اخبار المغرب

بين النية والحزم

هبّ كرم حاتمي على جنوب إفريقيا فدعت المغرب لحضور قمة “بريكس” في 22082023. هكذا تسوّق جنوب إفريقيا نفسها كزعيمة لإفريقيا وتستدعي من تريد إلى القمة.

في حكايات لافونتين: تلقى اللقلاق دعوة للعشاء عند الذئب فذهب ورجع بلا عشاء.

من جهته، رفض المغرب المشاركة في الاجتماع. لم “يدِرْ” المغرب النية.

هذا حساب ثمن الحضور والغياب:

أولا، لم يحضر المغرب لكي لا يمنح جنوب إفريقيا صورة قائدة القارة الإفريقية. ولماذا يمنحها بطاقة العرابة مجانا؟ تقول الجدة المغربية في هذه النازلة: “اللي معروضة من نهارها تبقى في دارها”.

ثانيا، رفض المغرب الدعوة لكي يكون واضحا مع الحلفاء، المغرب لا يلعب على الحبلين، هكذا يحتفظ بصلاته العميقة بالغرب. المغرب ليس في صف الصين وروسيا. إنه في حزب أمريكا منذ الحرب البادرة.

ثالثا، رفض المغرب الحضور لكي لا يضطر للانسحاب فيوضع في موضع المتناقض. كيف يقبل الدعوة ثم ينسحب وتصير النية مشكلة؟

رابعا، بما أن مقتل المافيوزي يفغيني بريغوجين في موسكو قد خطف الأضواء من جوهانسبورغ، فالمغرب لم يخسر شيئا بالتغيب عن القمة. (لم يحضر بوتين القمة لكي لا يترك موسكو لبريغوجين، بقي بوتين في روسيا ليسوي المشكلة). هل من الصدفة أن يموت بريغوجين أثناء القمة؟

لم يعتمد (يدِرْ) المغرب على النية في هندسة سياسته الخارجية.

تحضر وصية “دير النية” في الحوارات الشعبية المغربية المشبعة بوصايا الأولياء والصلحاء والنساك، بينما يقول مع عرفوا الحياة الفعلية إنه “من الحزم سوء النية”.

حين انعقدت قمة “بريكس” في جوهانسبورغ حضر حاكم تندوف ولم يحضر حاكم الجزائر. اتضح الهدف من دعوة الذئب.

لقد أوصى ابن المقفع كل “عاقل بأن يحتال للأمر قبل وقوعه”. هكذا ينبغي تربية الدبلوماسي المغربي وفق منطق “كليلة ودمنة”، منطق الغابة.

في هذا الباب، يميز ابن المقفع بين الرجل الحازم من نزلت به المصيبة، والرجل الأحزم الذي يتجنب المصيبة قبل وقوعها. يصد الداء قبل أن يقتله.

بهدف المقارنة بين منطق المتصوف ومنطق الطبيعة، يروي ابن المقفع أن ناسكا حصل على كسوة فاخرة هدية من ملك، فجاءه مريد وقال له: أريد أن أصحبك لأتعلم منك.

رحب المتصوف بالمريد الشاب وبعد مدة خدعه وسرق منه الكسوة الملكية. اتبع المريد اللص تكتيكا متولدا من حاجة الولي الصالح للمريدين. بعد الخدعة كتب ابن المقفع:

“لا يليق بي أن أقيس الدنيا بالنسك”.

إنه لكارثة أن تسير دبلوماسية دولة ما بالنية.

يسلم الولي والناسك مصيره للنية الحسنة وينام مع الحية فتلدغه ولا يتعلم عمدا. يرفض المتصوف (الناسك) والولي الصالح الحيلة والخديعة ويرفع شعار “النية”، وهذا ما يسميه نيكولا ميكيافيلي في كتاب الأمير “السذاجة”.

وهي تليق بمتصوف صعد جبل العلوة ليتعبد تحت الزيتونة، أما من يريد أن يكون سياسيا، فالنية مهلكة في حقل العلاقات الدولية الذي يحكمه قانون الغاب.

تقدم حكايات الحيوانات لدى ابن المقفع ولافونتين دروسا مجربة في قانون الطبيعة، فالغراب الذي يفتح فمه كثيرا يفقد وجبته، والذئب الذي يبحث عن اسم البغل في حافره يفقد أسنانه، يحكم الحمار على المظاهر بينما يفحص الثعلب الفعل والقول.

كيف يكتب في السياسة الدولية من تربى في جو ثقافة الأولياء ومقررات مدرسية تتوهم أن العلاقات الدولة تحددها الأخلاق لا القوة. سيحتاج هذا الباحث الصوفي زمنا طويلا لكي يفهم هنري كيسنجر ويقدر القوة لا الأخلاق.

بالمقارنة بين النية التفلسف والسياسة العملية، كيف يكون سياسيا أو ديبلوماسيا ناجحا من يعتبر البراغماتية عارا؟

يعتبر الناسك العالم مأساة عصية الفهم، بينما يعتبره الدبلوماسي رقعة شطرنج لها قواعد مسلم بها لهزم الخصم.

في عالم اليوم الشبيه بالغابة، تَأكل فيه أو تُؤكل، يجب تكوين دبلوماسيين مغاربة بهذه الحكايات لكي يبنوا سلوكهم السياسي ليس على النوايا والشعارات، بل على ملاحظة الواقع وموازين القوى.

لا بد من تكوين دبلوماسيين مغاربة مهرة يستثمرون الحكايات كدروس عالمية كونية لوضع الاستراتيجيات للمدى الطويل والتكتيكات للمدى القصير لتحقيق مصالح المغرب.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *