بعد مرور عقدين على فظائع دارفور، السودان يصرخ من جديد … فهل هناك من يستمع؟
القرى والأراضي الزراعية المحروقة. إعدام الرجال والفتيان على أساس عرقهم. نيران القناصة تستهدف المدنيين الفارين.
بقلم: هوارد لافرانشي
تفشي الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي يرهب النساء والفتيات. عندما ارتكبت هذه الفظائع في اقليم دارفور غربي السودان قبل عقدين من الزمن، انتبه العالم الغاضب لذلك واتخذ الإجراءات اللازمة. ففرضت عقوبات دولية على الحكومة السودانية. واعلنت الولايات المتحدة أن الإبادة الجماعية ارتكبت في دارفور ومن ثم تم تحريك عدد من التدابير من بينها حملة “أنقذوا دارفور”.
أما الآن، والسودان يشهد قتالا عنيفا ترتبت عليه أزمة إنسانية جديدة، فإن الدعوة لانتقال العالم من الحديث إلى الفعل لم تجد استجابة بعد.
اليوم يتعرض السودان مرة أخرى لموجة مماثلة من العنف حيث دخل القتال بين الجيش وقوات شبه عسكرية، ترجع أصولها إلى الصراع في دارفور، شهره السادس.
ويؤكد بعض الخبراء أن حملة الإبادة الجماعية قد استؤنفت الآن في ولاية غرب دارفور. ولكن يبدو أن المجتمع الدولي المختلف هذه المرة ــ الذي يرزح تحت وطأة الصراعات المتصاعدةوالكوارث الطبيعية، ويواجه تصاعدا مربكا في التنافس بين القوى الكبرى ــ لا ينتبه لما يحدث في السودان إلا بشكل عابر. ولا يحظى انحدار السودان نحو الهاوية إلا باهتمام متقطع، الأمر الذي يثير خيبة أمل العاملين في المجال الإنساني ونشطاء حقوق الإنسان الذين يضغطون من
أجل استجابة دولية أقوى.
تقول أفريل بينوا، المديرة التنفيذية لمنظمة أطباء بلا حدود في الولايات المتحدة الأمريكية “مع ما نعرفه من تجربتنا السابقة في دارفور، من المثير للقلق أكثر أن نسمع قصص العنف والتطهير العرقي التي تشبه إلى حد كبير أسوأ ما حدث في تلك الأيام السيئة”. واضافت “بل ويعد هذا أسوأ لأننا نشهد أعمال عنف بلا هوادة في أجزاء كثيرة من البلاد في وقت واحد”.
وتقول بينوا إن المشكلة تكمن في أن العدد الهائل من الصراعات وغيرها من الكوارث في جميع أنحاء العالم تثقل كاهل المجتمع الدولي وتجعله يترك السودان يقف في الصف.
وتضيف “هناك طوفان من الأزمات، من اليمن إلى … هايتي، وسوء التغذية عبر منطقة الساحل، وأزمات المناخ المتضاعفة، والفيضانات في ليبيا، والزلزال في المغرب، لدرجة أن الجميع يتحملون فوق طاقتهم”.
وعلاوة على ذلك، أفاد موظفو منظمة أطباء بلا حدود عن ارتفاع مثير للقلق في حالات سوء التغذية الحاد، وخاصة بين الأطفال. وتقول بينوا “ما نشهده هو حالات تقوم فيها الأمهات اللاتي لديهن عدة أطفال يعانون من سوء التغذية الحاد بإحضار طفل واحد فقط لأن الأم تعتقد أن لديها فرصة أفضل للحصول على المساعدة إذا جاءت بطفل واحد فقط”.
ووقعت مجموعة مكونة من 94 متخصصاً في حقوق الإنسان وخبراء في السودان بمن فيهم السيد براند من جامعة كونيتيكت رسالة مفتوحة إلى المجتمع الدولي تحذر من العنف الموجه في غرب دارفور، والذي إذا لم يتم إيقافه قد يؤدي إلى إبادة جماعية. ولفتت الرسالة الانتباه بشكل خاص إلى شعب المساليت في المنطقة، وهي مجموعة عرقية مسلمة غير عربية.
