صعود ديني وتشبيك اجتماعي .. الشباب المغربي يتأرجح بين الواقع والافتراضي
يحذّر كتاب جديد من “المغالاة في الحديث عن آثار اجتماعية لفضاء الشبكات في المجتمع المغربي” الذي لم يشارك في صناعة الزمن الحديث؛ لأن “عدد مستخدمي الشبكات في المغرب وإن كان في تزايد، فإنه ليس مطّردًا، ويتأثر بعدم المساواة الجنسية والمادية والجغرافية، في حين يجري استبعاد أعداد من المواطنين لافتقادهم المهارات والتعليم”.
جاء هذا، وفق الكتاب الصادر حديثا “الشبكات الرقميّة وديناميّة الحقل الاجتماعي السياسي بالمغرب”، للباحثة المغربية بشرى زكّاغ، عضو المجلس العربي للعلوم الاجتماعية، وتتمحور مادته، وفق المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات على “الشبكات الرقمية وما يتعلق بها في المغرب، من علم اجتماع رقمي، إلى إثنوغرافيا ونتنوغرافيا المجتمعات الشبكية المغربية، وإثنوغرافيا الهوية في مجتمع هذه الشبكات، والشبكيين المغاربة وخصوصًا الشباب منهم، وبحث تأثير مدى التشابك بين الواقع والافتراضي خلال العمل على الشبكات الرقمية، وأخيرًا الظواهر الناجمة عن فضاء الشبكات الرقمية المفتوح، من صعود ديني وتشبيك اجتماعي”.
وتنتبه الدراسة إلى أن دراسة العلاقة بين دينامية الحقل الاجتماعي السياسي بالمغرب، وجيل الشبكيين، ذات أهمية نابعة من راهنية تناولها “كل ما يروّج في الواقعَين الاجتماعي والسياسي المغربيين من دينامية وتوتر”، ومرونتها بـ”السعي لاستقصاء واقع اجتماعي متشابك وهجين بين الفيزيائي والافتراضي”، ومنهجيتها “بسعيها لدمج تقنيات الدراسة وأدواتها الاستقصائية بالواقع الفيزيائي والدراسة الاستقصائية في الفضاء الشبكي الرقمي”.
ويناقش الكتاب “الآثار العمليّة، السياسيّة خصوصًا، المترتبة على زيادة التشابك بين الموقعي والافتراضي” بالمغرب، مع تكثيف البحث في مستقبل تدفقات الفعل الشبابي وفي بدائل تصريف ردّاته وانفعالاته، لـ”فهم رد فعل الشبكيين تجاه قضايا الشأن العام وخطابات المؤسسات وقرارات السياسيين من خلال الملاحظة الميدانية، للفضاء الشبكي، التي استمرت منذ 2016″.
هذه الملاحظة سبقتها فرضيات اتّسام الحقل الشبابي بالمغرب بإقبال جماعي كثيف على الشبكات الرقميّة والنشاط السياسي السيبراني، وأن فقر التشبيك يمكن أن يدفع الاحتجاج والنضال الشبكي نحو الشوارع والميادين الموقعية، وأن الحضورَين الديني والاجتماعي للشبكيين الشباب محاولة لإيجاد أطر وفضاءات أكثر قدرة على استيعاب نشاطيتهم وفاعليتهم، وأن النفاذ إلى فضاء الشبكات لدى النساء أقل مما هو لدى الرجال، وأن الفضاء الـ “بينبين” (أي الواقعي والافتراضي معًا) مازال واقعًا في المنطقة الرمادية ولم يتشكّل نهائيًّا بعد”.
ويشرح هذا العمل الأسلوب الإثنوغرافي في معالجة مجتمع الشبكات الرقمية بالمغرب من حيث البيئة والجاهزية الشبكية، والآثار الاجتماعية المترتبة عليها، والفضاء العمومي الشبكي والزمن الإعلامي، ويستعرض من منظور “نتنوغرافي” الجاهزيةَ الشبكية والدينامية الاجتماعية بالمغرب، وحجمَ حضور المغاربة عبر الشبكة، وإشكالية الفضاء العمومي بالمغرب، وتجربة الزمن الإعلامي وتأثيرها في الممارسات الاجتماعية.
ويعالج الكتاب الجديد أيضا إشكالية الهوية بوصفها سلطة اجتماعية، خصوصًا مع صعود الهويات المقاومة وما بعد الحداثية والجماعية، ويتطرق أيضًا إلى بناء الهوية في مجتمع الشبكات الرقمية، وإنشاء الجماعات الشبكية، وطبيعة الثقافة الشبكية.
وينتبه العمل إلى “الدينامية الطارئة” التي ساهم جيل الشبكيين في دفعها نحو التمظهر والحضور في الحياة اليومية للمغاربة، وحضور الشباب في الفضاء الشبكي، وخصوصًا أشكال فعلهم الجمعي، وصعود حركاتهم الشبكية الاجتماعية، مثل حركة 20 فبراير، وحراك الريف، وحراكات الهوامش، مع التركيز على “صنع الرأي العام الشبكي”، وحضور التنظيمات السياسية على الشبكة، وأشكال من النقاش مثل “البودكاست” السياسي.
ويصل الكتاب إلى قضايا “المواطنة الشبكية” والرأي العام الشبكي وتشابك الموقعي بالافتراضي، في ارتباط بـ”أشكال الحراك والنضال التي عرفها المغرب”، التي “انطلقت أساسًا أو اعتمدت بالأخص على التعبئة والحشد من طريق الشبكات الرقمية”.
وتقول المؤسسة الناشرة للكتاب، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، إن هذه الدراسة “ضرورية في مكتبات المغاربة أولًا والمهتمين من الباحثين العرب ثانيًا، فهي مذلَّلةٌ من صعوباتِ كونِ موضوعها يُطرَق أول مرة من زاوية نظر معرفية مستجدّة في العلوم الاجتماعية من جهة، وموضوعًا تركيبيًّا ينهل من علوم ومباحث علمية ومقاربات منهجية متعددة من جهة أخرى؛ وهي غنية بالنظريِّ والعملي والمفهومي، وأحداثُها ومعطياتها متبدّلة بسرعة واستمرار”.
المصدر: هسبريس