بين الوهم والحقيقة .. حكيم تنفي العبث عن الحياة “في رحلة الطريق إلى الله”
بعنوان “محطات على الطريق بين الوهم والحقيقة في رحلة الطريق إلى الله”، صدر كتاب جديد لبشرى حكيم، طارحا أسئلة من قبيل: “هل ما نراه ونعتبره واقعا هو الحقيقة أم إنه الجزء الظاهر منها فقط؟ أو ربما يكون لا هذا ولا ذاك وأن كل ما نراه ونعيشه ونعتبره حقيقة مطلقة لمسناها بذواتنا المادية هو مجرد وهم وقشور وغشاوة تعمي البصر والبصيرة وتحجبنا عن رؤية الحقيقة؟”.
الأسئلة المطروحة في الكتاب الجديد “ليس بالضرورة الوصول إلى أجوبة مقنعة عنها، لكن مجرد طرحها يجعل المرء يغوص في أعماق ذاته ليكتشف خباياها، ليخرجها من الظلمات إلى النور”، وهي أسئلة جعلت قطار حياة الكاتبة “يمر من جديد أمام عيني، لكن بوعي هذه المرة، وجعلتني أمد يدي إلى البئر المظلمة بداخلي لأفرغ كل ما فيها ولأكتشف ألا شيء نعيشه يكون عبثا.”
وتابعت الكاتبة: “لا شيء في الوجود يسمى صدفة. كلها أقدار ومحطات، نمر بها لنصل إلى ذواتنا الحقيقية لنعرف الطريق إلى الله. حتى الأشخاص الذين نلقاهم على الطريق ويلعبون أدوارا في حياتنا، سواء أكانت أدوارا رئيسية أو ثانوية فيفعّلون جراحا ويضعون أصابعهم على أخرى، لا يعدو أن يكون ظهورهم في حياتنا مجرد رسائل لنستيقظ ولنترك التعلق بكل ما هو مادي، وبالأشخاص، ونمد جسور التواصل بالله سبحانه وتعالى.”
ويضم المؤلَّف إحدى عشرة محطة، وخواطر نثرية، تحاول ربط ماض ظنّته حكيم مختفيا، وينطلق من محطة حي مولاي عبد الله ساردا ومضات الطفولة المبكرة في البيت والحي اللذين احتضنا أولى سنوات طفولة الكاتبة “حيث كان كل شيء يبدو لي غريبا، الأماكن، الناس، وأنا”، ثم ينتقل إلى محطة الرحيل والانتقال “من مكان إلى آخر للعيش فيه، حتى وإن كان قريبا يخلف أثرا كبيرا في أعماق طفل يحاول فهم الحياة.”
ويحكي العمل قصص الأحياء الشعبية في محطته الثالثة، وهي قصص “تبدو مختلفة في ظاهرها، لكنها الحكاية ذاتها تتكرر في كل بيت تقريبا”، ومن ثمة إلى “رحلة البحث عن الماء”، التي كانت “عملا روتينيا شاقا يمارس كل يوم”، وشكلت “لبنة جوهرية في حياتي.”
أما خامس المحطات فـ”السوق”، وصوره وحكاياته، ثم محطة من الكُتّاب إلى المدرسة فـ”حاضرة المحيط”، و”محطة الأربعين أو الليلة المظلمة للروح”، التي اكتشفت الكاتبة فيها “أننا متواصلون مع كل ما يحيط بنا، ومن يعتقد أنه كائن منفصل عن الكون فهو بالتأكيد واهم. في الأربعين تواصلت حتى مع تلك الحشرات المهينة (…) فرأيت قدرة الخالق عز وجل في أصغر خلقه. شيء ما أيقظني في الأربعين، ليجعلني أعيد النظر في كل حساباتي، تجاه نفسي، تجاه غيري، وتجاه الخالق عز وجل. وقد كان وما يزال استيقاظا صعبا لأنه يسقط كل المعتقدات المغلوطة، وكل الأقنعة ويقتل النفس المظلمة بكل ما تعنيه كلمة قتل من معنى.”
وتواصل: “تستعيد الروح في الليلة المظلمة عجلة القيادة، فتحدث حرب بين الروح والعقل، الذي سيطر كل تلك السنوات الماضية وبرمج نظام حماية قوي اسمه الإيجو. تصعد في الليلة المظلمة كل جراح الطفولة وتطفو على السطح لتجبرك على اعتزال الناس والتركيز على الذات لمعرفة من تكون. ليس لديك خيار في الليلة المظلمة، مجبر أنت على التشافي وعلى العودة إلى حقيقتك وإلى الله”.
ومن بين محطات الكتاب، “المدينة”؛ “رمز الحضارة لكنها في الآن ذاته رمز الاستعباد”، ومن هناك إلى “رحلة البحث عن الله”، التي تقول عنها: “قد يستغرب المرء حين يسمع برحلة البحث عن الله. وما هي الحياة الدنيا إن لم تكن رحلة للبحث عنه في الباطن قبل الظاهر بنسف كل المعتقدات الخاطئة حوله وقتل الأنا المزيفة؟”.
وتوقفت آخر محطات الكتاب عند “الغربة مع الذات”، لتسرد “حكاية الأمير الذي ترك القصور وهام على وجه الأرض ليبحث عن الهم”، وهي حكاية سمِعَتها طفلةً من جدتها. وتكتب: “لا أذكر تفاصيلها، لكن جوهر الحكاية لم يغب عني، إنها رحلة البحث عن الذات والغوص في ظلماتها وفهم مصدر هذه الظلمات لنتمكن من تنظيفها والصعود إلى النور. هذه الظلمات هي بداخلنا، هي ظلمات اللاوعي المتوارية عنا، لكنها في الآن ذاته تتحكم فينا فتجعلنا نعيش غربتنا مع ذواتنا، فلا نعرف جوهرها ولا طريق العودة إليها.”
المصدر: هسبريس