اخبار السودان

أوضاع معيشية قاسية تواجه الفارين من الحرب في السودان

أوضاع اقتصادية ومعيشية قاسية فرضتها حرب 15 ابريل في السودان على المواطنين خاصةً الفارين من مناطق الاشتباكات، فيما حذر خبراء من فشل الموسم الزراعي الشتوي.

الخرطوم: التغيير

أكثر من ستة أشهر من المعاناة عايشها السودانيون بسبب الحرب المستمرة بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني منذ منتصف ابريل الماضي، سواء كانوا مقيمين أو نازحين إلى الولايات الأخرى، نتيجة الغلاء وتوقف مصادر الدخل.

وأصبح الحصول على مستلزمات الأكل والشرب والخدمات المختلفة أمراً غاية في الصعوبة، وتدهورت الأوضاع المعيشية للمواطنين الذين أصبحوا نازحين في المدارس والأندية والداخليات ولاجئين في دول الجوار بصورة غير مسبوقة.

ودخلت حرب 15 ابريل بين الجيش والدعم السريع شهرها السابع مع آمال مشوبة بالحذر في أن ينجح منبر جدة للتفاوض بوضع نهاية لمعاناة الملايين الذين يقاسون الأمرين جراء توقف معظم أوجه الحياة نتيجة الحرب.

دور الإيواء

وتوزع النازحون الفارون من الحرب بالخرطوم على دور الإيواء في الولايات “مدارس، داخليات، خلاوي، دور حكومية ورياضية” في ظروف صحية واجتماعية ومعيشية ونفسية معقدة.

ويبلغ عدد مراكز الإيواء في ولاية الجزيرة (400) مركز والنيل الأبيض (253) وحوالي (30) مركزاً بسنار وأكثر من (100) بولاية البحر الأحمر و(34) بالقصارف وأيضا أكثر من (140) دار إيواء بالشمالية.

تراجع الاقتصاد

ووتراجع الاقتصاد السوداني بصورة كبيرة جداً، حيث فقد الجنيه السوداني (40%) من قيمته أمام العملات الأجنبية بسبب تداعيات الحرب.

وقدر البنك الدولي نسبة الانكماش في الناتج المحلي الإجمالي للسودان بـ(12%)، فيما قالت منظمة الهجرة الدولية إن عدد المواطنين الفارين من الحرب بالسودان تجاوز (5.8) ملايين شخص.

وضع مزري

ووصف الباحث الاقتصادي صلاح الدين المعتصم الوضع الاقتصادي بالمزري، وقال: ارتفعت نسبة العطالة بسبب الحرب بانضمام الآف الموظفين في القطاعين العام والخاص لصفوف (العطالة المؤقتة) بدون مرتبات ما عدا بعض المؤسسات الحكومية خاصة الإيرادية “الكهرباء، الضرائب والموانئ البحرية” على سبيل المثال.

وأضاف بأن الأولوية أصبحت للأكل والشرب، وأشار إلى أن بعض المرضى يكتمون الآمهم لأنهم لا يملكون ثمن الدواء والعلاج فيموتون في صمت.

وأضاف لـ(التغيير): الكساد أصبح سيد الموقف بعد أن تحول الجميع لطبقة صغار التجار أو البائعة الجائلين، يمكن أن تصادف مهندساً أو موظفاً أو طالباً أو حتى طبيباً (فارش بضاعة) في الأرض أو على (عربة درداقة).

وتابع: الحرب حولت متوسطي الدخل لفقراء بل أصبح الكثير من الأغنياء فقراء بعد أن فقدوا كل ممتلكاتهم. طموحات المواطنين انحصرت في الأكل والشرب والسفر خارج السودان.

وزاد المعتصم في حديثه: حتى الأكل والشرب والدواء بات يشكل مطمعاً للمتحاربين ودونكم القوافل التجارية لولايات دارفور التي تحرسها الحركات المسلحة وعمليات النهب المتواصل من قطاع الطرق للقوافل التجارية حتى في الولايات الآمنة.

ونبه إلى الجبايات والرسوم على البضائع الأمر الذي يزيد من الأسعار ويفاقم معاناة المواطنين.

وحذر المعتصم من فشل الموسم الزراعي الشتوي في المشاريع المروية، وأشار إلى أن ذلك من شأنه أن يؤثر على وفرة المحاصيل “القمح والفول والخضروات المختلفة”.

