ج. بوست: هجمات إيران الرقمية ضد إسرائيل “تحركات محسوبة” هدفها تعطيل الحياة اليومية
أمد/ تل أبيب: قالت صحيفة “جيروزاليم بوست“، إن الحرب السيبرانية بين إيران وإسرائيل ارتفعت في الشهر الحالي.، حيث كشف هجوم رقمي من إيران عن البيانات الشخصية لعدد لا يحصى من الإسرائيليين، مما ألقى بظلاله على المفاوضات الدبلوماسية المحورية وإجراءات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وأفادت الصحيفة الإسرائيلية عبر موقعها الإلكتروني، “في عالم يتم فيه خوض المعارك بشكل متزايد باستخدام الرموز والنقرات بدلاً من المدافع والعيارات ومع ترسيخ التكنولوجيا نفسها في حياتنا بشكل متزايد، تتلاشى خطوط الجغرافيا السياسية التقليدية، مما يؤدي إلى ظهور ساحات معارك جديدة غير مرئية.”
وأضافت الصحيفة، إن الإبحار في المشهد الجيوسياسي المعقد في الشرق الأوسط غالباً ما يقود المرء عبر متاهة من الضربات الصاروخية، والحروب الإقليمية بالوكالة، والطموحات النووية المتصاعدة. ومع ذلك، بينما تدفعنا التكنولوجيا إلى الأمام، يجب إعادة توجيه الاهتمام إلى الساحة السرية الناشئة: العالم الرقمي. إن المزيج بين قدرات إيران السيبرانية المتطورة وموقفها المتصلب ضد إسرائيل يرسم مخططاً مثيراً للقلق، يشير نحو هدف أعظم ـ زعزعة استقرار ركائز الديمقراطية ذاتها.
ورأت الصحيفة، أن الهجمات الإلكترونية التي تشنها إيران على إسرائيل هي أكثر أهمية بكثير من مجرد ومضات في المشهد الافتراضي، وأن موقف إيران المواجهة تجاه إسرائيل لا يقتصر على ساحات القتال التقليدية، بل إنها متشابكة بعمق مع معركة أيديولوجية تمتد إلى ما هو أبعد من الخلاف السياسي، وتتعمق في معاداة الصهيونية وحتى معاداة السامية، مشيرةً إلى أن العداء الإيراني تجاه إسرائيل كان دائمًا أكثر من مجرد أسباب جيوسياسية: فهو أيضًا أيديولوجي ووجودي.
جهود إيرانية من الداخل إلى الخارج..
وأكد الصحيفة، أن استراتيجيات إيران الرقمية ليست مجرد استعراض رمزي للقوة، ولكنها تحركات محسوبة تهدف إلى تآكل النسيج المجتمعي الإسرائيلي من الداخل إلى الخارج.
ونقلت الصحيفة، عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) قوله، أن هذه المبادرات السيبرانية تهدف إلى “تعطيل الحياة اليومية الإسرائيلية، وإحباط معنويات المواطنين الإسرائيليين، وتقويض الثقة في قدرة الحكومة الإسرائيلية على حماية الإسرائيليين”.
وأكدت الصحيفة، أن العدوان الإيراني على الإنترنت ليس سوى جانب واحد من استراتيجية أوسع نطاقا وشاملة، حيث يؤكد كينيث بولاك، الباحث الشهير في شؤون الشرق الأوسط، كيف أن الخطاب الإيراني العدواني يخدم أيضاً غرضاً مزدوجاً. ويشير بولاك إلى أن “إيران تستخدم خطابها التحريضي تجاه إسرائيل كنقطة تجمع داخلية وكوسيلة للتأثير الإقليمي”.
وأضافت الصحيفة، رغم أن إسرائيل انتخبت منذ فترة طويلة باعتبارها الهدف المفضل والرئيسي للنظام الإيراني ـ العدو الذي يجب القضاء عليه، فإن كراهية طهران تعكس أيضاً عداوتها لما تمثله الدولة اليهودية. وكما لاحظ الدكتور مايكل روبين من معهد المشاريع الأميركي بذكاء فإن “تصرفات إيران تعكس مواجهة إيديولوجية أوسع نطاقاً مع الأركان الأساسية للمجتمعات الديمقراطية: الاستقلال، والديمقراطية، والحرية”.
وحسب الصحيفة، أن البروفيسور إيمي زيجارت من جامعة ستانفورد أكدت أنه عندما تضرب إيران إسرائيل فإن “الأمر ليس مجرد تحرك سياسي ضد دولة قومية؛ بل إهانة مباشرة لأساس المبادئ الديمقراطية”.
وتابعت الصحيفة، بينما تظهر إسرائيل ثباتها في مواجهة هذه التحديات، يحذر البروفيسور إيان بريمر من مجموعة أوراسيا الديمقراطيات الغربية قائلاً: “إن محنة إسرائيل تشبه طائر الكناري في منجم للفحم. إن نقاط الضعف التي يواجهها اليوم قد تكون هي نفسها التي سيواجهها الغرب غدًا.
ودعت الصحيفة، في ضوء ذلك، من الأهمية بمكان أن تدرك الدول الديمقراطية حصتها المشتركة في هذه الهجمات السيبرانية وأن تعزز دفاعاتها وفقًا لذلك.
وأضافت الصحيفة، تاريخيًا، يمكن تتبع غزوات إيران للحرب السيبرانية جنبًا إلى جنب مع جدول زمني للأحداث الجيوسياسية المهمة، مما يكشف عن نمط واضح من السلوك الرقمي العدواني غالبًا ما يكون جنبًا إلى جنب مع الأحداث الدولية الكبرى أو ردًا عليها.
وأوضحت الصحيفة، أنه في عام 2010، شهد العالم القدرات المدمرة التي تتمتع بها دودة ستاكسنت، وهو سلاح إلكتروني يعتقد إلى حد كبير أنه تم تطويره بشكل مشترك من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل لتخريب البرنامج النووي الإيراني. كان هذا الهجوم غير المسبوق بمثابة حقبة جديدة في الحرب السيبرانية، وقد انتبهت إيران لذلك.
وتابعت، ثم، بعد انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة في عام 2018، تم ربط إيران بإطلاق برنامج شمعون، وهو برنامج ضار لمسح البيانات استهدف سابقًا شركة أرامكو السعودية في عام 2012، على ما يبدو كضربة رقمية مضادة فورية ومتحدية.
ونقلت الصحيفة عن وزارة العدل الأمريكية، أنه في عام 2019 وسط التوترات المحيطة بالهجمات على ناقلات النفط في خليج عمان ، ظهرت تقارير عن قراصنة إيرانيين يستهدفون مسؤولين حكوميين أمريكيين في حملة تصيد احتيالي، مما يؤكد بشكل أكبر تزامن الجرائم الرقمية مع الأحداث السياسية الساخنة،
وأكدت الصحيفة، أنه من عام 2021 إلى عام 2022، أدت العمليات السيبرانية الجريئة إلى كشف البيانات الشخصية لعدد لا يحصى من المواطنين الإسرائيليين. وجاءت هذه الإجراءات وسط محادثات دبلوماسية متوقفة وقبل جلسة حاسمة للجمعية العامة للأمم المتحدة، مما يشير إلى نمط مألوف حيث تعزز إيران موقفها التفاوضي من خلال الإجراءات الرقمية العدوانية.
وحسب الصحيفة، ترسم هذه الأمثلة مجتمعة صورة للمسار الأيديولوجي المتطور لإيران. وبعيدًا عن كونها حوادث معزولة، فإنها تؤكد كيف استفادت طهران باستمرار من العمليات السيبرانية كإجراءات انتقامية وكأدوات استراتيجية لتتزامن مع الأحداث الدبلوماسية المهمة وربما تؤثر عليها.
وقالت الصحيفة “من خلال توجيه أسلحتها السيبرانية نحو مستويات الكلور في المياه الإسرائيلية، والمؤسسات الطبية، وحتى قواعد بيانات الباحثين عن عمل، تُظهر طهران نيتها استغلال أي نقاط ضعف، وهذا يعني أن الديمقراطيات الغربية، مع بنيتها التحتية الرقمية المتزايدة باستمرار، معرضة للخطر بنفس القدر.”
وأضافت، علاوة على ذلك، وكما يتضح من الخطاب الإيراني الأخير، فإن هذه الحرب السيبرانية تمتد إلى ما هو أبعد من مجرد المواجهات التكنولوجية، إن التصريحات التي يطلقها زعماء مثل آية الله علي خامنئي، التي توقعت عدم وجود إسرائيل في غضون 25 عاماً، أو التهوين من شأن المحرقة اليهودية من خلال مسابقات الرسوم الكاريكاتورية المثيرة للجدل، تشير إلى ميل إيديولوجي واضح وخطير. مثل هذه المشاعر لا تتحدى شرعية إسرائيل فحسب، بل تعكس أيضًا نغمات أعمق معادية للسامية.
وحذرت الصحيفة، من انه إذا تركت هذه التهديدات المزدوجة ــ الرقمية والأيديولوجية ــ دون رادع، فمن الممكن أن تتجمع لتشكل تحديا هائلا لركائز الديمقراطية. وبالنسبة للولايات المتحدة، التي شهدت بالفعل القوة التخريبية للهجمات السيبرانية، فإن فهم النهج المتعدد الأوجه الذي تتبناه إيران أمر بالغ الأهمية. ويتعين على صناع السياسات في الولايات المتحدة أن يضمنوا اتباع نهج شامل يخفف من التهديدات في المجال السيبراني ويتحدى في الوقت نفسه خطاب إيران التقسيمي والضار.
وختمت الصحيفة، في عالم يمكن أن تؤثر فيه الحرب الرقمية بشكل كبير على الجغرافيا السياسية، من الضروري أن نتذكر أن الأمر في جوهرها أكثر من مجرد أرقام وأصفار. إنها معركة أيديولوجية، معركة تتحدى مبادئ الديمقراطية والحرية، وبينما نسير بحذر في هذا العصر الرقمي، يجب على الولايات المتحدة، جنبا إلى جنب مع حلفائها، أن تقف بكل حزم ضد أولئك الذين يسعون إلى تقويض هذه القيم العزيزة.