هناك طموح مشروع وهاجس فنّي يحمله النحّات غائب الجنابي الذي عاش في الخارج ردحًا من الزمن، وقد عاد في سنوات الحصار الظالم إلى العراق في العقد التسعيني، لتحقيق جزءٍ من طموحه ومشروعه الفنّي، لكنّه صُدِمَ “حينها” بالظروف الاقتصاديّة والسياسيّة المتعبة جدًّا واللا مبالاة في الأفكار الخلّاقة.إلّا أنّه بعد عام 2003، بدأ يتحرّك هنا وهناك عسى أن يحقق شيئًا من طموحه القديم، فكانت لنا وقفة معه ليحدثنا، قائلًا: أدركنا كنحّاتين عراقيين أهمية الدور الذي يضطلع فيه النحّات العراقي وحبّنا وتجذّره بنا مصيريًّا، ولحاجتنا الماسَّة للملمة أنفسنا ولملمة ما يمكن بعد التردّي والتشرذم الحاصل الذي آلَ إليه النحت والنحّاتون منذ عقود طويلة، ولخصوصيَّة الظروف المحيطة بعمل النحت والنحّاتين وصعوبة الحصول على الاحتياجات والمتطلّبات المتعلّقة بمناخ المنجز الفني من تكلفة باهظة وجهد مضنٍّ بعكس الفنون التشكيليَّة الأخرى، إذ وصل الأمر أقصى حالاته في التعامل مع النحّاتين بنظام (الذرعة) أي: بالمتر المربع لحساب كلفة التمثال، وكذلك انعدام المؤسسات الفنيَّة الرسميَّة والأهليَّة التي تهتمُّ بالنحت والنحّاتين، بعيدًا عن مبدأ الربح والخسارة وترك النحّاتين والنحت كباقي مفاصل الفن التشكيلي عرضة للتأرجح مرغمًا في موازين الربح والخسارة للكثير من التجار والقيمين على الفن وبغياب الإعلام الهادف والنقد البناء والموضوعي في تشخيص هذه الحالات التي اختلطت أوراقها وخصوصًا بعدما استشرى الفساد الإداري والمالي المخزي، وانعدام الشفافية مما أضرَّ هذا كثيرًا بالنحّات العراقي ومسيرة النحت العملاقة في العراق، وهكذا تغيب ويغيب الكثيرون عن الإسهام بشكل حقيقي في رفد مسيرة النحت بالأعمال الجيدة من النحّاتين، كان من الممكن أن يقدموا لنا وللإنسانيّة إبداعاتهم الفنيّة وصار المعيار الحقيقي لانتشار الفنان هو مقدار التنازلات التي يقدمها وكمية الأعمال الفنيّة المبيعة له عبر هذه التنازلات مرغمًا لظروفه المعيشيّة الصعبة.
* ما هو طموحكم في إعادة المياه لمجاريها الطبيعيّة والارتقاء بهذا الفن الأزلي؟
دعونا، في وقت مبكر، إلى تبنّي فكرة وضع اللبنات الأساسية الأولى لبناء (بيت النحّاتين) ليكون مستقلًا تمامًا وبعيدًا كل البعد عن أي توجهات سياسيّة أو دينيّة أو حزبيّة أو تيارات أيدلوجيّة أخرى، أي: (جماعة فنيّة ثقافيّة خالصة) تسعى إلى جمع شتات النحّاتين بمختلف مستوياتهم الإبداعيّة، وتوفير الظروف الممكنة لهم من أجل الارتقاء بالنحت والنحّات العراقي إلى أفضل الأحوال لتمكينه من إعطاء الأفضل من الإبداع الفني لبلده، وللتراث الإنساني على حدٍّ سواء.
* وكيف سيكون تمويلكم إذن وأنتم في (بيت) مستقل؟
هناك بعض المطالب والحقوق لنا تجاه الدولة، تتلخص بتخصيص نسبة 3% من كلفة إنشاء أو ترميم الأبنية والمنشآت والمجمعات السكنية المزمع إنشاؤها ضمن مشاريع (إعمار العراق)، كنسبة مخصصة للأعمال الفنيّة من تماثيل وجداريات ونصب سيراميك ولوحات فنيّة والتي تلزم بدورها المهندسين المعماريين والمقاولين بوضع هذه النسبة في حساباتهم أسوة بما يحصل في كل دول العالم، لما للفنون التشكيلية من دور جمالي مهم في إضفاء اللمسة الفنيّة والثقافيّة في الذوق العام.
كما ندعو وزارة الثقافة والسياحة والآثار إلى تطوير ودعم قسم (المصهر الفني) العائد إلى دائرة الفنون، وإنشاء مشاغل للفنانين على أطراف قاعاته بأسعار رمزيَّة، وتخصيص مبالغ لعمل تماثيل برونزيّة نصفيّة (بورتريت) لا يتجاوز ارتفاعها 70 سم، أو وفق الاتفاق، فوق قواعد من الحجر لكلٍّ من العراقيين الذين أسهموا وقدموا أعمالًا متميزة في ميادين الثقافة والفنون والعلوم والميادين الإنسانيّة الأخرى كافة، ووضعها في أماكن عديدة من الحدائق والساحات العامة في عراقنا الحبيب.
كما ندعو إلى إقامة معرض فني شامل للنحت العراقي سنويًّا، وتهيئة كلّ الأمور اللازمة (اللوجستية) لدعمه إعلاميًّا وماديًّا، ومنح الجوائز الرفيعة، ومكافاة جميع المشاركين فيه ماديًّا، عبر آليّة شفافة وتحكيم نزيه وعادل من قبل لجنة فنية تشكل لهذا الغرض، وعدم إرغام النحّاتين بتحديد موضوع معين للعمل الفني، وأسلوب الطرح، وترك هامش الحرية مفتوحًا لإبداع الفنان، مع النصح باستقاء مواضيع أعماله من التاريخ والتراث الزاخر لحضارات وادي الرافدين والحضارات الإنسانيّة.النحّات والرسّام غائب الجنابي، ولد في بغداد العام 1954، دبلوم معهد الفنون الجميلة/ بغداد نحت الأول على دورة 1975. وخريج أكاديمية الفنون في إيطاليا نحت 1983. عاش ست عشرة سنة في إيطاليا، منها ثلاث سنوات في سويسرا..