اخبار السودان

الذهب ينضم إلى عوامل جذب الحرب إلى شرق السودان

 

هل ينضم الذهب إلى عوامل جذب الحرب إلى شرق السودان، بعد إدارة السلطة من بورتسودان، والنشاط العلني لعناصر النظام المُباد، وتفشي المليشيات والسلاح؟

الخرطوم: التغيير

مجدداً، أطلت نُذر الحرب الأهلية في شرق السودان، بين مكونات الإقليم، بعد ظهور مؤشرات بوجود الذهب بكميات تبدو تجارية بإحدى محليات ريفي كسلا، ما ترتب عليه عودة النزاع بين القادة الأهليين بشأن ملكية الأرض.

وأظهرت كشفيات خاصة، عن وجود مُبشر لمعدن الذهب بمحليات (شنقرييت، كراييت) بمحلية ريفي كسلا، لكن ما يبعث على القلق هو بوادر عن عودة النزاع التاريخي بين البجا والبني عامر بشأن الأحقية بالأرض، سيما وأن الأمر مصحوب هذه المرة ببريق الذهب وما يستتبع ذلك من أموال تستخدم في بسط السيطرة والنفوذ.

وما زاد من حدة المشهد، كان طرح ممثلين للبني عامر والحباب في لقائهم بمدير الشركة السودانية للموارد المعدنية، مبارك أردول، خططاً لتطوير المنطقة استناداً إلى أموال المسؤولية الاجتماعية، وهو أمر عارضه الهدندوة في لقائهم بذات المسؤول في وقتٍ لاحق، بحسبان أن هذه المناطق تم إخراجها من نظارتهم بأمر سلطاني في مخالفة واضحة لما يرونه حقوقهم التاريخية.

تاريخ دموي

غذّى نظام الديكتاتور عمر البشير، الصراعات القبيلة بكافة أنحاء السودان، باستخدام القبائل كأرصدة للكسب السياسي، وتقريب الموالين من خلال عمليات إعادة هيكلة للإدارات الأهلية حتى وإن أثار ذلك حنق السكان، وصولاً إلى استخدام القبائل في البطش بالمعارضين حتى وإن بقوة السلاح، والوسيلة الأخيرة أدت إلى نشوب حروب قبلية دموية، خاصة في إقليم دارفور غربي البلاد.

وبالطبع لم يكن الشرق بدعاً، فنال كفله من هذا الإرث، تارة بنشوب الصراعات بين تارة بين البني عامر والنوبة، وتارة بين البجا والنوبة، وتارات بين البجا والبني عامر، في ظل تمدد أنشطة التهريب وأعمال التجسس التي تستهدف الساحل السوداني.

وصراعات جبل الجليد القبلية، تبدأ عادة بمشكلٍ شخصي، ما يلبث أن يتدحرج ويتوسع نطاقه بناء على آصرة الدم، لينتهي بأكل الأخضر واليابس، جراء حالتيِّ الشحن والكبت، مخلفاً في نهاية المطاف مئات الضحايا من القتلى والجرحى.

المشهد بعد الثورة

بعد الإطاحة بالجنرال البشير، ارتفعت وتيرة الصراعات القبلية في شرق السودان بصورة مقلقة، ما يؤكد صدقية الحديث عن تورط قادة نظام المخلوع في إثارة الفتن هناك، بهدف إضعاف الحكومة المدنية.

ورفض الزعيم الأهلي، وناظر الهدندوة، مسار شرق السودان، الذي أقرته اتفاقية جوبا للسلام (أكتوبر 2020) وعده انحيازاً صريحاً لصالح قبيلة البني عامر.

ولكن ما ذهب بالأمر إلى مستويات مقلقة، هو تحول ترك من معارضة الاتفاق إلى مقاومته بطرق غير شرعية، شملت إجبار السلطات على وقف إنفاذ الوالي صالح عامر بحجية انتماءه إلى البني عامر، وحشد المقاتلين القبليين لمناهضة القرار ما أدى إلى حريق كبير في كسلا،  وليس نهاية بانضمام الرجل إلى كيانات مناهضة للحكم المدني، ومن ثم توج كل ذلك بإغلاق الطريق القومي الواصل إلى موانئ البلاد على البحر الأحمر، وكل ذلك ضمنه قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان، في مسبباته للانقلاب على الحكومة المدنية بتاريخ 25 أكتوبر 2021.

