المغرب يقبر فرص العثور على ناجين وإسعاف المصابين
ضاعفت الاعتبارات السياسية للمخزن المغربي من مأساة سكان المناطق المتضررة من الزلزال. وأمام هول الكارثة وتداعياتها على ساكنة المناطق المنكوبة، أثيرت عدة تساؤلات حول أسباب الارتباك والتردد ثم الرفض القاطع لقبول مساعدات دول مجاورة للمناطق المنكوبة، وتأثير ذلك على فعالية وسرعة عمليات الإغاثة، فعدم قبول النظام المغربي للمساعدات الدولية، وخاصة من الجزائر وفرنسا، أجهض كل فرص العثور على ناجين وإسعاف مصابين، وأخّر عمليات إكرام المتوفين.
أسقط القصر الملكي في المغرب، بتعنته وبقراره الرافض لدخول فرق الإنقاذ التي اقترحتها عدة دول إلى جانب الجزائر، فرص إنقاذ وإغاثة فورية كان يمكن أن تقوم بها فرق الحماية المدنية الجزائرية في الأوقات الأولى للكارثة، نظرا لقرب المسافة وإمكانية التواجد في المناطق المتضررة في وقت قياسي، فضلا عن ة والسمعة الدولية للمجموعة التي وضعت في حالة تأهب لمساعدة الأشقاء فور تسجيل الهزة الأرضية بالبلد الجار.
ففي وقت كانت الفرق المتخصصة التابعة للحماية المدنية الجزائرية تسابق الزمن وتتأهب من أجل إنقاذ أرواح العالقين تحت الأنقاض وإسعاف المصابين بالجروح الخطيرة في مراكش وضواحيها، كانت السلطات المغربية غارقة في الاعتبارات السياسية وساهمت بطريقة مريبة في تعطيل مساعدة مواطنيها، متجاهلة الاستغاثات التي أطلقها عشرات المواطنين من مواقع الزلزال.
وأمام خيبة الآمال في تنقل الفرقة المتخصصة الجزائرية وغير الجزائرية في الساعات الأولى من الكارثة، خصوصا التي ظلت ثابتة في مطار بوفاريك الدولي منذ السبت الماضي، تفجر الجدل حول الاعتبارات التي سلكها المغرب في قبول المساعدات الأجنبية.
لاحظ المتابعون أن الاستجابة الفورية والتلقائية للسلطات الجزائرية، من أجل تخفيف وطأة الكارثة على أبناء الجار الشقيق، قابلها جفاء رسمي أثار الكثير من السخط، إذ تم تسخير وسائل بشرية ومادية ووُضعت فرق متخصصة ذات صيت عالمي تحت تصرف السلطات المغربية، لكنها حرمت من تقديم المساعدة في الميدان.
فعمليات الإنقاذ في حالات الزلازل كان يستوجب من الجانب المغربي تجاهل السياسة العدائية تجاه الجزائر والسماح بنزول فرق الإنقاذ المختصة التي استدعيت في وقت قياسي، ودعمت بآليات عصرية ورافقتها تحضيرات كبيرة، وكان بإمكانها تقديم مواساة فعلية للمتضررين فور حدوث الكارثة.
وقال مصدر مطلع لـ “” إن العناصر الجزائرية التي وضعت في حالة تأهب محترفة في التعامل مع هذه الأوضاع، وكان بإمكانها وضع خبراتها في الميدان لتقليل الأضرار البشرية لو سُمح لها بالتدخل في الساعات الأولى، بل والمساعدة في جهود انتشال الضحايا وإكرامهم بالدفن تجنبا للمشاهد المأساوية التي غزت وسائل التواصل الاجتماعي على نطاق واسع، فالاستغاثات التي تعالت من مختلف القرى المتضررة أظهرت عجزا فادحا في تسيير الكارثة، والوضع كان يتطلب تدخلا دوليا.
