نيو يورك تايمز:الإمارات العربية المتحدة تغذي سرا القتال في السودان
قال مسؤولون امريكيون إن الإمارات العربية تقدم من قاعدة جوية نائية في تشاد الأسلحة والعلاج الطبي لمقاتلي أحد طرفي الحرب المتصاعدة في السودان.
التغيير ــ و كالات
و بحسب نيو يورك تايمز فإن الإمارات تحت ستار إنقاذ اللاجئين، تدير عملية سرية متقنة لدعم أحد الأطراف في الحرب المتصاعدة في السودان، حيث تقوم بتزويده بأسلحة قوية وطائرات بدون طيار، ومعالجة المقاتلين المصابين، ونقل الحالات الأكثر خطورة جواً إلى أحد مستشفياتها العسكرية، وفقاً لما ذكره عشرات المسؤولين الحاليين والسابقين في الولايات المتحدة وأوروبا والعديد من الدول الإفريقية.
وبحسب الصحيفة تتمركز العملية في مطار ومستشفى في بلدة نائية عبر الحدود السودانية في تشاد، حيث تهبط طائرات الشحن الإماراتية بشكل شبه يومي منذ يونيو، بحسب صور الأقمار الصناعية والمسؤولين الذين اشترطوا عدم الكشف عن هويتهم للادلاء بهذه المعلومات الاستخبارية الحساسة.
و أعتبرت أن ما يجري هو أحدث مثال على كيفية استخدام الإمارات، حليفة الولايات المتحدة في الخليج العربي، لثرواتها الهائلة وأسلحتها المتطورة لوضع نفسها كلاعب رئيسي وصانع ملوك في بعض الأحيان في جميع أنحاء أفريقيا.
وفي السودان، تشير الأدلة إلى أن الإمارات تدعم قوات الدعم السريع، وهي مجموعة شبه عسكرية قوية مرتبطة بمجموعة فاغنر المرتزقة الروسية والمتهمة بارتكاب فظائع. وتقاتل القوات المسلحة النظامية في البلاد في حرب خلفت 5000 قتيل مدني وشردت أكثر من أربعة ملايين شخص منذ أبريل.
ووفقاً نيو يورك تايز أنه رغم هذه المعلومات الموثوقة يصر الإماراتيون على أن عمليتهم على الحدود مع السودان هي عملية إنسانية بحتة، خاصة و أنه منذ أن بدأت الطائرات في الوصول إلى مدينة أم جرس التشادية، نشرت وكالة الأنباء الإماراتية صوراً للمستشفى الميداني اللامع، حيث تقول إنه تم علاج أكثر من 6000 مريض منذ يوليو وتظهر مقاطع الفيديو مسؤولين إماراتيين وهم يقومون بإسقاط حزم المساعدات خارج أكواخ القش في القرى المجاورة، والتبرع بالماعز وتجديد المدارس. حتى أنهم نظموا سباق الهجن.
ويقول الإماراتيون إن دافعهم هو مساعدة اللاجئين السودانيين، الذين فر العديد منهم من العنف العرقي الوحشي في منطقة دارفور. ولكن منذ انزلاق السودان إلى الحرب، لم يتم تسجيل سوى 250 لاجئاً في أم جرس، وفقاً للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بينما يوجد اللاجئون في الواقع على بعد مئات الأميال إلى الجنوب، وهي رحلة تستغرق يومين عبر الطرق الصحراوية والترابية، حيث يكتظ 420 ألف سوداني وصلوا مؤخرًا في مخيمات مترامية الأطراف وسط ظروف بائسة.
و ترى الصحفة أنه في الواقع الإمارات العربية المتحدة تستغل مهمة المساعدات لإخفاء دعمها العسكري لقائد قوات الدعم السريع، الفريق محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي، والذي كان في السابق قائد ميليشيا من دارفور معروف بقسوته.
علاقات طويلة الأمد
وقال مسؤول أمريكي كبير سابق “الإماراتيون يعتبرون حميدتي رجلهم. لقد رأينا ذلك في مكان آخر يختارون رجلاً واحداً ثم يدعمونه طوال الوقت”.
وباعتبارها لاعباً نشطاً بشكل متزايد في القارة الأفريقية، وقعت الإمارات صفقات تجارية بقيمة عشرات المليارات من الدولارات لتطوير مناجم في جمهورية الكونغو الديمقراطية، والحصول على أرصدة الكربون في ليبيريا، والسيطرة على الموانئ في تنزانيا والصومال والسودان.
وفي شرق ليبيا، قامت الإمارات بتسليح خليفة حفتر في انتهاك لحظر الأسلحة الدولي. وفي إثيوبيا، زودت رئيس الوزراء أبي أحمد بطائرات مسلحة بدون طيار في لحظة حاسمة من صراع تيغراي في عام 2021، مما أدى فعليًا إلى تغيير مجرى الحرب. وفي السودان، تدفع الإمارات رسمياً نحو السلام. وباعتبارها عضوا في الرباعية، وهو تجمع دبلوماسي يضم الولايات المتحدة وبريطانيا والمملكة العربية السعودية، تحاول التوسط من أجل إنهاء الصراع عن طريق التفاوض. وفي الوقت نفسه، تعمل الأسلحة الإماراتية على تأجيج الصراع.
وقال مسؤولون أمريكيون وسودانيون إن مقاتلي حميدتي استخدموا في الأسابيع الأخيرة صواريخ كورنيت المضادة للدبابات، التي زودتهم بها الإمارات، لمهاجمة قاعدة المدرعات المحصنة في العاصمة السودانية الخرطوم.
ولم ترد وزارة الخارجية الإماراتية على قائمة من الأسئلة لكنها نفت في السابق تقديم الدعم لأي من طرفي الحرب في السودان.
وقد أثارت العملية السرية في السودان حفيظة المسؤولين الأمريكيين الذين يشعرون بالإحباط بالفعل بسبب علاقات الإمارات المتنامية مع روسيا والصين. ويستضيف حاكمها ، الشيخ محمد بن زايد، 5000 جندي أمريكي في دولته النفطية الثرية. لكن جهوده في السودان تضعه في صف الراعي الأجنبي الآخر للجنرال حميدتي، مرتزقة فاغنر الروسية.
ويوضح تقرير غير منشور أعده محققو الأمم المتحدة، وتم تقديمه إلى مجلس الأمن وحصلت عليه صحيفة التايمز، تفاصيل كيف حصل حميدتي على صواريخ أرض جو من قواعد في جمهورية أفريقيا الوسطى المجاورة في أبريل ومايو. وقال مسؤول في الأمم المتحدة إن فاغنر قدمت الصواريخ. وقال مسؤولان سودانيان إن هذه الطائرات استخدمت لإسقاط عدة طائرات مقاتلة سودانية. ولم ترد قوات الدعم السريع على الأسئلة المتعلقة بهذا المقال، لكنها نفت مؤخرًا “أي ارتباط بجماعة فاغنر”.
وردا على سؤال حول الأنشطة الإماراتية في أم جرس، قال متحدث باسم مجلس الأمن القومي إن الولايات المتحدة اعربت عن مخاوفها لجميع الجهات الخارجية التي يشتبه في أنها تقدم الدعم لطرفي الصراع في السودان، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة”.
واعتبر نشطاء سودانيين التدخل الإماراتي ازدواجية شنيعة دولة تتحدث عن السلام بينما تؤجج الحرب، وتدعي أنها تساعد اللاجئين السودانيين بينما تدعم المقاتلين الذين أجبروهم على الفرار في المقام الأول.
وقال حسام محجوب، المؤسس المشارك للشركة الإعلامية السودانية المستقلة ‘سودان بكرة’، “هذا الأمر يجعلني غاضباً ومحبطاً. لقد رأينا هذا من قبل في دول مثل ليبيا واليمن: تقول الإمارات العربية المتحدة إنها تريد السلام والاستقرار، وفي الوقت نفسه تفعل كل ما في وسعها للعمل ضد ذلك”.
