هل انتقل الكيان من حروب الحدود إلى “حرب الوجود”؟
تبرز في مختلف المستويات السياسية والعسكرية والنخب في الكيان الصهيوني منذ فترة، حتى قبل بداية المواجهة الجديدة بين المقاومة والاحتلال، تقديرات تصب كلها في طرح مخاوف جدية حول مستقبل دولة الكيان الصهيوني، وهو ما يعني بداية تسلل الخوف وانتقال العقل السياسي والعسكري والمجتمعي في دولة الكيان من إدارة صراع وحروب الحدود إلى صراع المصير على الوجود السياسي بالأساس.
قبل أشهر أدلى رئيس وزراء الكيان الصهيوني، بنيامين نتنياهو، بتصريح كان لافتا بشكل كبير وأعطى مؤشرات غير مسبوقة عن بداية تسلل هواجس الوجود إلى العقل السياسي في الكيان، حينما قال: “سأجتهد لأن تبلغ إسرائيل عيد ميلادها المائة لكن هذا ليس بديهيا، فالتاريخ يعلمنا أنه لم تعمر دولة للشعب اليهودي أكثر من ثمانين سنة”. وبالقياس الزمني منذ الإعلان عن قيام الدولة الغاصبة تبدو المسألة أنها تنحى باتجاه وجود مخاوف جدية ووجودية عن مستقبل الكيان الصهيوني، خاصة مع وجود بعض المتغيرات على الأجيال الصهيونية الجديدة في مقابل تنامي الروح النضالية داخل الأراضي المحتلة وتطوير المقاومة أسلحتها.
وعلى الرغم من نجاح الكيان الصهيوني خلال السنوات الأخيرة في تحقيق اختراقات هامة في الصف العربي، من حيث تطبيع العلاقات مع عدد من الدول العربية وبالتالي تحييدها عن الصراع، فإن مستوى التراخي والانقسام الذي حدث في الداخل الإسرائيلي جعل الكثير من اء والمحللين من داخل البيت الصهيوني يتوقعون أفقا مظلما لهذا الكيان، عبر عنه الباحث والمحلل السياسي الإسرائيلي أمنون أبراموفيتش قائلا: “إن أخطر ملف تواجهه إسرائيل ليس ملفات فساد نتنياهو وإنما الأخطر منها هو ملف خراب إسرائيل الثالث”.
وقبل ذلك بفترة نشر الصحفي الإسرائيلي يارون لندن كتابا تضمن تأكيدات من جانبه بوجود قلق حول المستقبل، قال فيه: “إنني أعدّ نفسي لمحادثة مع حفيدي لأقول له إن نسبة بقائنا في هذه الدولة لن تتعدى 50 في المائة، ولمن يغضبهم قولي هذا فإنني أقول له إن نسبة 50 في المائة تعتبر جيدة لأن الحقيقة أصعب من ذلك”، فيما قال المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس: “خلال سنوات سينتصر العرب والمسلمون ويكون اليهود أقلية في هذه الأرض، إما مطاردة أو مقتولة، وصاحب الحظ هو من يستطيع الهرب إلى أمريكا أو أوروبا”.
لكن هذه التوقعات المتشائمة للنخب الإسرائيلية والصهيونية المختلفة تصبح أكثر مصداقية عندما يتم أخذ بعين الاعتبار تقديرات مسؤولين إسرائيليين عملوا في مستويات عسكرية وأمنية عليا وكانوا على تماس مباشر مع الوقائع والمحطات المختلفة وكانوا من صناع القرار الأمني والعسكري، يؤكدون كلهم أن إسرائيل بصدد الانتقال من مشكلة الحدود إلى مشكلة الوجود أصلا على الخريطة. وفاقم الهجوم الكبير لقوى المقاومة السبت ما قبل الماضي، من حيث حجمه وطبيعته وقدرة المقاومة على ممارسة الخداع الاستراتيجي على العدو، من هذه الهواجس والمخاوف، حيث قال المحلل العسكري في القناة العبرية الثانية روني دانييل: “أنا غير مطمئن أن أولادي سيكون لهم مستقبل في هذه الدولة ولا أظن أنهم سيبقون في هذه البلاد”.
وقال رئيس جهاز الموساد العاشر مثير داغان: “إنني أشعر بخطر على ضياع الحلم الصهيوني”. كما كان رئيس جهاز الشاباك السابق كارمي غيلون قد توقع قبل ذلك من أن “استمرار السياسات المتطرفة ضد المسجد الأقصى سيقود إلى حرب يأجوج ومأجوج ضد الشعب اليهودي وسيقود إلى خراب إسرائيل”. ونشر رئيس جهاز الشاباك السابق يوفال ديسكين مقالة له حملت هواجس جدية من أن الفساد السياسي والتعفن الذي توجد عليه إسرائيل “يمثل نهاية البداية أو بداية النهاية”، بينما وصف رئيس جهاز الموساد السابق أفراييم هليفي ما يحدث بأنه يجعل من إسرائيل “على أبواب كارثة.. إنه ظلام ما قبل الهاوية”.
وبغض النظر عن مدى واقعية هذه التصريحات والتقديرات السياسية والعسكرية فإنها تعطي بكثير من الوضوح مؤشرات على تغير لافت في الأسئلة السياسية المطروحة في الساحة الداخلية للكيان الصهيوني وبداية مناقشة أسئلة حول إمكانية استمرار الكيان، خاصة أن اضطراره لإعلان الحرب للمرة الأولى منذ خمسة عقود واستنجاده بحلفائه الاستراتيجيين يؤكد أن هناك مخاوف جدية من بداية أفول “الحلم الصهيوني” كحتمية تاريخية ينتهي إليها كل احتلال على يد المقاومة والصمود الفلسطيني.