كيف يمكن استثمار كنز تنظيم “مونديال 2030” لخدمة أطفال وشباب المغرب؟

قال الناقد محمد بنعزيز إن حصول المغرب على شرف تنظيم مونديال 2030 جاء بكلفة أقل، مستفيدا من وضعه الجيوسياسي وموقع المنتخب الوطني في ترتيب “الفيفا”.
وأضاف بنعزيز، ضمن مقال توصلت به هسبريس، أن هذه الكلفة المنخفضة لحملة التنظيم تستوجب استثمارا جذريا يكون هدية للأطفال والشباب المغاربة الذين يلعبون الكرة الآن في الشوارع الخطرة وبين المنازل، وذلك عبر الزيادة في ملاعب القرب وتعزيز البنية التحتية لحماية الأطفال والشباب من الإدمان.
وهذا نص المقال:
المغرب ينظم المونديال. المغرب يدخل ملعب الكبار رياضيا وسياسيا.
مبروك للمغاربة.
تبني الكرة للبشر يوتوبيا جديدة. في عالم كرة القدم لا مكان للضجر.
إن كرة القدم أداة جيواستراتيجية فعالة لتغيير صورة بلد في المخيال العالمي وتغيير موقعه في صراع العلاقات الدولية.
كان خبر تنظيم المغرب للمونديال أكثر لمعانا على شاشات وسائل الإعلام الأجنبية.
من مونديال كرة القدم، صار اسمه المونديال. وحده المونديال ترقت فيه الصفة إلى اسم علم.
لقد كان صدى إنجاز المنتخب المغربي في مونديال قطر مفيدا لتوفير مساعدات لضحايا زلزال الحوز.
حسب المؤرخ الكبير إريك هوبزباوم في كتابه الضخم الذي يؤرخ سياسيا وثقافيا للقرن العشرين “عصر التطرفات”، فإن كرة القدم قد اشتهرت بسرعة نظرا لسهولة ممارستها في أي حيز مكشوف من المساحة المطلوبة.
ويضيف هوبزباوم أن الكرة كالسينما تفهم بغض النظر عن اللغة، يتواصل اللاعبون بالصفارة وليس بلغاتهم. من هذه الناحية فكرة القدم أقوى من السينما.
إن الكرة فن ولعبة تصنع المستحيل حتى في الموسيقى. يقول هوبزباوم إنه لقرون طويلة كانت هناك موسيقى النخب وموسيقى الشعب، لكن كرة القدم صالحت ذوقي الشعب والنخبة موسيقيا حين استخدمت أغنية أوبرا أرستوقراطية نشيدا لمونديال إيطاليا 1990.
إنها أغنية “جيانا نانيني” للمطرب إدواردو بيناتو، الذي أنشد:
“قد لا تكون أغنية
تغير قواعد اللعبة
لكني أريد عيش هذه المغامرة بلا حدود…
حيث يقفز قلبي إلى حنجرتي…”.
يتعذر عد فوائد كرة القدم.
الكرة استثمار سياسي واقتصادي. الكرة تسلي الشعوب، وتجعل البلد المتفوق يذكر في كل الشاشات. بلد يجعل القلوب تنبض وتصل الحناجر.
تحقق هذا المجد للمملكة المغربية ولم يكن سهلا.
لقد ترشح المغرب لاحتضان المونديال لأول مرة في 1989 وخسر التصويت في 1994 لصالح الولايات المتحدة الأمريكية، ولصالح فرنسا في 1998 ولصالح ألمانيا في 2006 ولصالح نيلسون مانديلا في 2010 ولصالح الولايات المتحدة وكندا والمكسيك لاحتضان دورة 2026. باي باي حيل عيسى حياتو وخدع جوزيف بلاتير في إمبراطورية كرة القدم.
كانت الكلفة المادية التي دفعها المغرب في حملات التنظيم السابقة جد مكلفة، جاء الكثير من تلك الميزانية من بيع رخصة شركة الاتصالات “ميديتل”. بينما حصل المغرب على حق التنظيم في 2030 بكلفة أقل لأن وضعه الجيوسياسي تحسن وموقع المنتخب الوطني صار متقدما في ترتيب “الفيفا”.
ماذا سيربح أطفال المغرب العميق من هذا التنظيم؟
ملاعب قرب كافية.
إن الكلفة المنخفضة لحملة التنظيم تستوجب استثمارا جذريا يكون هدية للأطفال والشباب المغاربة الذين يلعبون الكرة الآن في الشوارع الخطرة وبين المنازل في الأزقة وفي ساحات العمارات، وهذا ما يسبب حوادث ونزاعات الجيران.
قد اشتهرت كرة القدم وانتشرت بسرعة نظرا لسهولة ممارستها في أي حيز مكشوف من المساحة المطلوبة، لكن أطفال المغرب حاليا لا يجدون هذه المساحة قرب أحيائهم.
وهذا ما يستدعي إنشاء الملاعب لزيادة عدد الممارسين وتنظيمهم. كل تخاذل في الميدان سينكشف في اللحظة الأسوأ. لذا، لا بد من بنيات تحتية لا مركزية يسهل على الأطفال والشباب الوصول إليها للعب كرة القدم.
لا بد من ملاعب قرب للأطفال الذين لا تسمح لهم أمهاتهم بالابتعاد خوفا على سلامتهم.
هذا النوع من الملاعب ضروري عاجلا لأن عدد المقاهي حيث التدخين أكثر من عدد ملاعب القرب في المغرب. لا بد من ملعب مقابل كل عشر مقاه. ملعب كرة سيشغل الكثير من الأطفال عن مراقبة متناولي مخدر “البوفا”.
لا بد من ملعب صغير في دائرة كل عضو منتخب في البلديات والجماعات المحلية. الأرض العارية متوفرة.
ملعب حتى لو كانت مساحته 200 متر، مضاء وفيه عشب صناعي، سيعلم الأطفال والشباب التنافس الشفاف لكي لا يكون هناك شغب في مونديال 2030.
من هذه الملاعب في حي مهمش قد يخرج طفل موهوب يدرك أن عليه تقليل تناول الخبز ليحافظ على لياقته البدنية ويصل إلى تشكيلة المنتخب الوطني.
يوجد في النهر ما لا يوجد البحر.
هيا كثّروا روافد النهر ليصل دافقا إلى مونديال 2030.
المصدر: هسبريس