مسؤولية أخلاقية
يصعب الأمر كثيراً من الناحية الإنسانية حين تُختزل حياة ضحية حادث مروري في مدى أحقية ورثته بتعويض مادي، إذا توفي نتيجة خطأ شخص آخر.
من القضايا التي استوقفتني في هذا الصدد شاب توفي في حادث مروري أثناء ركوبه السيارة برفقة صديقه الذي كان يقودها تحت تأثير المشروبات الكحولية، بسرعة كبيرة، أدت إلى فقدانه السيطرة على مقودها واصطدامها بحاجز على الطريق، ثم تدهورها مرات عدة.
أناقش هذه القضية لاعتقاد البعض بأن السائق يتحمل المسؤولية إذا تسبب في وفاة شخص أو أكثر في مركبة أخرى، أو دهس أحد المشاة، غير مدركين أنه مسؤول كذلك عن سلامة الذين برفقته في السيارة حتى لو كانوا من ذويه أو أصدقائه، بل إن هناك حكماً استثنائياً صدر سابقاً بتحميل أُمّ تبعات وفاة جنينها في حادث تسببت بوقوعه، وحكم عليها بعُشر الدية الشرعية آنذاك.
محكمة أول درجة أدانت السائق الشاب الذي تسبب في وفاة مرافقه، وقضت بحبسه سنة وإلزامه بسداد الدية الشرعية كاملة 200 ألف درهم، بالإضافة إلى وقف رخصة قيادته لمدة ستة أشهر، بعد إدانته بالتسبب بخطئه في وفاة شخص وإتلاف مال مملوك للغير أثناء القيادة تحت تأثير المشروبات الكحولية.
والسؤال الذي يلح على أذهان البعض في مثل هذه الحالة: هل تتحمل شركة التأمين المؤمنة على السيارة المتسببة في الحادث مسؤولية تعويض الضحايا حال الإصابة أو أسرهم حال الوفاة في ظل وجود استثناءات للتغطية بوثيقة التأمين، منها قيادة السائق المتسبب تحت تأثير المشروبات الكحولية؟
والإجابة أنه لا يمكن لشركات التأمين التنصل من واجباتها بتغطية أضرار الحادث حتى مع وجود هذه الاستثناءات، لأن المبدأ القانوني يرسي حق التعويض بغض النظر عن حالة السائق المؤمَّن له، ويمنح الورثة حق الرجوع على الشركة التي تستطيع لاحقاً العودة على السائق المتسبب إذا خرق وثيقة التأمين.
ومن الضروري عدم الخلط بين حق المؤمّن له والشخص المتضرر، فإذا تسبب الأول في وقوع حادث وكان تحت تأثير استثنائي مثل القيادة تحت تأثير الكحول أو دون رخصة لا يحق له التعويض، فيما أن للمتضرر حقاً أصيلاً في ذلك؛ عملاً بموجبات قانون المعاملات المدنية.
ولا شك في أن التشدد حيال المستهترين والمتهورين الذين يهددون أمن وسلامة مستخدمي الطرق أمر بالغ الأهمية، وينسجم ذلك مع المرسوم رقم (29) لسنة 2015 الصادر من حكومة دبي وتعديلاته في المرسوم رقم (30) لسنة 2023 الذي نص على غرامات رادعة تصل إلى 100 ألف درهم قيمة فك حجز المركبات المشاركة في السباق، و50 ألف درهم للمركبات التي تشكل خطراً على الأرواح.
وبغض النظر عن الحقوق المادية والأدبية التي كفلها المشرع في قوانين ومراسيم عدة، فإن الالتزام الإنساني والأخلاقي يجب أن يكون أساس سلوكياتنا على الطريق، فمن الصعب أن يعيش أحدنا بجريرة التسبب في وفاة أو إصابة شخص بريء.
محكم ومستشار قانوني
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news
المصدر: الإمارات اليوم