تصريحات حميدتي بتشكيل حكومة موازية .. تكتيك سياسي أم تكرار للسيناريو الليبي..!!
في الوقت الذي تسعى في القوى السياسية والمدنية بالضغط لإيقاف الحرب بين الجيش السوداني و قوات الدعم السريع، تفاجأت تلك القوى بإصدر قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو حميدتي تصريحا هدد فيه بإقامة سلطة موازية في مناطق سيطرته حال إقدام قائد الجيش عبد الفتاح البرهان على تشكيل حكومة في بورتسودان أقصى شرق السودان التي يتخذها الأخيراً مقراً له بعد خروجه من العاصمة المنكوبة الخرطوم.
الخرطوم: التغيير
هذه الخطوة وجدت ردود فعل واسعة من السودانيين وحذر عدد من السياسيين من تكرار سيناريو ليبيا في البلاد، وطالبت هذه الجهات قادة الجيش والدعم السريع بضرورة العودة للتفاوض لإيقاف الحرب قبل أن تصفها بالعبثية.
تحذير حميدتي
حذر قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو حميدتي في تسجيل صوتي الخميس، من تكوين حكومة من بورتسودان.
و قال حميدتي إنه يجب أن تكون الأولوية لإيقاف الحرب، لكنه أعتبر أن إعلان حكومة من بورتسودان يعني الاتجاه لسيناريوهات حدثت في دول مجاورة.
و أضاف حميدتي أنه رغم سيطرة قواته على أجزاء واسعة من البلاد إلا أنهم لن يقوموا بإعلان حكومة حفاظاً على وحدة البلاد.
عدم تشكيل حكومة
في وقت نفت مصادر مطلعة لـ”التغيير” إقدام البرهان وقيادات الجيش على تشكيل حكومة في الوقت الحالي.
وقالت المصادر إن العسكر يرون أن تشكيل حكومة في الوقت الحالي لا جدوى منه لوجود حكومة قائمه بالفعل تعمل على تسيير دولاب الدولة.
وكشفت المصادر أن فكرة تشكيل حكومة رشيقة طرحتها حركات الكفاح المسلح بقيادة نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار.
وأوضحت المصادر أن العسكر رفضوا هذا المقترح، ويرون أنه في حال في حال كانت هناك ضرورة لتشكيل حكومة يتم ترفيع عدد من الوزراء الحاليين فقط في ” وزارات ضرورية ” ويتم إعفاء بقية الوزراء.
وقالت المصادر إن الأطراف وصلوا لقرار عدم وجود ضرورة لتشكيل حكومة حتى هذه اللحظة.
وبعد خروج البرهان، من مقر القيادة العامة للقوات المسلحة في الخرطوم الشهر الماضي، اتخذ من مدينة بورتسودان عاصمة ولاية البحر الأحمر مقرا لممارسة مهامه في مجلس السيادة وقيادة الجيش، كما أن معظم مؤسسات الحكومة الإتحادية تباشر مهامها من المدينة الساحلية اقصى شرق البلاد.
قتل وتشريد
ومنذ اندلاع الحرب في الخامس عشر من أبريل الماضي، قتل أكثر من 1500 شخص بحسب آخر احصائية مسجلة من قبل وزارة الصحه، وشرد أكثر من 5 مليون مواطن من منازلهم توزعوا ما بين نازحين داخلياً وأكثر من مليون م لاجئين في دول الجوار .
وذكرت تقارير أممية أن أكثر من 7 مليون طفل معرضون لسوء الأوضاع المعيشيه وأكثر من 700 الف طفل معرضون لسوء التغذية.
السيناريو الليبي
ويقول عضو المجلس المركزي للحرية والتغيير، ماهر أبو الجوخ، إن الموقف الوطني والاخلاقي والتاريخي يجعلنا نقف ضد أي توجه إلى تقسيم السودان لأنه مسألة غير مقبولة ولا تجد الدعم والمساندة.
وأضاف: “لذلك أن أي طرف يقوم بإعلان حكومة حرب أو أمر واقع لتكرير سيناريو ليبيا يعد موقفا غير مقبولا”.
وتابع: “النقطة الأولي أن بتم العمل على تقسيم السودان.
