القانون يٌعاقب ولا يقتل .. وتطبيق الإعدام لا يحد من تفشي الجريمة
ما زال مناهضو عقوبة الإعدام في المغرب ينتظرون إقدام الحكومة على المصادقة على البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، الهادف إلى إلغاء هذه العقوبة.
ومع استمرار تردد المغرب في الحسم في مسألة إلغاء عقوبة الإعدام، يزداد إحباط المطالبين بإلغائها، والذين كانوا يعوّلون على “التوجّه الليبرالي” للحكومة الحالية لحسم هذا الملف.
الإحباط السائد في صفوف مناهضي عقوبة الإعدام يؤكده عبد الرحيم الجامعي، منسق “الائتلاف الوطني لمناهضة عقوبة الإعدام”، بقوله، في هذه الدردشة مع هسبريس، إن سبب “عدم إلغاء هذه العقوبة راجع إلى غياب القرار السياسي لدى الفاعل الحكومي”.
وأكد الجامعي أن النقاش حول مسألة إلغاء عقوبة الإعدام يجب أن يكون نقاشا قانونيا محضا؛ وهو ما عبّر عنه بقوله: “مَن يناقش عقوبة الإعدام وفق النص القرآني فله ذلك؛ ولكن نحن نريد أن ننزّل النص الدستوري، وهو الحق في الحياة”.
برأيكم، ما هي الأسباب التي تجعل المغرب مترددا في إلغاء عقوبة الإعدام؟
المغرب ليس مترددا فقط في إلغاء عقوبة الإعدام؛ بل هو متردد في تنزيل عدد من النصوص القانونية منذ عام 1962 (تاريخ وضع القانون الجنائي)، فما زلنا ننتظر نصّا تنظيميا للإضراب، وما زلنا ننتظر نصا منظما للدفع بعدم دستورية القوانين، وما زلنا ننتظر ملاءمة التشريع مع الدستور في مجالات كثيرة، ومن ضمنها المنظومة الجنائية.
المادة 20 من الدستور (تنص على: الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان. ويحمي القانون هذا الحق) واضحة، ومَن يجتهد ويؤوّلها خارج نطاقها الفلسفي وروحها ويقول إنها لا تتعلق بإلغاء عقوبة الإعدام فهو خاطئ؛ لأننا لا نحتاج إلى المادة 20 لضمان الحق في الحياة، على اعتبار أن القانون الجنائي يضمن هذا الحق ويعاقب مَن يعتدي على الحق في الحياة. ولما جاء الدستور ونص على هذا الحقّ استوحى ذلك، أولا، من القانون الدولي، وثانيا ليُجيب مَن يخلطون بين النص القرآني والنص الوضعي.
بمعنى أنكم ترفضون إقحام الجانب الشرعي في هذه المسألة؟
مَن يناقش عقوبة الإعدام وفق النص القرآني فله ذلك؛ ولكن نحن نريد أن ننزّل النص الدستوري، وهو الحق في الحياة. لا يمكن قتل القاتل، والدولة لا يمكن أن تصبح كالقاتل؛ القاتل يقتل والدولة تقتل، هذه متاهة.
هل تروْن، إذن، أن سبب عدم إلغاء عقوبة الإعدام راجع إلى الخلط بين ما هو ديني وما هو قانوني؟
التأخير في إلغاء عقوبة الإعدام راجع إلى فقدان القرار السياسي. السلطات الحكومية لا تملك القرار السياسي. ولذلك، تنتظر ولا تريد أن تخرج من منطقة الظل أو الظلام.
أعتقد أننا، على المستوى المؤسساتي، لا نبني دولة القانون؛ فكيف سيضمن المغرب مستقبل حياة أبنائه؟ وكيف سيبني مستقبل السلامة البدنية والنفسية للمواطنين؟ فالذين يُحكمون بالإعدام معذبون، هم وأقاربهم. ولذلك، أظن أن الرهان هو بناء دولة القانون دون أن نسمح بأي تأويل يُخرجنا من هذه الدائرة، وإلا فإننا سنعيش في العبث والمتاهات.
وعليه، نتوجه إلى المسؤولين ونقول لهم: عليكم أن تمتلكوا القرار السياسي، وإذا لم تترجموا إرادة الرأي العام والمنظمات غير الحكومية، فإنكم لا تملكون القرار من أجل الدفع بالمغرب ليتقدم بخطوات صلبة لا رجعة فيها نحو دولة القانون.
دولة القانون لا تقتل أبناءها، والقانون يعاقب ولا يقتل، هو يُظهر سلطة المجتمع الذي أراد أن يكون السجن خيارا لمعالجة الجريمة؛ ولكن لا يمكن أن نقول إن القتل يمكن أن يعالج الجريمة، وهذا أكدته دراسات معاهد غربية.
