لقاء مدعي الجنائية والبرهان.. ما هي فرص إنهاء الإفلات من العقاب؟
مثّل لقاء مدعي المحكمة الجنائية كريم خان بقائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في نيويوك، واحداً من اللقاءات المهمة لارتباطه بقضية العدالة لإقليم دارفور والسودان عموماً، سيما بعد حرب 15 ابريل 2023.
الخرطوم: التغيير
وجد الاجتماع الذي ضم رئيس مجلس السيادة الانقلابي عبد الفتاح البرهان ومدعي المحكمة الجنائية الدولية كريم خان على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، ردود فعل واسعة في الأوساط السودانية.
وكان خان أعلن، الجمعة، أنه التقى البرهان في نيويورك وأبلغه بأن تحقيقات المحكمة حول الجرائم المرتكبة في دارفور ستشمله.
فيما أكد البرهان حرص حكومته على تحقيق العدالة لضحايا الجرائم الحالية والجرائم السابقة التي تم ارتكابها بدارفور على يد نفس العناصر التي تنتهك بشكل منهجي القوانين الدولية في حربها الحالية بالسودان وتقترف الجرائم الشنيعة في حق المدنيين.
وفتحت تصريحات الجانبين الباب للتكهنات والتساؤل حول مدى جدية البرهان وحكومته في التعاون مع الجنائية الدولية، وإلى أي مدى يمكن أن تسهم في إنهاء حالة إفلات المجرمين من العقاب رغم الجرائم الكبيرة التي وقعت بالبلاد.
تسليم البشير
وتطالب المحكمة الدولية بتسليمها الرئيس السوداني السابق عمر البشير واثنين من مساعديه وأحد قادة المجموعات التي حملت السلاح، بعد اتهامهم بارتكاب جرائم إبادة جماعية وضد الإنسانية وجرائم حرب أثناء النزاع في إقليم دارفور الذي بدأ في 2003.
ووقعت الجنائية في أغسطس 2021 مذكرة تعاون مع الحكومة المدنية الانتقالية التي أطاحها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان بانقلاب 25 أكتوبر.
وكان مدعي الجنائية، شكا مراراً من عدم تعاون السودان مع مكتبه، ومضى إلى وصف التعاون مع حكومة السودان بأنه تدهور، وأبلغ مجلس الأمن الدولي بعدم وفاء الحكومة بمتطلبات التعاون الذي حدّده مجلس الأمن بموجب الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة في قراره رقم 1593.
تحقيق شفاف
فيما يُطالب الضحايا وأسرهم بضرورة تسليم البشير وأعوانه للمحكمة الجنائية حتى لا يتم إفلاتهم من العقاب واسترداد كرامة الضحايا.
ويؤكد مراقبون ضرورة أن يتم تحقيق شفاف في الحرب الدائرة الآن بين الجيش والدعم السريع التي انطلقت شرارتها في 15 أبريل الماضي، وأدت إلى خسائر بشرية ومادية ضخمة بالعاصمة الخرطوم وولايات أخرى.
ويرون أن الإبادة الجماعية التي وقعت في ولاية غرب دارفور (الجنينة) ترتقي إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والتطهير العرقي وهي ذات الدعاوي التي اتهم بها البشير ومعاونيه.
تحقيقات شاملة ومستقلة
وقال الناشط الحقوقي عبد الباسط الحاج، إن عمليات التحقيقات الجنائية بطبيعة الحال تكون شاملة ومستقلة وفق قواعد القانون والعدالة، في كل الحالات التي يبحث فيها المحققون المحليون والدوليون حول الحوادث الجنائية.
وأضاف لـ(التغيير): “ينبغي أن يكون المحقق على قدر عالٍ من الحياد بحيث لا يمكن أن يبدأ التحقيق بعد اتهام افتراضي من قبل المحقق تحت قاعدة كل متهم برئ حتى تثبت إدانته وفق قانون”.