المشهد بعد الحرب

واصل العسكر في السودان اللعب بأدوات البشير الصدئة في الأقاليم السودانية، بعد اندلاع الحرب بين العسكريين ممثلين في الجيش وقوات الدعم السريع، حيث تعمد طرفا النزاع الحصول على دعم الحلفاء من خلال تعلية الخطاب القبلي، وزيادة الاصطفاف الجهوي والمناطقي، تلى ذلك عمليات تجريم للمنحازين للطرف المغاير، بل وتم إدراج المناوئين للحرب ذاتهم في خانة أعداء الوطن.

وفي الشرق، استبانت الاصطفافات على أشدها، خاصة في ظل نشاط قادة النظام المخلوع في حمل الأهالي على تأييد الجيش، والعمل على تجريم أصوات القوى المدنية المطالبة بوقف الحرب.

في المقابل، علت أصوات قبلية، تطالب إما بأنصبة الشرق في الحكومة التي انتقلت أعمالها من المركز إلى ولاية البحر الأحمر، أو ترفض هذا الوجود برمته بحسبانه سبباً في جر الحرب من خلال حمل قوات الدعم السريع لمهاجمة الإقليم بدعوى ملاحقة القادة الحكوميين وفلول النظام السابق.

وليس بعيداً من هذه التعقيدات، اندلعت مواجهات بين القيادي القبلي شيبة ضرار، وقوات الجيش في بورتسودان، بعدما نصب الأخير ارتكازات لقواته في قلب المدينة بدعوى محاربة التهريب، وهو ما عده الجيش أمراً مخالفاً للقانون يستدعي الحسم، ما ولد تساؤلات عن سر الإحجام عن استخدام هذا الحق حين إغلاق شريان الاقتصاد القومي في العام 2021.

لعنة الذهب

بعد فترة من الهدوء، عاد الخطاب المنبعث من منصات قبلية، بإصرار الهدندوة والبني عامر على الحق في أراضي المحليات التي ظهرت فيها كشفيات الذهب.

وطالب الهدندوة بإعادة تبعية محليات ريفي كسلا إلى نظارتهم، وعاد التشكيك في نظرائهم البني عامر بأنهم أجانب، ينحدرون من إريتريا.

فيما رأي البني عامر أن ترك، مستمر في إثارة خطاب الفتنة والكراهية، بل ومحاولة وضع يده على أراضيٍ ظلت منذ فجر الاستقلال تتبع لنظارتهم، وإدعاء ملكيتها من دون أسانيد.

ويقول الناشط من شرق السودان، خالد سر الختم، إن مشكلات الشرق القبلية عادة ما تتحور لأجل الظهور في شكل صراع سياسي أو اقتصادي.

وحذّر من إمكانية نقل سيناريو الصراع بين قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وقريبه موسى هلال، على الزعامة وجبل عامر إلى شرق السودان.

وحثَّ العقلاء لدى الجانبين، بإعلاء خطاب التعايش، ونبذ الحرب، مع العمل على تنمية الشرق باعتباره إقليماً لكل السودانيين ولا يخص أطرافاً دون الأخرى.

وفي الصدد، رحب باللقاء بين ناظريّ الهدندوة محمد الأمين ترك، والبني عامر، علي إبراهيم دقلل، في لنزع فتيل الأزمة.

حل جذري

يقول المحلل السياسي، وليد رجب، إن حل أزمة الشرق لن يتأتي إلا في إطار دولة مدنية، تعمد على حفظ حقوق أهالي الأقاليم، وتضمن حظهم وتمثيلهم في جميع مستويات السلطة.

مضيفاً بأن استمرار الحرب، والعسكر على رأس الأمر، من شأنه نقل الصراع إلى مستويات عنيفة، لا سيما في ظل صعود عوامل من شاكلة إدارة سلطة الانقلاب لشؤونها من شرق السودان، وتفشي السلاح والمنطق القبلي، وتحرك قادة النظام المباد بكامل الحرية لتنفيذ أنشطتهم الرامية للوصول إلى السلطة ولو على أشلاء الدولة السودانية.

 

 

 

 

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *