الكوابيس والتبول اللاإرادي .. هكذا يؤثر الزلزال على الصحة النفسية للأطفال
تأثر عدد كبير من المغاربة بالزلزال، الذي ضرب مساء يوم الجمعة، بطريقة أو بأخرى ليعيش سكان المناطق المنكوبة مشهد انتشال الجثث من تحت الركام، والخوف المستمر من أن يضرب الزلزال مرة أخرى.
هؤلاء أناس فاجأهم الزلزال حين كانوا نياماً، وانهدمت البيوت فوق رؤوسهم، ودفع المزيد منهم نحو الفقر واليتم والتهجير، فأصبحوا خلال دقائق معدودة أشخاصا بدون مأوى ولا مال ولا حتى أوراق تثبت وجودهم.
الأمر لم يكن هيناً على الكبار ولا على الصغار، ومن المؤكد أن الأطفال هم الأكثر تأثرا بالصدمات التي يسببها الزلزال، وربما سيحملون آثارها معهم وهم كبار، لاسيما إن لم يتلقوا المساعدة والعلاج المناسبين، خصوصا أن بعض الأطفال خسروا كل أفراد عائلتهم، فباتوا بدون سند أو معين في الحياة، مفترشين الأرض وملتحفين بالسماء، فهم خسروا منازلهم ومدارسهم وعاشوا دون ماء صالح أو كهرباء لساعات وبعضهم لأيام، حتى وصلت المساعدات إليهم.
ويوضح سهيل أبو نعيم، أخصائي نفسي متطوع لمساعدة المتضررين من الزلزال، في تصريح لهسبريس، صعوبة الأمر على الأطفال، خصوصا أن أطفال المغرب لم يشهدوا حدثا مشابها منذ قبل، فآخر زلزال شهده البلد كان عام 2004.
وقال الأخصائي في علم النفس إن “الأطفال لا يتشابهون من حيث الموروث الجيني ولا من حيث المناعة النفسية أو الهشاشة النفسية”، وبذلك فإن ردة فعلهم لن تكون متشابهة.
من جهتها، أوضحت إيمان أوخير، طبيبة نفسية للأطفال، لهسبريس، أن “تداعيات الزلزال على صحة الأطفال النفسية قد تختلف حسب فترة ردة الفعل، فنجد ردة فعل أولية تكون في حدود 48 ساعة، وتتجسد على شكل نوبات هلع، ويخلق ذلك عند الأطفال نوعا من الانكماش وتخوفا من الخروج إلى العالم الخارجي، إضافة إلى صعوبات في النوم والأكل، وهي عبارة عن ردة فعل طبيعية نسميها حالات الإجهاد الحاد التي تظهر أعراضها في الأسبوع الأول”.
في السياق نفسه، شرحت أوخير مفهوم الإجهاد الحاد الذي تتراوح مدته بين أسبوع وأربعة أسابيع، وشددت على الانتباه إلى الحالات الخطرة التي تنعكس بتعرض الأطفال لكوابيس لها علاقة بحادثة الزلزال أو عبر رؤى نهارية تتعلق بفاجعة الزلزال أيضا.
وتابعت قائلة: “بعض الناس تتطور حالتهم بنسبة 25 بالمائة نحو إجهاد ما بعد الصدمة، وهنا ندخل في حالة قلق عام، ويمكن أن يمتد ذلك لشهور، وفي بعض الحالات لسنوات، خصوصا في حالة غياب تدخل سريع ومطول”.
وعن الأعراض النفسية التي تظهر على الأطفال المتضررين من الزلزال، أشارت أخصائية الأطفال إلى حالة الاختلاف بينهم وبين الكبار، مشيرة إلى أن الأشخاص الناضجين بإمكانهم نقل مشاعرهم بسهولة، في حين أن هناك نوعا من الأطفال مختلفون.
وأضافت أن “هناك من الأطفال من يستعملون مظاهر أخرى للتعبير كالشكاية المتكررة من آلام الرأس أو آلام البطن، ويمكن أن يعانوا من مشكل التبول اللاإرادي، إضافة إلى الأكل بشكل مفرط، وربما الامتناع عن الأكل، كما قد يصابون بفرط الحركة أو بقلة الحركة”.
وبحصوص كيفية التعامل مع الأطفال المتضررين من فاجعة الزلزال، قال المصدر ذاته إن هناك نوعين من الأطفال: “الأطفال الذين تواجدوا في مناطق الزلزال، ولكن لم تسجل منطقتهم أي حالات وفاة، وهنا يستوجب علينا أن نكون مساندين لهم بالإجابة عن أسئلتهم كاملة، وأن نحميهم من كم المعلومات التي يتعرضون لها من العالم الخارجي”.
أما فيما يتعلق بالأطفال المتواجدين في الأماكن المنكوبة فـ”تجدر الإشارة في النقطة الأولى إلى ضرورة توفير الاستقرار النفسي لهم، وفي النقطة الثانية يجب مواكبة هؤلاء الأطفال بالعلاج النفسي لكونهم لايزالون في المرحلة الأولية، تفاديا لدخولهم في تداعيات نفسية أخطر وتبقى على المدى الطويل”، تضيف الدكتورة.
ولأجل استعادة التوازن النفسي للأطفال المتضررين من الزلزال، تقول الدكتورة آمال لديد، أخصائية نفسية إكلينيكية وعضو بالجمعية المغربية للأخصائيين النفسانيين الإكلينيكيين، في تصريح لهسبريس، “أول ما يحتاجه الطفل هو الحماية والرعاية وتواجده مع أطفال آخرين تجمعه بهم المحنة نفسها، ثم تواجده مع بعض الأشخاص البالغين ممن اعتاد العيش معهم في البيئة نفسها إن لم يكونوا أقرباء أو جيرانا أو أشخاصا من محيطه الاجتماعي”.
وذكرت الطبيبة بضرورة المواكبة النفسية الاجتماعية للطفل، التي سوف تساعده على تقبل واقعه الجديد، خصوصا في حالة فقدان أشخاص تربطه بهم علاقة قوية، وبعد ذلك يمكن العمل على تفعيل آلياته التكيفية.
وحسب المصدر نفسه، فإن الجمعية المغربية للأخصائيين النفسانيين الإكلينيكيين تسعى، بتعاون مع تجمع النفسانيين، إلى العمل على تكوين المتدخلين وتمكينهم من آليات تدبير الأزمات وأدوات الدعم النفسي، الذي يهدف إلى تجاوز الأزمة ومخلفات الصدمة مع الوقاية.
المصدر: هسبريس