ومن يقول إن الإعدام يشكل ضمانة للحد من الجريمة فهو مخطئ، والدليل هو أنه إلى اليوم ما زال الإرهاب يضرب في كثير من الدول على الرغم من تطبيق عقوبة الإعدام، وعلى الرغم من أن عددا من دول آسيا تعاقب مروجي المخدرات بهذه العقوبة فإن ترويج المخدرات لا يزال منتشرا في كل القارات.
كيف ترون تعاطي الحكومة الحالية مع مطلب إلغاء عقوبة الإعدام؟
أشير، أولا، إلى أن التوجه الذي نتبناه لإلغاء عقوبة الإعدام هو توجه وطني وحقوقي ومؤسساتي؛ لأننا نريد من المؤسسات أن تبني قواعد سياساتها العمومية على ترجمة إرادة المواطنين.
حينما كنا نقول إن لدينا خصاصا في الحريات، جاء المشرع الدستوري بالمادة 19، وحينما كنا نتحدث عن التعذيب وسوء المعاملة في الحراسة النظرية والسجون جاء المشرع وأكد أن التعذيب جريمة وأنها جريمة لا تتقادم، وهذا هو التفاعل الذي نريد أن يكون بين الرأي العام والمؤسسات.
أمس، كنا نعيب على الحكومة المحافظة (يقصد حكومة العدالة والتنمية)، ونقول إنها تخلط الدين بالسياسة.. واليوم، لدينا حكومة شبه ليبرالية؛ ولكن موقفها من عقوبة الإعدام لم يتغير.
تحدثتم عن غياب القرار السياسي؛ لكن كانت هناك إشارات من الدولة، كالرسالة التي وجهها الملك إلى المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان بمراكش، وصدرت تعبيرات عن أحزاب سياسية تطالب بإلغاء عقوبة الإعدام؟
هناك أحزاب سياسية قدمت مقترحات قانون لإلغاء عقوبة الإعدام؛ ولكن حينما عُرض مشروع قانون القضاء العسكري في البرلمان صوّتت عليه هذه الأحزاب.. وهنا، نتساءل أين مقترحات القوانين التي قدمتها هذه الأحزاب بشأن إلغاء عقوبة الإعدام؟ علما أن الأحزاب التي قدمت هذه المقترحات توجد، الآن، في الحكومة أو كانت فيها خلال الولايات السابقة.
علينا ألا نلعب على الفرص ونجعل إلغاء عقوبة الإعدام يخضع للمناسبات والمناورات السياسية. اليوم، نحتاج إلى جرأة في اتخاذ القرار.
الرسالة الملكية الموجهة إلى المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان بمراكش بشأن عقوبة الإعدام نعتبر أنها تعكس الثقة في المجتمع المدني، وهي دعوة إلى الحكومة من أجل الإنصات للمجتمع المدني.
نحن لا نطالب بإلغاء ما يُمكن أن يُفهم بالنص القرآني، بل ندعو إلى إلغائها من القانون الجنائي.
المغرب لا تُعتبر الشريعة مرجعا في قانونه الجنائي؛ بل إن مرجعيته غربية، أحببنا أم كرهنا، فليس المجلس العلمي الأعلى هو الذي وضع القانون الجنائي في سنة 1962، بل وضعه مختصون درسوا القانون في الغرب، ولم يسبق لنا أن أشرنا في النص الدستوري أو في القانون الجنائي إلى أن الشريعة الإسلامية هي أصل التشريع المغربي، أي أننا نتبنى النص الوضعي في معالجة هذا الموضوع، ثم إننا لا نطبق النص القرآني الذي يحكم بقطع يد السارق. ولذلك، فإن التستر خلف الشريعة ما هو إلا هروب وخلط بين هو ما هو قانوني وشرعي.
عقوبة الإعدام ليست مسألة دينية، بل كيف تكون السياسة العمومية في مجال السياسة الجنائية، والذي يقرر في هذا الأمر ليس هو الملك وإنما الحكومة والبرلمان.
صلاحية الملك وهي التوجيه والتأطير في عدد من التوجهات العامة، وهو الضامن للحقوق والحريات كما ينص على ذلك الدستور.. وعليه، يتعين على الحكومة أن تترجم كل هذا في القواعد القانونية وتغيير القوانين المتخلفة.. وإلا فإننا نقول، وبكل أسف، إن هناك مَن يريد للمغاربة أن يظلوا متخلفين ومؤطَّرين بنصوص متخلفة.
المصدر: هسبريس