زلزال المغرب غير النافع
قوة الزلزال الذي ضرب المغرب هي الأعلى في تاريخنا، لكنها لم تخلف 15000 ضحية الذين قضوا رحمهم الله في زلزال أكادير، لأن طبيعة البناء آنذاك ساعدت على ذلك. كانت المدينة عبارة عن أحياء عشوائية غير لائقة للسكن، لا علاقة لها بأبسط معايير البناء السليم، وقوة الزلزال لم تتجاوز خمسة فاصلة سبعة. وكان هناك جانب إيجابي لهذا الحدث المأساوي، تمثل في وعي المغاربة بخطورة الزلازل، فأخذ الناس يحترمون مقاييس البناء السليم، ولو في أبسط أشكاله.
بعد 63 سنة ينزل علينا زلزال شديد القوة، تجاوز سبع درجات على سلم ريختر، فلم يتضرر البناء الجيد الذي يراعي قوانين السلامة. في كل المنطقة المتضررة لم نسمع بعمارة ولا فيلا ولا سكن من مستوى أرضي بطابق إلى ثلاثة طوابق ينهار من عنف الرجة القوية. وأمامكم مدينة مراكش التي توفي فيها ثلاثة مواطنين يسكنون في بناء قديم أو هم مجاورون لمعمار تراثي غير محصن، مثل الصومعة التي لا تمتلك ولو قضيبا حديديا يمثل فقرة مدعِّمة لها.
لكن في القرى والمداشر رأينا مجزرة بشرية غير مسبوقة، حتى إن تجمعات سكنية بكاملها قضت تحت الأنقاض. والمفجع أن شدة الزلزال جعلت رقعة الحطام متسعة عشرات الكيلومترات في كل اتجاه. وكان من المفروض أن تتأثر جماعة إغيل وحدها وما يحيط بها بعشرين كيلومترا دائرية على الأكثر، كما وقع في إمزورن، فما سر ذلك؟.
سكنتُ بمنطقة آسني 5 سنوات، بين 1973 و1978، وتعرفت على الكثير من المناطق القريبة، مثل مولاي إبراهيم وويركان وإمليل وأمزميز وغيرها، وزرت المنطقة سائحا السنة الماضية، فعجبت لبقاء المشاهد على حالها؛ لا شيء تغير سوى التوسع العمراني العشوائي البسيط، خاصة الطبقات التي أضيفت إلى المنازل القديمة (بنى أخي رحمه الله منزلا في إمليل من أرضي وطابق واحد فوجدت الذي اشتراه منه أضاف له طابقا ثانيا، واندكت إمليل كلها بما فيها هذا المنزل)؛ أما الطرق فبقيت هي نفسها باستثناء الترقيع هنا وهناك.
ما حكيْته يسري على كل المنطقة المتضررة، بناء بالتراب وحده أو بإضافة الأحجار أو الإسمنت والحديد الخفيف، بعيدا عن معايير السلامة. وهذا يعني أنه إذا كانت المدن والقرى الكبرى تطبَّق فيها معايير السلامة في حدودها الدنيا فإن هذه القرى والمداشر متروكة لهواها، أربعة حيطان كيفما اتفق.
سيقول البعض إن الفقر جعل المصالح القروية المختصة تتغاضى عن هذه المعايير، لكن الدعم في الحصول على السكن يجب أن يهم القرويين أيضا كما أهل الحضر، ولو بشكل بسيط، وإلا فإن الفقر أصبح كفرا وتهورا وإجراما.
إن الخط الأفقي المائل بين وجدة وأكادير يَفْرِق بين عالمين متباعدين، شمالُ الخط، عمرانٌ مزدهر مقاوم للزلازل في غالبيته وعمارات شاهقة مثل برج محمد السادس و”توين سانتر” وغيرها، وطرق تتخلل المدن والقرى وتسهل الوصول إلى كل مكان تقريبا؛ أما جنوب هذا الخط فليس هناك سوى ما يشبه الحوز، ولو تعمقنا أكثر في الجنوب، خاصة قرى ومداشر الأطلس الصغير، فإن المأساة تتوسع أكثر.
منطقة الحوز ليست زلزالية، وما وقع أدهش كل علماء الزلازل، لكننا تركنا الحوز وأشباهه بلا حماية ضد أخطار أخرى، أهمها البنيات التحتية الحيوية، تركناه معزولا عن المغرب النافع. في الشمال نقطع المسافات بسرعة 320 كيلومترا في الساعة، وفي الحوز يقضي الناس ساعات مشيا من أجل حفنة ماء. وقد رأينا كوارث الفيضانات وما عرته من نقص في المغرب غير النافع، لكننا أغمضنا عيوننا وأقفلنا أسماعنا لأن الحدث لم يطل أمده، ولم يقتل الآلاف من الضحايا.
نحتاج إلى قراءة المستقبل وأخطاره الممكنة، لا أن ننتظر وقوع المصائب لنتحرك بعد فوات الأوان، وزماننا أصبح فيه المستحيل ممكنا، وبما لا تتخيله الأذهان، كأن تضرب المغرب موجة من الصقيع 20 درجة تحت الصفر، أو أن يُغرق تسونامي ما كل المدن الساحلية أو أن يصيبنا الجفاف سبع سنوات كما في مصر سيدنا يوسف. كل سيناريوهات الأزمات الإنسانية يجب أن نتوقعها ونستعد لها في حدود إمكانياتنا. فهل يعطف المغرب النافعُ على غيرِ النافعِ بعد هذه الكارثة؟.
المصدر: هسبريس