المنافسة تشتد بين فرسان “السربات” للفوز بجائزة محمد السادس الكبرى للتبوريدة
على بعد يوم واحد من إعلان الفائزين، اشتدت المنافسة بين “السربات” السبع عشرة المشاركة في جائزة محمد السادس الكبرى للتبوريدة في دورتها السادسة، التي تقام على هامش معرض الفرس في الجديدة، الجمعة، الذي عرف توافد أعداد كبيرة من الزوار، عشاق هذا التراث الشعبي.
قبيل انطلاق المنافسات، يُسارع الفرسان إلى تجهيز خيولهم وتسريجها، قبل أن يرتدوا لباسا موحدا باستثناء مقدم “السربة” الذي يرتدي لباسا خاصا يميزه عن باقي الفرسان، كما أن لون سرج الخيل الذي يمتطيه يكون هو الآخر مخالفا لألوان سروج باقي الخيول المكونة لـ”السربة”، لتنتظم بعدها جميع “السربات” المشاركة، التي تمثل مختلف جهات المملكة، وراء بعضها، وفقا للترتيب الذي يحدده المكلفون بالمسابقة، استعدادا لبدء المنافسة التي يستهلها الفرسان بـ”الهدة” أو التحية، تليها ثلاث طلقات بارود لكل “سربة”.
في خيمة “سربة النصحي” الممثلة لجهة كلميم وادنون، التي كانت آخر “سربة” التحقت استعدادا لإعطاء إذن الدخول للحلبة لأداء “الهدة”، التي تؤدى أمام الجمهور ولجنة التحكيم دون بارود؛ يُسارع الفرسان الزمن للالتحاق بمنافسيهم، إذ يتعاونون في ارتداء ألبسة تعكس انتمائهم الجغرافي وثقافتهم.
فجأة يدخل مقدم “السربة” “إبراهيم النصحي” مرتديا لباسا أصفر وسلهاما أخضر، وهو غاضب من تأخر بعض الفرسان في الالتحاق بزملائهم، ليهرول الكل بعدها في اتجاه الباحة الخلفية للخيمة، حيث رُبطت الخيول المُسرجة التي ألفت سماع صوت البارود. هناك حيث عاينت هسبريس خيلا هائجا يُمرغ نفسه في الأرض وكأنه مصاب بالجنون. أثار المشهد استغرابنا قبل أن نسأل أحد مساعدي “السربة” الذي أخبرنا مبتسما بأن “هذا الحصان إنما يتوق إلى سماع صوت البارود والمشاركة في عرض التبوريدة، وبما أنه لن يشارك اليوم فهو يحتج”، وفق تعبيره، قبل أن ينادي عليه أحد الفرسان لمساعدته على امتطاء حصانه.
يقف المقدم “النصحي” على عمود يُتيح له زاوية نظر علوية يراقب معها حركات كل فارس وفرس، موجها أوامره للفرسان ومساعديهم، والكل يمتثل دونما تعليق ولا رد، قبل أن يأتي أحد المساعدين بخيل مُميز امتطاه المقدم ليتحرك الجميع في اتجاه الساحة التي تطل على حلبة السباق في انتظار الأمر بالدخول لأداء التحية.
ويبدو مشهد “السربات” المتراصة وراء بعضها البعض أشبه بمشاهد أفلام الحروب والغزوات التاريخية، حيث تنتظر الجيوش أمر قائدها بالهجوم على العدو. قبل أن يأتي الأمر من مكبر صوت يُعلن اسم “السربة” التي ستدخل أولا لإلقاء التحية أو “الهدة”، لتليها بعدها باقي “السربات”.
وبينما تؤدي “السربات” التحية يسارع مجموعة من الشباب إلى حشو البنادق بالبارود، ومن ثم تسليمها إلى الفرسان، إيذانا ببدء مرحلة “القرصة”، أي طلقة البارود. ويسمى المكلف بهذه المهمة عند أهل التبوريدة بـ”العمار”، وعادة ما تُعهد إلى شخص له دراية كافية بفنون التبوريدة وبالتعامل مع البنادق والبارود، إذ يحرص على حشو “المكحلة” ودكها بقضيب حديدي، كما يتأكد من سلامة القرص ويضع “الحبة” التي تشعل البارود في مكانها المناسب، في عملية تتكرر عند كل طلقة إلى أن تستوفي “السربة” كل طلقاتها.
نعود إلى الحلبة الرملية التي توجد بإحدى زواياها شاشة كبرى تعرض اسم “السربة” التي دخلت لتوها إلى المضمار؛ هناك بدأت للتو مرحلة “الهدة الأولى”. وما إن يسمع “مقدم السربة” اسمه على مكبر الصوت حتى يعطي الأمر لفرسانه بالدخول إلى الحلبة والوقوف في نقطة الانطلاق ليبدأ بعدها العرض.
يردد “المقدم” عبارات تطلب من الله السلامة تارة، وتطلب من الفرسان تقويم خيولهم تارة أخرى، حفاظا على وحدة الصف والتناسق اللذين يعدان عنصرين مهمين في عملية التنقيط التي تعتمدها لجنة التحكيم، ثم يعطي بعدها الأمر بالتقدم مرددا عبارات من قبيل “وا المكاحل”، ليبدأ الفرسان بتحريك البنادق والقيام ببعض الحركات الاستعراضية التي تختلف من “سربة” لأخرى؛ قبل أن يصيح مجددا ليزيد الفرسان من سرعتهم وصولا إلى خط النهاية حيث تُطلق السربة البارود الذي يخلف سحابة من الدخان تحجب عن الجمهور أشعة الشمس الحارقة.
لا يتردد الجمهور في التصفيق والتصفير كلما نجحت إحدى “السربات” في توحيد طلقات بنادق فرسانها، ليتبعوا ذلك بعبارات من قبيل “اللهيعطيكوم الصحة أ الباردية”، ومنهم من يحتفل بـ”القرصة الناجحة” بطريقة هيستيرية تجمع بين الرقص والصراخ بصوت عال لا يمكن أن تخطئه أذن.
ومن المنتظر أن يتم غدا السبت الإعلان عن اسم الفائزين الثلاثة بجائزة محمد السادس للتبوريدة لهذه السنة، بعد إجراء آخر جولة من هذه المنافسات، ستكون حاسمة، حيث ستشد المنافسة بين “السربات” المشاركة، خاصة بين “سربة” المقدم “أسامة العسري” الممثلة لجهة الدارالبيضاء سطات، التي حصدت المركز الأول في الجولتين الأولى والثانية من هذه المنافسة تواليا، والرتبة الثانية في الجولة الثالثة التي جرت أمس الخميس، وبين “سربة” المقدم “اليقوت رشيد” عن جهة بني ملال خنيفرة، التي حصدت المركز الأول ضمن الجولة الثانية والثاني ضمن الجولة الثالثة.
المصدر: هسبريس