وبدأت العملية في أم جرس بشكل جدي في منتصف يونيو، أي بعد حوالي شهرين من بدء الحرب للسيطرة على السودان.
وفي ذلك الشهر، التقى الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي بالزعيم الإماراتي الشيخ محمد في أحد قصوره في أبو ظبي. غادر ديبي بقرض بقيمة 1.5 مليار دولار (تبلغ ميزانية تشاد السنوية 1.8 مليار دولار) ووعود بالمركبات العسكرية التي تم تسليمها في أغسطس.
وبعد أيام، بدأت طائرات الشحن الإماراتية بالتدفق إلى أم جرس، وهي واحة صغيرة يقطنها عدد قليل من السكان ولكن بها مهبط طائرات طويل بشكل غير عادي. ورصدت صحيفة التايمز عشرات الرحلات الجوية إلى أم جرس منذ مايو.
ولد الرئيس التشادي السابق إدريس، والد محمد ديبي، والذي حكم تشاد لمدة ثلاثة عقود، في أم جرس وكثيرا ما استضاف كبار الشخصيات الأجنبية هناك، وقام ببناء مطار قريب يضم أطول مدرج في البلاد.
وفي 4 يوليو، بعد أن أعلن أحد متتبعي الرحلات الجوية المعروف باسم جيرجون عن الارتفاع المفاجئ في الرحلات الجوية الإماراتية إلى أم جرس، حيث أعلنت الإمارات أنها افتتحت مستشفى بسعة 50 سريرًا على حافة المدرج. وتلا ذلك المزيد من البيانات الإخبارية، التي سلطت الضوء على توزيع المساعدات الإماراتية. وجاء في أحد البيانات الصحفية: “إن هذا إنجاز جديد في سجل العطاء المشرق لدولة الإمارات العربية المتحدة”.
ولكن كانت هناك أيضا اعتراضات فقد انتشر مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي يظهر رجال قبائل محليين يحتجون على القاعدة الإماراتية الجديدة. وأعلن أحدهم أن “هذا ليس مستشفى مدنياً”، مضيفاً أن الإماراتيين كانوا يدعمون قوات الدعم السريع بالخدمات اللوجستية والأسلحة. ثم أحرق العلم الإماراتي.
وكان لتلك الاتهامات ما يبررها. اذ قال مسؤولون أفارقة إنه في أحد أجزاء المستشفى كان المسعفون الإماراتيون يعالجون مقاتلي قوات الدعم السريع المصابين. وتم نقل بعضهم جواً في وقت لاحق إلى أبو ظبي لتلقي العلاج في مستشفى زايد العسكري.
وفي الوقت نفسه تظهر صور الأقمار الصناعية وبيانات تتبع الرحلات الجوية أن مطار أم جرس كان يتوسع ليصبح مطارًا دائم الحركة على الطراز العسكري بما يتجاوز احتياجات المستشفى الصغير. حيث تم إنشاء ملجأين مؤقتين للطائرات وحظيرة طائرات وتوسيع مجمع المستشفى وإنشاء مخزن للوقود.
كما تم تجريف التربة في مساحة كبيرة جنوب المدرج، مما يشير إلى احتمال تجهيز منطقة جديدة كموقف للطائرات. وكانت العديد من طائرات الشحن التي تهبط في أم جرس قد نقلت في السابق أسلحة من الإمارات إلى مناطق صراع أخرى.
ويشتبه في أن طائرة إليوشن المسجلة لدى شركة ‘فلاي سكاي إيرلاينز’ والتي اتهمها محققو الأمم المتحدة بانتهاك حظر الأسلحة المفروض على ليبيا، قامت بتسليم طائرات بدون طيار إلى إثيوبيا في عام 2021.