وبينما كان اهتمام العالم متركزا في أماكن أخرى إذا بالصراع، الذي بدأ في أبريل كمبارزة بين قائد الجيش وأمير الحرب قائد قوات الدعم السريع، يتوسع إلى حرب أهلية.
وقد قتل أكثر من 5000 مدني سوداني في القتال، في حين نزح 5.5 مليون فر مليون منهم على الأقل عبر الحدود تدفق منهم أكثر من 400 ألف شخص إلى تشاد المجاورة، وهم يترنحون بالفعل تحت وطأة الجفاف، والتطرف الإسلامي والاضطرابات السياسية. وفر أكثر من 300 ألف آخرين إلى مصر.
يصل اللاجئون إلى مخيمات اللاجئين المترامية الأطراف في تشاد وهم مصابون بالرصاص وأطفال يعانون من سوء التغذية ــ وحكايات مروعة عن المجازر، والقصف العشوائي، والدفن المتسرع لأحبائهم في مقابر جماعية مع تدمير القرى بشكل منهجي.
وداخلياً، تفاقم انعدام الأمن الغذائي الحاد حيث أصبح 6 ملايين شخص على شفا المجاعة، وفقاً لمنظمات الإغاثة العاملة داخل السودان. ومع ذلك، حتى مع اتساع نطاق القتال وتزايد التقارير عن الفظائع التي ارتكبها الجانبان، يقول الخبراء إن الجهود الدولية لوقف القتال كانت هزيلة.
يقول مايك براند الأستاذ المساعد في دراسات الإبادة الجماعية وحقوق الإنسان في جامعة كونيتيكت “هناك محادثات حول ما يحدث في السودان، كما رأينا مؤخرًا في الأمم المتحدة. ولكن بينما يتحدث الناس يومًا بعد يوم، يموت الناس في السودان، ويواجهون عنفًا مروعًا حقًا”. ويضيف “ببساطة لا توجد رغبة لأنواع العمل والتعبئة التي رأيناها في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين”.
وقد مارست بعض الدول والمنظمات ضغوطاً مؤخراً من أجل التحرك الدولي لوقف القتال خاصة أثناء افتتاح أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي.
وقد وجه رؤساء 50 منظمة إنسانية وحقوقية رسالة مفتوحة إلى مجلس الأمن في الفترة التي سبقت اجتماع زعماء العالم في منتصف سبتمبر الماضي، مطالبين المجلس “بالانتقال من الكلام إلى العمل”. وفي جلسة لمجلس الأمن بشأن السودان، رسمت السفيرة الأمريكية ليندا توماس جرينفيلد صورة للمعاناة الإنسانية الرهيبة والعنف المروع الذي يستهدف المدنيين، وذلك بعد زيارة قامت بها مؤخرًا إلى مخيمات اللاجئين السودانيين في تشاد. ولكن لم يتم اتخاذ أي إجراء.
أحد العوامل التي تؤجج القتال هو استعداد بعض القوى الإقليمية للتدخل خلف الكواليس، وذلك في المقام الأول من خلال توفير الأسلحة للجانب المفضل في الصراع. يقول خبراء السودان، على سبيل المثال، إن الإمارات العربية المتحدة تزود سرا قوات الدعم السريع بمجموعة من الأسلحة، على الرغم من مزاعمها بأنها تقدم المساعدة الإنسانية فقط. وانضمت الولايات المتحدة إلى المملكة العربية السعودية لتنظيم بعض المحادثات بين الأطراف المتحاربة، لكنها تراوح مكانها. وحضر قائد الجيش السوداني الزعيم الفعلي للبلاد، عبد الفتاح البرهان، جلسة الجمعية العامة، حيث أعلن استعداده لمحادثات السلام لكنه دعا أيضًا المجتمع الدولي إلى تصنيف قوات الدعم السريع منظمة إرهابية.
مثل هذه الظروف تعني عدم وجود محادثات سلام ذات معنى، والانزلاق إلى حرب أهلية في بلد تم الاحتفال به دوليًا في عام 2019 لحركته المؤيدة للديمقراطية وخطواته الأولية نحو الحكم الديمقراطي. ومع ذلك، مع استمرار القتال، تشير المنظمات الإنسانية إلى آثار تفاقم العنف وتزايد عمليات النزوح داخل السودان وفي مخيمات اللاجئين حيث يبحث المزيد من السودانيين عن الأمان كل يوم.
