يتحمل المكون المدني ومجلس الوزراء وقحت كل المسؤولية عن أفعال البرهان
يتحمل المكون المدني ومجلس الوزراء وقحت كل المسؤولية عن أفعال البرهان
صديق الزيلعي
اتهمني عدد من القراء بموالاة قحت، والدفاع عنها والتبرير لاخطائها. جاء ذلك من خلال تفاعل القراء مع مقالاتي في حواري مع صديقي أحمد عثمان عمر. لست في موقف من يدافع عن نفسه، لأنني اتخذ موقفا يتحكم فيه منطق العقل وليس روح العداء. لكن تبيان الحقيقة مهم لتطوير مناهج نقاشنا وجعلها عقلانية. أعيد اليوم نشر مقال كتبه عن قحت عندما كانت في السلطة. لم يكن المقال دعوة لإسقاط قحت وانما دعوة لتوضيح الأخطاء والركون لأهداف ثورة ديسمبر.
تحركات البرهان واتصالاته وقراراته وتبرعاته وغيرها، لم تنبع من فراغ. انما هي تطور طبيعي، ومحصلة حقيقية لضعف المكون المدني. عندما تساءلت في المقال السابق:” من أعطى البرهان الحق في منح أراضي بلادنا للأتراك؟” كانت الصيغة استنكارية، تحمل الرفض الصريح لتجاوزات البرهان. وفي هذا المقال سأضع الاصبع في موقع الألم، وأجتهد لأوضح المسؤول عن كل ذلك التراجع البين، الذي تعيشه بلادنا حاليا، ونحس بالغضب للخروج المتعمد عن مسار الثورة.
المكون المدني، في السيادي ومجلس الوزراء وفي مركزية قحت، يتحمل كامل المسئولية عن كل تجاوزات المكون العسكري لمجلس السيادة، وعلى رأسه الفريق البرهان. ليس هذا اتهام جزافي، ينطلق من روح الغضب أو التعصب، انما هو نتاج لمواقف وسياسات وتحالفات، ابتدأت يوم إزاحة البشير (11 أبريل 2019) واستمرت طيلة الفترة الماضية، وحتى يومنا هذا. ولنقرأ تلك المواقف التي اوصلتنا الى ما نحن فيه الآن:
- إصرار اللجنة الأمنية للبشير (المجلس العسكري الانتقالي) المتعنت، على رفض التفاوض مع قوى الحرية والتغيير، وتمسكها بان تنفرد بالحكم حتى تجري انتخابات خلال تسعة أشهر. ثم حملة القمع والمذابح التي شارك فيها المجلس العسكري (بأضعف الايمان كسلطة مسئولة عن أمن الوطن والمواطن. ولان أكبر المذابح تمت تحت بصرها وفي عقر قيادتها). أثارت تلك الجرائم غضب شعبنا، وتصدى لهزيمتها من خلال مواكب 30 يونيو 2019 المليونية التي شملت كل ارجاء الوطن. أرهبت تلك الهبة الجماهيرية العملاقة العسكر، وغيرت ميزان القوى لصالح قوى الحرية والتغيير. لكن بعض أطراف قوى الحرية والتغيير، تجاهلت صوت الشارع المطالب بحكومة مدنية. وهرولت الى العسكر للتفاوض، مما أنتج ما سمي بالشراكة.
- مواقف قوى التفاوض، وخاصة اللجنة القانونية لقحت، الذي أنتج الوثيقة الدستورية المعيبة، التي قننت لوضع دستوري مشوه ومعطوب.
- تمسك العسكر بان كل ما يتعلق بالمنظومة الأمنية والنظامية هو مسئوليتهم الحصرية. وانه لا يحق للمدنيين، مهما كان وضعهم في جهاز الدولة، التدخل فيها، أو ابداء الرأي حول كيفية إصلاحها. الأمر الذي قنن لان تكون هذه المنظومة خارج سلطات ومسئوليات الدولة السودانية. وهو أمر غريب لا يوجد في أي بلد ديمقراطي.
- حق الفيتو الذي فرضه المكون العسكري، بوضع اليد، حول اصلاح المنظومة العدلية واختيار رئيس للقضاء ونائب عام، والتجميد المتعمد لكل مشاريع القوانين.
- ممارسة السياسة الخارجية، عنوة واقتدارا. واجراء اتصالات خارجية وعقد اجتماعات والاتفاق على التطبيع مع إسرائيل.
- رفض ولاية وزارة المالية على الشركات التجارية والاقتصادية التي يديرها قادة الجيش. رغم ان تلك الشركات تم تمويلها من أموال دافع الضرائب، ونالت تسهيلات ائتمانية واعفاءات ضريبية ضخمة، كما ان وزارة المالية هي من يدفع مرتبات الجيش وبقية احتياجاته.
- انتزاع ملف مفاوضات السلام والسيطرة التامة على المفاوضات. والسعي لكسب ود الحركات المسلحة، تمهيدا للتحالف معها مستقبلا. وهكذا قدم المكون العسكري كل ما تطلبه الحركات في طبق من ذهب، فنالت الحركات كل ما كانت تحلم به.
- التلكؤ في محاكمات قادة النظام البائد عن الجرائم التي ارتكبوها في حق شعبنا.
- كرر دكتور حمدوك بان الشراكة بين العسكر والمدنيين هي شراكة متميزة ونموذج يحتذي به. وإذا كان ما نراه امامنا هو شراكة نموذجية، اذن هذه دعوة صريحة للعسكر بان واصلوا زحفكم للاستيلاء على كل السلطات من المدنيين.
- أوضح الامثلة وأكثرها تعبيرا ما ذكرته الأستاذة عائشة موسى السعيد في استقالتها بان المدنيين يحضرون للقصر لمقابلة العسكر وليس المكون المدني.
هذا هو واقع الحال الذي اعطي الفريق البرهان الحق في ان يتبرع بأراضي بلادنا، كيفما يشاء. وهو واقع مرير ومؤلم يوضح الى أي مدى ابتعدت مكونات المدنيين الحاكمة عن خط وبرنامج ثورة ديسمبر. الأمر الذي يضعنا أمام تحدي حقيقي ومصيري وهو مواجهة هذه المواقف، وابطال مفعولها، وإعادة الثورة لألقها ولشعاراتها ولبرنامجها.
المصدر: صحيفة التغيير