النقطة الثانية أن تتحول الحرب فعليا لحرب أهلية ما يصعب إيقاف الحرب.
وأوضح ابو الجوخ لـ”التغيير” أن السيناريو الليبي شكلا صحيح، ولكن النموذج الليبي يفرق من السودان لوجود محاور إقليمية، في ليبيا من أجل الصراع على موارد النفط الليبي”.
ولفت أبو الجوخ، إلى أن الأطراف الدولية جميعها تنادي بإنهاء الحرب في السودان ولا تدعم الطرفين”.
و توقع أن تضغط الأطراف الدولية والإقليمية على الطرفين لجلوس لطاولة المفاوضات.
ونبه ماهر إلى أن الطرفين ليس لديهم القدرة المالية والاقتصادية لإدارة دفة الدولة، و قال : لدليل على ذلك أن الجيش ومجموعة بورتسودان مصدر دخلها الوحيد استخراج الجوزات لذلك عملت على رفع أسعاره، وعدم مقدرتهم على دفع مرتبات الموظفين لشهور.
مناورة سياسية
واستبعد أبو الجوخ قيام حكومتين في بورتسودان والخرطوم، وقال إن حديث حميدتي الغرض منه عرقلة أي خطوة من البرهان لتكوين حكومة أكثر من انه يعمل على إعلان حكومة موازية.
وقال إن المناورة بهذه القضايا موضوع خطير لذلك لا يمكن السماح بالمناورة التي يمكن أن تؤدى إلى تفتيت السودان لذلك لن تجد قبول سياسي واقليمي ودولي.
ردة فعل
وبدوره، يقول الخبير العسكري والمحلل السياسي علي ميرغني أنه، يعاب على هذه خطوة إنها رد فعل، وليس فعل أصيل يصدر حسب خطة لقيادة الدعم السريع.
وأضاف: “لا أعلم إيجابيات لها، وإعلان حكومة من بورتسودان فعل منطقي تسنده الظروف الحالية”.
وتابع: “لا أدري ماهو الجديد، مصنع الجوازات تحول لبورتسودان وأصبح المطار الوحيد العامل وتم فتح المجال الجوي هناك ما يعني خفض التامين على الرحلات الجوية.
تبعات كثيرة
ولفت ميرغني، إلى أن إعلان حكومة في الخرطوم يلقي تبعات كثيرة على الدعم السريع، حيث يصعب عليه الحصول على اعتراف الدول التي تسانده من خلف حجاب”.
وتابع: “بالتالي ماذا تكسب” و أوضح أنه يجب هنا استصحاب أن الدولة المتهمة بمساندة الدعم السريع، قدمت سفير جديد للسودان، وهنا تبرز التعقيدات التي ستواجهها الدول حليفة الدعم السريع بسبب هذا القرار”.
واستطرد: ” واذا تجاوزنا ذلك كله، يدرك المتابع للملف السياسي السوداني أن التحالفات الحالية بين الدعم السريع مع بعض المكونات السياسية، مثل قوى الحرية والتغيير، هشة جدا ومعرضة للانهيار حال محاولة تشكيل اي حكومة”.
وأوضح ميرغني، أن المنافسة على المناصب السياسية عادة تعصف بالتحالفات السياسية في السودان، والقوى السياسية بلا استثناء تنجح عندما تكون في المعارضة، وتغرق في شبر خلافاتها مباشرة بعد اسقاط العدو المشترك”.
وقال أبو الجوخ : لذلك أن تشكيل الدعم السريع لحكومة موازية سيعرض تحالفات الدعم السريع مع التنظيمات العسكرية والمدنية لهزة عنيفة غالبا ستطيح بها”.
التأثير العسكري
وحول تأثير تصريحات حميدتي بتشكيل حكومة موازية على الوضع العسكري والميداني، يقول ميرغني، إن قرار إعلان حكومة موازية سيخلع أي صفة قانونية عن الدعم السريع، وحرفيا يعني تحويلها من قوة كانت تستمع بشرعية مختلف على قرار حلها لقوة انقلبت على حكومة معترف بها عالميا ويعزف نشيدها الوطني ويرفع علمها عند أي فعالية دولية. ويستقبا البرهان أو نائبه باعتبارهما رؤساء دولة”.