وتقول بينوا من منظمة أطباء بلا حدود “إن المستوى الهائل من النزوح يخبرك بأن الناس مرعوبون. القصص التي نسمعها توضح أيضًا أن الناس ليس لديهم أي فكرة عن المكان الذي يتجهون إليه بحثًا عن الأمان”. وتقول إن بعض المعارك الأشد عنفاً وقعت مؤخراً قرب المستشفيات، مما جعل الناس يترددون في القدوم للحصول على الرعاية.
ويقول براند “أعتقد أن الإبادة الجماعية تحري الآن، ولا يقتصر الأمر على العنف الذي يستهدف المساليت فقط. من المهم استخدام المصطلحات الصحيحة في الوقت المناسب، ولكن من الصعب أيضًا النظر إلى ما يحدث وعدم استنتاج أنه جهد لإنهاء المهمة التي بدأت في دارفور عام 2004”.
ومع ذلك فإن منظمات حقوق الإنسان، التي أجرت بعض التحقيقات الأكثر تعمقاً في أعمال العنف التي يمارسها المدنيون في السودان، ليست مستعدة لتسميتها إبادة جماعية.
يقول جان بابتيست غالوبان، كبير الباحثين في شؤون الأزمات والصراع بفرع منظمة هيومن رايتس ووتش في باريس
“نحن نجمع الأدلة وتجارب الأشخاص الذين فروا من الأماكن التي ارتكبت فيها أسوأ الفظائع، لكننا لسنا مستعدين بعد لإصدار استنتاجات نهائية.”
وكانت المنظمة من أوائل المنظمات التي جمعت شهادات شهود عيان من الناجين من التدمير الشامل للبلدات والقرى في أجزاء من ولايتي غرب دارفور وجنوب دارفور، في شهري مايو ويونيو. وروى هؤلاء الشهود حكايات مروعة عن عمليات إعدام رجال وأولاد، وإطلاق نار استهدف أي شخص فار من العنف، بما في ذلك الأطفال، وتدمير المنازل والمباني الأخرى.
ويقول السيد غالوبين، الذي كان آخر مرة زار فيها منطقة النزاع في أغسطس “تحدث اللاجئون عن بلدة يبلغ عدد سكانها حوالي 40,000 شخص دمرت في يوم واحد”. ومع ذلك، في حين خلصت هيومن رايتس ووتش إلى حدوث تطهير عرقي وجرائم حرب في الصراع الحالي في السودان، فقد أحجمت عن المضي قدمًا وإصدار حكم بالإبادة الجماعية. ويشير السيد غالوبين إلى أن المنظمة لم تنضم قط إلى المجموعات الأخرى في تحديد وقوع الإبادة الجماعية في دارفور قبل عقدين من الزمن. ويضيف، مع ذلك، أن التقرير المتوقع صدوره في الأسابيع المقبلة سيعمل على تحديث نتائج انتهاكات الحقوق في غرب دارفور ويمكن أن يؤدي إلى استنتاجات جديدة حول أعمال العنف الجارية.
في غضون ذلك، أفادت السيدة بينوا أن أعمال العنف المروعة التي تحدث في جميع أنحاء السودان لم تمنع بعد موظفي المنظمة السودانيين من الحضور للعمل في المستشفيات العامة، على الرغم من الظروف المروعة.
وتقول “لم يحصل الموظفون على رواتبهم منذ أشهر، ومع ذلك فإنهم يحضرون كل يوم. إن الأمر مثير للإعجاب أكثر بسبب المخاطر التي يواجهونها للوصول إلى العمل، ثم الظروف التي يواجهونها بمجرد وصولهم إلى العمل.” وتضيف “الكثير منهم لديهم جوازات سفر ويمكنهم المغادرة وترك هذا وراءهم، لكنهم مصممون على خدمة مواطنيهم السودانيين”.
نقلاً عن موقع زي كرستيان صينس مونيتور
The Christian Science Monitor
المصدر: صحيفة التغيير