ومن الواضح أن تغليب الاعتبارات السياسية على الضرورة الإنسانية أحدث خيبة لدى المجموعة التي استعدت للتدخل، خاصة مع التماطل الرسمي المغربي منذ صبيحة الكارثة، ما أضاع فرص النجاة لدى المنكوبين، فالعالم يشهد أن الفرقة الجزائرية أبلت بلاء حسنا قبل أشهر حينما طارت إلى تركيا وسوريا وأثبتت جدارتها في الميدان، قبل أن تعود إلى أرض الوطن بحصيلة إنسانية مشرفة جدا، وكل ذلك بسبب التدخل الفوري والتنسيق المسبق مع سلطات أنقرة ودمشق.
ومما هو متعارف عليه، حسب مصدرنا، أن تواجد الفرق المتخصصة في موقع الكارثة يسمح لها بإجراء عمليات التحليل والتقييم الأولي الميداني قبل الشروع في البحث عن الفراغات في الردوم التي يمكن أن يعلق فيها الناجون، ويمكنها استغلال الوسائل الحديثة وبعض التقنيات المتطورة في مضاعفة فرص العثور على الأحياء بنسب عالية، بما في ذلك تقديم بعض الإسعافات لفائدة العالقين في الأماكن المعقدة.
وزيادة على شجاعة وبسالة الفرق الجزائرية، فهي مدعمة بمجسات أكسجين وكاميرات حرارية وكلاب مدربة تعد فعّالة جدا في مثل هذه الحالات.
وكدليل على أن المخزن ضيع فرصة إسعاف مواطنيه، فقد أبلغت وزارة الخارجية المغربية السلطات في الجزائر أول أمس أنها “وبعد التقييم ليست بحاجة إلى المساعدات المقترحة منها لإغاثة منكوبي الزلزال العنيف الذي ضرب عدة مناطق من المغرب”.
وبعد أكثر من 72 ساعة من الانتظار قالت وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية: “في تصريح إعلامي يوم أمس (الاثنين)، أعلن وزير العدل المغربي قبول المساعدات الإنسانية المقترحة من قبل الجزائر، على أن يتم إيصالها بالتنسيق مع وزارة الخارجية المغربية”، مبينة أنه “على أساس هذا التصريح أبلغت وزارة الخارجية الجزائرية نظيرتها المغربية، عن طريق القنصلية العامة الجزائرية بالمغرب والقنصلية المغربية بالجزائر، بالتدابير التي اتخذتها الحكومة الجزائرية لتعبئة 3 طائرات ذات سعة كبيرة بغية نقل المساعدات إلى المغرب، تتماشى مع الاحتياجات الضرورية لحالات الكوارث الطبيعية”.
وفي اليوم الرابع من الكارثة، أعلنت الخارجية أن “المدير العام لوزارة الشؤون الخارجية المغربية أبلغ القنصل الجزائري أنه وبعد التقييم فإن المغرب ليس بحاجة إلى المساعدات الإنسانية المقترحة من الجزائر”.
وجاء هذا الرفض بعد أن أكدت وزارة الخارجية الجزائرية الأحد، يوما فقط بعد الكارثة، أن الجزائر جاهزة إذا ما قبل المغرب عرض المساعدة بإرسال فريق تدخل من الحماية المدنية يتكون من 80 منقذا متخصصا بشكل عاجل.
وهذه هي المرة الثانية التي تعرض فيها الجزائر تقديم مساعدات ومواد إغاثة منذ وقوع الزلزال العنيف في المغرب منذ مطلع الأسبوع.
وكانت رئاسة الجمهورية أعلنت في بيان السبت، فور تسجيل الزلزال، “استعدادها التام لتقديم المساعدات الإنسانية للمغرب، ووضع كافة الإمكانيات المادية والبشرية إثر الزلزال العنيف الذي ضرب البلاد، وذلك في حال طلب من المملكة المغربية”.