ممارسة ضغوط
وبدوره، يقول المحلل السياسي د. محمد تورشين لـ”التغيير” إن تصريحات قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي”، الغرض منها بالمقام الأول أن حميدتي يسعى لمحاولة ممارسة أكثر قدر من الضغوط على الجانب المرتبط بالجيش ومجلس السيادة باعتبار أنه يمكن أن يقبل على الخطوة.
وأضاف: هذا أيضا يؤكد أن لديه رغبة تكون هنالك مفاوضات ومباحثات تفضى بشكل أو آخر لتسوية للحرب التي انطلقت في الخامس عشر من أبريل الماضي”.
و قال تورشين :”فعليا لا اتوقع أن حميدتي لديه المقدرة الكافية لتشكيل حكومة في المناطق التي يسيطر عليها”.
انتشار عسكري
وأوضح تورشين أن حميدتي لا يسيطر على مناطق كثيرة، وقال :عسكريا اذا كان الدعم السريع ينتشر في مساحات واسعة سواء في الخرطوم أو بعض مدن دارفور وكردفان، و هذا الانتشار لا يعني أنه يُحكم السيطرة على منطقة لأنه لا وجود له في الإدارات المدنية”.
ولفت إلى أن الانتشار العسكري لا يمكن أن يحقق ما تقدمه السلطات المدنية، سواء أن كانت مؤسسات الدولة، فبالتالي من الصعب جدا أن يُقبل على هذه الخطوة، وإذا اقبل عليها تعد بمثابة انتحار سياسي”.
وتابع: “لأن حميدتي ليس بالتنظيم السياسي حتى تكون لديه تحالفات وكوادر، وإن كانت لديه تحالفات مؤخرا مع بعض القوى السياسية فهذا يعنى انهم لا يقبلون فرضية أن يكونوا جزءاُ من واقع معقد ومأزوم لن يحقق لهم الكثير”.
النموذج الليبي
وقال تورشين: إن الدعم السريع أو محمد حمدان دقلو في تقديري لن يكون لديه أي تأثير ما بعد الحرب، سواء كان تأثير سلبي أو إيجابي أو أي دور في الحياة السياسية.
وأضاف: تورشين النموذج الليبي مختلف تماما عن السوداني، وتابع: ” اللذين يتحدثون عن نموذج ليبيا لأن ليبيا لديها مجموعات مدنية وسياسية تايعة لللواء خليفة حفتر، أما في السودان هنالك بعض الإدارات الأهلية التي أعلنت مبايعتها لحميدتي و في الاتجاه الآخر هنالك مجموعات سياسية وقوى تنتمي لتلك المجموعات رفضت تلك الخطوة، ورأت بأنها بمثابة الانتحار، وأن هذه القيادات الأهلية لا تمثلهم في هذه الخطوة”.
وزاد: “في أسوأ الفروض إذا تطبق النموذج الليبي سيكون هنالك انقسامات حقيقة في المجتمع السوداني، وشمل الحرب سيختلف وستكون هنالك مجموعات تحارب أخرى، وربما يكون البعد الإثني والقبلي والعرقي حاضرا في المواجهات وهذا الأمر سيعزز رغبات الكثير من المجموعات التي لديها رغبة في حق تقرير المصير”.
وشدد تورشين على أن حميدتي لا يمكن أن يؤسس لمثل هذه الواقع أو الأمر بإعلان حكومة من طرف واحد، وإعلان سيطرته على بعض المناطق، لأن حتى المناطق التي ينحدر منها كاقليم دارفور يعاني من العزلة لجهة أن قواته متهمة بارتكاب جرائم حرب وجرائم إبادة وقال : باي حال كيف لمثل هذه الخطوات أن تجد القبول الكافي من المكونات الاجتماعية في تلك المناط، وفعليا لا يسيطر على الفاشر ونيالا وزالنجي فقط تنتشر قواته في الأحياء والمؤسسات المدنية و من المهم ان ندرك أن حميدتي في مؤسسات الدولة ليس لديه القدرة لتعيين الكفاءات اللازمة لتسير دواوين الدولة.
المصدر: صحيفة التغيير