«أرضاً سلاح».. عسكريون يفرضون حصاراً على «البرهان» لوقف الحرب
ضرب 182 ضابطاً متقاعداً في الجيش، طوقاً جديداً من الحصار على قائد الانقلاب والقوات المسلحة، الجنرال عبد الفتاح البرهان، بإعلانهم الانحياز للحل السلمي، ورفض الحرب المدمرة، ما يقدم صوتاً جديداً بخلاف النشاز الذي تصدره المدافع والبنادق لقرابة نصف العام.
الخرطوم: التغيير
أعلن 182 من قدامى محاربي الجيش السوداني، رفضهم للحرب الناشبة منذ منتصف أبريل الماضي، مطالبين طرفيها بإنهاء العملية العسكرية، ووقف حالة النزيف والخسائر المدمرة التي طالت كل شي تقريباً.
ويخوض الجيش وقوات الدعم السريع شبه العسكرية، معركة لكسر العظم في عدة ولايات سودانية، على رأسها العاصمة الخرطوم، ما أدى إلى مقتل الآلاف ونزوح الملايين علاوة على تدمير كبير طال المباني والأعيان المدنية ومشروعات البنية التحتية.
ورغم أحاديثهما المتكررة عن تأييد الحل السلمي التفاوضي، يمضي الطرفان قدماً في الحرب كسيناريو أوحد لحل الصراع العسكري على أمل الانفراد بالسلطة، دون مبالاة بالآثار الوخيمة لاستمرار القتال، وتضمن توسع رقعة الحرب، وانخراط المدنيين في العملية العسكرية، وليس نهاية بتنامي شعارات الانفصال بعدد من الأقاليم.
أهمية
يكتسب إعلان الضباط المتقاعدين، المطالب بوقف الحرب، أهميته من كونه أول حديث ذو صبغة عسكرية يتخذ الشكل الجمعي، ويصدر عن مكونات رئيسة في القتال، لاستبعاد السلاح كآلية للحل.
يصف المقدم متقاعد، خليفة السر، إعلان ضباط في الجيش، رفضهم للحرب، بأنه “أمر ذو وقع كبير في الأوساط العسكرية”.
يقول السر لـ(التغيير)، إن الضباط المعلن عنهم عرفوا بالاستقامة والنزاهة، وبعضهم جرت إحالته للتقاعد بسبب مواقفه المطالبة بتنزيه الجيش عن العمل السياسي، والانكفاء على بناء قوات كفؤة وذات عقيدة قتالية لنصرة الوطن والمواطن، وحماية البلاد من الأخطار الخارجية.
ولفت إلى أن الجيش عانى الأمرين من قرارات قادته بالانقلاب على النظم الديموقراطية، وقمع المطالبين باستعادة الحكم المدني، بدعوى الحفاظ على أمن البلاد، وهو ما حوّل الجيش كخصم لدى كثير من المواطنين.
وشدد السر على أن الإعلان يقدم عدة رسائل، الأولى للبرهان بعدم صحة أقواله عن تلقي الدعم والتأييد المطلق من قبل ضباط الجيش دعك من السودانيين برمتهم، والثانية للسودانيين لتعريفهم بأن الجيش مع تطلعاتهم في إنهاء الحرب معاناتهم المستمرة منذ 15 أبريل، والثالثة للأطراف التي تقود العملية التفاوضية بضرورة ممارسة مزيد من الضغوط على طرفيّ الصراع لحملهم على وقف جنون الحرب (على حد تعبيره).
ضد التقليل
وعما إن كانت صفة التقاعد والإحالة للمعاش، تقلل من الإعلان، قال السر إن صلة الضباط المتقاعدين بالجيش لا تنقطع صلتهم بالمؤسسة العسكرية، حيث ينشط كثير من الضباط في تقديم المشورة والنصح للقادة الحاليين من باب الزمالة والحدب على مصلحة الوطن والقوات المسلحة، وفي ذات الوقت يعتبر كثير منهم نفسه رصيداً للجند يمكن إضافته متى دعا الداعي، مستدركاً بأن انخراط المتقاعدين في عملية عسكرية له أشراط، ويتم لغايات المصلحة الوطنية.
انقسام
هل يمكن أن يؤدي إعلان الضباط لانقسام في صفوف الجيش؟ سؤال قبل الرد عليه، نحتاج إلى التذكير بصدور مذكرة من قبل ضباط متقاعدين تؤيد البرهان، وتفوضه بتشكيل حكومة لإدارة البلاد.
يشدد السر بأنّ الضباط المشاركين في الإعلان تحركهم المصلحة الوطنية، وعليه اقتصر الأمر بوضعهم في قائمة باعتبارهم مع الخيار السلمي وضد الحرب، دون تحول الأمر إلى مذكرة خشية اتخاذ الأمر لأبعاد سياسية.
وكشف عن تدشين حملة توقيعات داخل مجموعات التراسل الفوري الخاصة بقدامى المحاربين الرافضيين للحرب على مواقع التواصل الاجتماعي، في محاولة دفع طرفيّ النزاع نحو منابر التفاوض.
وتابع: ما يؤكد وطنية الـ 182 ضابطاً هو أن رسالتهم لوقف الحرب شملت قوات الدعم السريع، رغم الانتهاكات الموسعة التي مارستها بحق متقاعدي القوات المسلحة.
وبشأن مذكرة التفويض، قال إن معظم الموقعين عليها عناصر ذات ميول سلطوية، وذات صلات بقوى رافضة لتطلعات السودانيين في الحكم المدني.
وختم بالقول: في النهاية لن يصح إلا الصحيح، وسيعود الطرفان لرشدهما، ولكن كلما تأخر الوقت، كلما زادت الكلفة والفاتورة.
رأي سياسي
هل يمكن أن تكون قائمة ضباط الجيش الرافضين للحرب، مكسباً للعملية التفاوضية؟
يرد الباحث السياسي، صلاح خيري، بالقول إن علو أيّ صوت رافض للحرب، مهم وحيوي في هذه المرحلة خاصة في ظل محاولات التغطية على هذه الأصوات من خلال قعقعة السلاح، وزاد: ما بالك بأن تكون هذه المذكرة صادرة عن عسكريين.
ويطالب خيري في حديثه مع (التغيير) بالعمل على نشر ثقافة السلام، والكشف عن الأهوال والانتهاكات التي صاحبت الحرب، وصولاً لإنهاء القتال، واستعادة المسار المدني الذي يضمن خروج نهائي للعسكر من معادلة السلطة.
هذا أو الطوفان
رغم استماتته لحسم الحرب عسكرياً بما يضمن بقائه في السلطة؛ تضيق الدائرة على قائد الجيش يوماً بعد يوم، فرفاقه السابقين انضموا إلى ملايين السودانيين الذين سئموا الحرب التي وصفها ذات يوم بنفسه بأنه “عبثية”، ما يتركه أمام خيارين: العودة إلى منبر جدة التفاوضي، أو مواصلته بأخذ الأخطار المحيطة بالوطن بتطفيف وعدم جدية، في حرب قضت على الأخضر وبدأت في قضم اليابسة.
المصدر: صحيفة التغيير