أخصائي يحذر من تسبب متابعة أخبار الزلزال في الاكتئاب والأفكار الوسواسية
لا حديث خلال هذا الأسبوع على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام سوى عما خلفه زلزال الحوز الذي ضرب المنطقة يوم الجمعة قبل الماضية.
ويتابع المغاربة على مدار الساعة جديد انتشال الجثث من تحت الأنقاض، وتصلهم قصص من باتوا بدون مأوى، ناهيك عن تصريحات أطفال وجدوا أنفسهم بين عشية وضحاها دون أم وأب، وهو ما خلق حالة نفسية من الحزن داخل كل بيت مغربي.
عادة ما تخلف الكوارث والحروب والفواجع الإنسانية ندوبا يتوجب أخذ الحذر في كيفية التعاطي معها، إذ يوصي أخصائيون نفسيون بالتفاعل مع مثل هذه الأحداث ومع صورها المنقولة عبر الإعلام بشيء من الهدوء، وتجنب التعاطف إلى درجات كبيرة حفاظا على التوازن النفسي.
في هذا الإطار، قال عادل حساني، أخصائي نفسي، إن تطبيقات التنبيه من الزلازل وكذا المواد الإعلامية، ومعها ما يتم تداوله في الواقع عن أخبار الكارثة، “مثيرات لتشكيل الانتباه وقلق يبدأ إيجابيا وضروريا يحاول نسج لوحة قد تكتمل بالمعلومات المطمئنة، وقد يستمر القلق”.
وأضاف حساني، في تصريح لهسبريس، أن شعور الصدمة بعد الكوارث وما تخلف الفواجع، أمر “طبيعي، والجميع يتعرض له بدرجات مختلفة بحسب شخصية كل فرد”، مشيرا إلى أن “الإنسان قد يشعر بأن داخله يتآكل بفعل مشاعر الحزن والألم”، إلا أنه نبه إلى خطورة الاستمرار لوقت طويل في شعور “التعاطف غير المتحكم فيه” الذي قد يؤدي بالإنسان إلى الاكتئاب.
وتابع: “لا أقترح النظر لنفسياتنا على أنها مستودعات منهكة بهذه المنبهات والأخبار اليومية حول الفاجعة، بقدر ما أقترح النظر إليها كمصاف تحتاج أن تنتبه لقدرتها على التحليل وتشكيل حكم متوازن، وهذا يعني أولا أن نعطي لوعينا المزيد من الإعفاء من التفاعل لصالح التحليل والتفكير بموضوعية ما أمكن”.
وأوضح الأخصائي النفسي ذاته أن ما يجهد نفسية الإنسان ليس الخبر في حد ذاته، سواء كان صحيحا أو كاذبا، بل “القابلية المفرطة في الحساسية نحو التفاعل العاطفي، سواء كان تعاطفا أو غضبا”، موردا: “نحتاج المعطيات دائما، ولا خوف من كثرتها ولا تراكمها، بل هذا ضروري ولو من باب تنشيط العمليات الذهنية”.
وأبرز حساني أنه “بدلا من منع ما هو محتم، يفضل أن نحذر من ضعف قدرتنا على التمييز، وعلى كبح التعاطف المتسرع على التحليل المنطقي، وتنشيط قدراتنا الذهنية لمعالجة هذه المعلومات، إضافة إلى أخذ وقت لترك الذهن في الفراغ، عبر التأمل واحترام قسط واف من النوم”.
واستحضر ما كتبه الباحث النفسي “ايلان كيلمان”، الذي جرد مواقف كثيرة لتفاعل المجتمعات ذهنيا بشكل خاطئ مع أحداث وأخبار الزلازل، وتحدث عما يسمى في علم النفس المعرفي بـ”التحيز”، حيث أشار إلى أن “الأغلبية تركز على أن ظاهرة الزلازل هي ظاهر تقتل بالآلاف، وهذا حكم متسرع ظل مستمرا رغم تعدد المآسي الزلزالية في العالم، فإذا اعتمد الجمهور والمؤسسات على التحليل بقدر كاف من العقلانية، فسيجد أن الزلازل رغم قوتها المهولة لا تقتل البشر، وإنما الأبنية وكذا البنية التحتية الهشة”.
وأورد الباحث في علم النفس أن التحليل الذي يتمتع بقدر كاف من الهدوء “لا يتفاعل مع ضغط تطبيقات إشعار الزلازل والأخبار والفيديوهات، على سبيل المثال، بإطلاق الخوف والتخويف من غول الزلازل، وإنما يتساءل عن الأماكن الآمنة التي يمكن التواجد بها على المدى القصير، ثم الحديث عن تطوير الأبنية والبنية التحتية على المديين المتوسط والبعيد”.
ونبه المتحدث لهسبريس إلى خطورة التفاعل القلق إلى درجة كبيرة، الذي قد يساهم في تهيئة الإنسان لمرحلة قد تكون طويلة من الاكتئاب، مبرزا أن دراسات عديدة تؤكد وجود علاقة بين القلق والاكتئاب، و”في وقت تراكم هذا القلق يتشكل لدى الإنسان تحيز معرفي أعمى يقتات على معلومات معينة ليتفاعل معها بالطريقة المقلقة وتدخله في دوامة تفكير وسواسي مرهق قد يتطور إلى أمراض نفسية”.
وأشار الأخصائي النفسي إلى أن التأمل يمنح الكثير من المزايا النفسية، بالمقارنة مع بساطة ممارسته، وهو مجرد جلسة تنفس عميق مع محاولة تفادي التفاعل مع الأفكار بتركها ترد على الذهن والسماح للتأثر بها، ثم يمكن بعد مدة كافية معالجة الأفكار الوسواسية بتعلم طرق تفكير سلمية توظف داخل التأمل، غير أن الصمت والتنفس كافيان، وتزيد فائدة التأمل كلما زاد الوقت المخصص له يوميا.
في المقابل، لا يوصي عادل حساني بالانعزال عن الأخبار والإشعارات بالقدر العادي، موضحا أن “الانفصال عن واقع متغير باستمرار ليس مفيدا، بل من الضروري عدم الاستسلام للعزلة المعرفية التي قد تسبب اضطراب الآنية الذي يبدأ بتنشيط آلية دفاعية طبيعية تهدف للحماية من ضغط المعطيات الضاغطة عاطفيا، ويتحول إلى اضطراب يجعل وعي الشخص تجاه محيطه غير قادر على التفاعل الذهني المواكب”.
المصدر: هسبريس