وتابع: “عندما بدأت المحكمة الجنائية الدولية عملها في دارفور فتحت تحقيقاً شاملاً في مواجهة كل أطراف النزاع من الحكومة والحركات المسلحة التي كانت تحمل منفستو سياسي تستمد منه مشروعيتها القتالية ونتج عن ذلك التحقيق اشتباه اثنين من قيادات الحركات المسلحة (بحر إدريس أبو قردة، عبد الله بندا) والأخير لازال هارباً من العدالة وأما الاأول فقد مثل أمام المحكمة وتم إغلاق ملفه، وكانت تتمثل التهم في مهاجمة مقر بعثة الاتحاد الأفريقي لحفظ السلام في حسكنيته وهي قوات محايدة ويمثل الاعتداء عليها جريمة حرب”.
وزاد: “أما من جانب الحكومة فقد توصل التحقيق إلى أن هنالك قيادات بارزة من النظام السوداني مشتبه في تورطهم في الجرائم التي وقعت في دارفور وكان على رأسهم البشير”.
ولفت الحاج إلى أنه “نتيجة للجرائم التي وقعت بعد الحرب الدائرة الآن فإن التحقيق من البديهي أن يشمل جميع أطراف الحرب ليس فقط مدعي جلب الديمقراطية بل أيضاً البرهان وقيادات الجيش السوداني من باب الشمولية والدقة لتحديد المسؤولية الجنائية الفردية ومسؤولية القيادة عن الانتهاكات التي يمارسها الجنود”.
وأكد الحاج، أن ما يمكن أن تسفر عنه التحقيقات لا يخرج عن نطاق اختصاص المحكمة الجنائية الدولية وهي الجرائم الدولية الكبرى وفي هذه الحالة يمكن لقيادات الجيش أن تدخل دائرة الاشتباه في جرائم الحرب ومن الجانب الآخر هنالك شبهة بوقوع جريمة الإبادة الجماعية في غرب دارفور لإثنية المساليت تشير أصابع التورط إلى قيادات الدعم السريع والمجموعات العربية الموالية للدعم السريع وهي من أخطر الجرائم وأفظعها ومن جانب آخر هي ذات الجريمة المتورط فيها البشير والتي نفذها عبر مليشيات الجنجويد والتي تطورت لاحقاً إلى الدعم السريع وجزء منهم يقاتل تحت لواء عقداء القبائل الموالية للدعم السريع”.
دراسة الحالة
من ناحيته، شكك الخبير في القانون الدولي د. نبيل أديب، في أن يكون مدعي المحكمة الجنائية قال للبرهان إن التحقيقات ستشمله.
وقال أديب لـ(التغيير): “لا أعتقد أن المدعي العام يمكن أن يقول ذلك للبرهان لأن المدعي العام لا يثرثر مع من ستشمله التحقيقات بل يحقق معهم مباشرة”.
وأضاف: “من جهة أخرى فإنه إذا كان الحديث عن الانتهاكات الحالية في دارفور فإن المدعي العام لا يوجه اتهامات وإنما يقوم فقط بدراسة الحالة وفقاً للتقارير التي تصله فإذا تبين له أنه يمكن استناداً عليها يجوز له الشروع في إجراء تحقيق في المسألة يقوم برفع الأمر لغرفة ما قبل المحاكمة للحصول على إذن بفتح تحقيق وذلك وفقاً للمادة 15 من نظام روما الأساسي”.
وتابع: “لذلك فانني أعتقد أنه حتى الآن لم يشرع المدعي العام في إجراء تحقيق في الانتهاكات التي وقعت مؤخراً في دارفور”.
وكان كريم خان قال عقب لقاء البرهان، إن الجرائم الحالية تبدو امتداداً لما تم ارتكابه بدارفور قبل نحو عشرين عاماً.
وكشف أن تحقيقاته في الفترة المقبلة ستشمل تشاد وبعض المناطق في السودان، وأبدى انفتاحه للتعامل مع السلطات السودانية بما يخدم العدالة والمحاسبة.
المصدر: صحيفة التغيير