وكشف تحليل أجرته صحيفة التايمز أن نمط بناء المطارات يشبه قاعدة الطائرات بدون طيار التي بنتها الإمارات في الخادم، شرق ليبيا، في عام 2016. (في الآونة الأخيرة، تمركز مرتزقة فاغنر هناك).
و أوضحت أنه من أم جرس يتم نقل الأسلحة لمسافة 150 ميلاً شرقًا إلى الزرق، مركز قوات الدعم السريع الرئيسي، في إقطاعية الجنرال حميدتي في شمال دارفور، وفقًا لمسؤولين سودانيين وتشاديين والأمم المتحدة.
وقال شيخ من قبيلة سودانية على الحدود مع تشاد إن قوات الدعم السريع اتصلت بمجموعته هذا الصيف لضمان مرور آمن للقوافل البرية من الحدود إلى الزرق.
وحصلت صحيفة التايمز على صور الأقمار الصناعية الليلية من أواخر أغسطس والتي كشفت عن أضواء في ساحة الطائرات والممر والمدرج، مما يشير إلى الاستعدادات للعمليات المستقبلية المحمية من التصوير عبر الأقمار الصناعية أثناء النهار.
وقال كاميرون هدسون، الذي عمل سابقا محللا للشئون الأفريقية بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية ويعمل حاليا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية “ما قامت به الإمارات لدعم قوات الدعم السريع وإطالة أمد الصراع في السودان يفوق ما قامت به أي جهة اخرى”. وأضاف قائلا “إنهم لا يتركون كثيرا من البصمات، وهذا مقصود”.
حرب أفريقية أخرى
بدأت العلاقة الإماراتية مع الجنرال حميدتي في الشرق الأوسط في عام 2018 حيث دفعت الإمارات مبالغ كبيرة لزعيم الميليشيا السودانية لإرسال آلاف المقاتلين إلى جنوب اليمن، كجزء من الحملة العسكرية الطاحنة التي تشنها الإمارات ضد المتمردين الحوثيين في الشمال.
لقد أثرت تلك الحملة الجنرال حميدتي وساعدت في جعل قوات الدعم السريع تحظى بشعبية كبيرة، بل وأكثر قوة داخل السودان. ومع قيامه ببناء إمبراطورية تجارية في مجال تعدين الذهب، نقل عائداته إلى دبي، حيث أسس شقيقه الأصغر القوني حمدان دقلو شركات لإدارة مصالح العائلة.
والأمر الذي حير العديد من المسؤولين والمحللين الغربيين هو لماذا اختارت الإمارات مضاعفة جهودها لدعم الجنرال حميدتي الآن، على الرغم من الأدلة المتزايدة على الفظائع التي ارتكبت في زمن الحرب.
مثل العديد من دول الخليج، ترى الإمارات السودان كمصدر محتمل للغذاء، وتطمح إلى موقع على ساحل البحر الأحمر. وفي ديسمبر وقعت الإمارات صفقة بقيمة 6 مليارات دولار لتطوير ميناء على بعد 125 ميلاً شمال بورتسودان.
وتشكل الخصومات في الشرق الأوسط عاملا أيضا. يقول دبلوماسيون إن التوترات بين الإمارات ومصر، التي تدعم الجيش السوداني، والمملكة العربية السعودية، التي تقود الجهود الدبلوماسية لإنهاء حرب السودان، تتصاعد بشكل مطرد.
ويقول المحللون إن هناك عامل آخر لا يمكن اغفاله وهو ان الشيخ محمد قد يكون ببساطة متمسكًا بحليف مخلص.
ويقول عمال الإغاثة إن اللاجئين السودانيين يواصلون التدفق إلى تشاد بمعدل 2000 شخص يومياً. ويصل معظمهم إلى أدري، وهي بلدة حدودية فقيرة بعيدة جدًا عن المساعدة من القاعدة الإماراتية التي تبعد حوالي 200 ميل إلى الشمال.
المصدر: صحيفة التغيير