا التعليم الأستاذ عمر بابكر حسن، وصف القرار بالمعيب و أنه يفتقر لأدني مقومات عملية صناعة القرار، ولايستند على أي معطيات ومعلومات وبيانات من واقع الحرب المتردي.
واعتبره قراراً سياسياً بإمتياز وتوقع صعوبة في تطبيقه عمليا، وطالب في افادته
لـ «التغيير» أولياء الأمور وأصحاب المصلحة في عملية التعليم والتعلم بمناهضة القرار، ورأى أنه حال أصرت حكومة الأمر الواقع على فتح المدارس في مناطق بعينها، فذلك يعني نقل الحرب من المربع الحالي إلى مربع وضع “بذرة الانفصال” بسبب التمييز. بين المواطنين السودانيين، وتوقع أن يترتب على ذلك آثار كارثية .
تربوي: القرار كارثي و لايستند على أي معطيات أو معلومات أو بيانات من واقع الحرب المتردي
وقال بابكر: إن كل تربوي يسعي إلى استئناف الدراسة، لتأثير إطالة العام على البنية النفسية والاجتماعية للطلاب والطالبات والأسر والمجتمع، و أضاف: أي عام دراسي لديه العديد من المقومات البديهية منها توفير البيئة التحتية للمدارس من حيث الكتاب المدرسي والإجلاس ومعينات التدريس، المعلمين الأكفاء المؤهلين المدربين الذين يمتلكون أموالا وأوضاعا اقتصادية واجتماعية تمكنهم من مواصلة عملية التدريس وهذا غير متوفر ، خاصة و أن المعلمين في بعض الولايات لم يصرفوا مستحقاتهم المالية منذ سبعة أشهر، و ولايات أخرى لم تصرف مرتبات خمسة أشهر إضافة إلى منحة العيدين.
و أشار إلى أن المدارس في عدد من الولايات أصبحت مراكز لإيواء النازحين في 9 ولايات منها الخرطوم وجنوب دارفور و تمثلان 35% من عدد الطلاب بالسودان، وكشف بابكر أن مقررات الصف الثالث متوسط لم يتم اكمال اعدادها و إذا تم تأليفها ووضعها لم تتم طباعتها ، علما بأن هذا العام كان من المقرر تطبيق السلم الجديد (السابق) 6:3:3 ، ولكن لم يتم تدريب المعلمين عليه ولم يجرب كما لم يستوفٍ المطلوبات الفنية التربوية، واعتبر أن الإصرار على فتح المدارس سيكون بمثابة بذرة إنفصال .
ومضي بابكر بالقول: وزير المالية جبريل إبراهيم قبل حوالي شهر ، أعلن عن إنخفاص الإيرادات إلى 12%، و أضاف: هذا يعني أن المجتمع عليه أن يتحمل عبء العملية التعليمية بنسبة 100% بدلاً عن 80% قبل الحرب، حسب الدراسات التي أجراها البنك الدولي للسنوات الماضية، وشدد على ضرورة إيقاف الحرب والوصول إلى وقف اطلاق نار دائم لأنه يمثل أولوية وليس استئناف العام الدراسي الجديد .
الناطق الرسمي باسم لجنة المعلمين السودانيبن سامي الباقر، جدد موقفهم الثابت، باستمرار العملية التعليمية، لكن ليس بالصورة المتعجلة واعتبر في حديثه مع لـ «التغيير» أن القرار الصادر من ولاة بعض الولايات،سياسي ويفتقد للسند القانوني وفيه تغول على دور وزارة التربية والتعليم الاتحادية
لجنة المعلمين : ماذا ستفعل الحكومة بآلاف الأسر التي أتخذت المدارس دور إيواء؟
وإكد الباقر أن العودة للمدارس يحتاج إلى دراسة أعمق و أن استئناف الدراسة في بعض المناطق يفقد التعليم قضية مهمة هي العدالة و يكون مدخلا لتقسيم السودان.
و أوضح أن المشاكل المحيطة بالعام الدراسي لاتقتصر على مناطق الصراع فقط وانما تشمل المدن الآمنة، من بينها عدم وجود كتاب الصف الثالث متوسط، واتخاذ المدارس مراكز إيواء للنازحين وقال “ماذا ستفعل الحكومة بهم هل ستخليهم قسرياً، وماهو مصير المعلمين والطلاب في مناطق القتال، اللجوء، فضلا عن اجور المعلمين”.
و أشار الباقر إلى الاقتراح الذي تقدمت به لجنة المعلمين بتشكيل لجنة قومية للنظر في إعادة فتح المدارس، برئاسة وزارة التربية الاتحادية، وممثلين من المعلمين، على أن يكون من مهام اللجنة دراسة الأمر بكل جوانبه ورفع توصياتها بلا تحفظ حتي و أن كانت احداها عدم فتح المدارس إلا بعد توقف الحرب.
المصدر: صحيفة التغيير