دمار البنية

من جانبه، أبدى البروفيسور أحمد سالم في حديثه لـ(التغيير)، أسفه للحالة التي وصل إليها الشعب السوداني جراء القتال، وقال: هذه الحرب نجحت في هدم ودمار البنية التحتية والمرافق الحيوية ومؤسسات الخدمات الأساسية وضربت بقوة مصادر الإنتاج الصناعية وأخرجتها من الخدمة وعطلت معظم عناصر الإنتاج الزراعي والحيواني نتيجة لعدم الاستقرار الأمني.

وأضاف سالم بأن التقديرات الأولية تشير إلى أن هنالك ما يزيد عن (60) ألف ما بين قتيل جوريح من الجانبين عسكرين ومدنيين و(5) ملايين سوداني ما بين نازح ولاجئ ومهاجر وتم تدمير أكثر من (80%) من البنية التحتية الصناعية وخسر الاقتصاد السودانى عشرات المليارات من الدولارات نتيجة لذلك الدمار.

أرقام صادمة

ولفت أحمد سالم إلى أن العملية التعليمية أيضا توقفت في جميع مستوياتها، وتعطلت الدراسة بالجامعات (155 جامعة وكلية جامعية) وتوقفت المدارس الإبتدائية (أكثر من 17 ألف مدرسة) والمدارس الثانوية (أكثر من 3800 مدرسة).

ونبه إلى توقف الخدمات الطبية في معظم المستشفيات جراء القصف والتدمير أو لشح الأدوية وصعوبة توفرها مع غياب الكادر الطبي، هذا إضافة إلى التردي المريع في خدمات المياه والكهرباء والغاز والوقود والنقل والترحيل في جميع أنحاء السودان.

الخاسر الأكبر

وأكد سالم أن الطرفين فشلا في تحقيق الأهداف التي من أجلها اندلعت الحرب، فشلت مليشيا الدعم السريع المتمردة في استلام السلطة وفرض رؤيتها السياسية لحكم السودان، ولم يتمكن الجيش السوداني حتى الآن من إلحاق الهزيمة الماحقة بالمليشيا وإخراجها من المعادلة الأمنية والسياسية وفرض سلطته على الدولة وتوفير الأمن والاستقرار لأهل السودان.

وأكد أن الخاسر الأكبر فى هذه المعركة هو المواطن السوداني الذي فقد مسكنه وماله وممتلكاته وعرضه وأمنه واستقراره ووطنه وارتفعت معاناته المعيشية وأصبح إما نازحاً أو لاجئاً أو مهاجراً.

أمراض ووبائيات

من جهته، قال مدير إدارة الطوارئ الصحية بالهلال الأحمر السوداني د. عبد الرحمن حامد لـ(التغيير)، إن واقع العمل الإنساني أثبت أن أكبر مشكلة تواجه النازحين الفارين من الحرب هي الوضع الاقتصادي المتردي في المقام الأول (الظروف المعيشية) بجانب معاناة أصحاب الأمراض المزمنة “القلب، الضغط، السكري والأورام”.

وأشار إلى أن تكافل السودانيين (الأسر المستضيفة) قلل من عددية النازحين في مراكز الإيواء.

وأكد حامد أن هنالك انتشاراً لبعض الأوبئة حسب ما أعلنته الجهات الحكومية المختصة، وأوضح أن لديهم أتيام طبية وحملات لرش البعوض ونواقل الأمراض.

نقص المعينات

وأشاد د. عبد الرحمن حامد بالمواطنين في الولايات المستضيفة الذين قللوا من نسبة النازحين لمراكز الإيواء باستضافتهم لعدد كبير من الأسر.

وفيما يتعلق بتوزيع المعينات أكد حامد توزيع كميات من المواد الغذائية والوجبات الجاهزة، ونوه إلى أن المواد الغذائية والطبية الموجودة غير كافية، كما لا توجد خيام ولا بطاطين مع قدوم فصل الشتاء.

على كل، واقع الحال اليوم في الخرطوم والولايات المتأثرة بالحرب، أو حتى تلك الآمنة، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن تأثير حرب 15 اكتوبر داخل إلى كل منزل في السودان، سواء بالضرر المباشر أو عبر تأثيرها على الاقتصاد بالغلاء والشح وتوقف الرواتب وتآكل قيمة العملة الوطنية، فضلاً عن تزايد الفارين من الحرب، لتصبح المعاناة المعيشية هي عنوان المرحلة، على أمل توقف الحرب عبر التفاوض قريباً.

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *