“مطلوب فتح حوار حقيقي مع الطبقة السياسية”
دعا رئيس حزب جيل جديد، سفيان جيلالي، السلطة إلى نقاش حقيقي مع الطبقة السياسية مع فتح المجال الإعلامي، مؤكدا في حوار مع “” أن التناقض بين الخطاب العام والواقع يكرس ضياع الثقة في الخطاب الرسمي.
بداية، مع اقتراب الدخول الاجتماعي، كيف تقيم الوضع الاجتماعي في الجزائر اليوم؟
إذا أردنا الحديث عن الوضع الاجتماعي يجب ربطه بالوضع الاقتصادي، لأن المستوى المعيشي هو نتيجة لنشاط اقتصادي، وبالتالي اقتصاديا تمتلك الجزائر مؤهلات ومقدرات عظيمة ولكن لحد الآن لم نستطع تحويلها من الافتراضي إلى الواقع، وهذا راجع لتصور اقتصادي خاطئ منذ البداية.
فبعد الاستقلال كان هناك غياب للنخب الاقتصادية والعلمية التي كانت قادرة على تحريك اقتصاد نوعي حديث، ما جعل الدولة تمركز وقتها كل القرار الاقتصادي وتأخذ منطقيا محل العامل الاقتصادي. أما اليوم، إدارة الدولة للمجال الاقتصادي من خلال التكنوقراطيين والإداريين أصبحت عائقا. كل البلدان تركض وراء خلق الثروة، أما الجزائر فتبني العراقيل حتى لا تخلق الثروة، وهذا راجع لفكرة منع الثراء حتى لا يتضاعف عدد الفقراء، وهي معادلة خاطئة، لأن من له القدرة على تحريك الاقتصاد والعمل والتسيير هو الذي يخلق مناصب الشغل وبالتالي يرفع المستوى المعيشي للجميع.
صحيح أن فكرة فتح كل الأبواب لرأس المال الخارجي تستدعي حذرا، كما أن بعض القطاعات المهمة والحيوية لمستقبل البلاد لا يمكن فتحها أمام اقتصاد السوق، لكن يجب خلق توازن ما بين حرية الاستثمار والمصالح الاستراتيجية للدولة. فمنذ سنوات فرض النظام تنظيما للحقل الاقتصادي موجها للغلق والاحتكار وطرد رجال الأعمال والمستثمرين الحقيقيين من الساحة الاقتصادية لصالح أوليغارشيا جشعة. على الدولة أن تهتم بالتوازنات الاقتصادية الكبرى والتنظيم المصرفي والبنكي والاستثمار والإنتاج الإستراتيجيين، أما التدخل في تسيير سوق الجملة والتجزئة وتحديد الأسعار ومحاسبة التجار على مخزونهم فيدل على سوء فهم للديناميكية الاقتصادية.
عودة الاقتصاد الموجه وفرض احتكار السوق لن يضمن استقرار الأسعار ولن يخلق العدالة الاجتماعية، بل سيشجع الفساد والإهمال والتبذير، ما سيؤدي حتما إلى خروج العامل الاقتصادي من السوق الرسمي تحت سيطرة الإدارة نحو السوق الموازي وما يحمله من انحرافات اقتصادية وأخلاقية.
وبالتالي، فكرة توزيع الريع تدعم روح الاتكالية لدى المواطن الذي بات اليوم لا يعرف أنه مسؤول عن نفسه وعن مستواه المعيشي. لدينا مستوى معيشي أفضل من عدة دول إفريقية، لكن الأمر مرتبط بالريع الذي سينتهي لا محالة، في حين أننا لم نرتب بعد اقتصادنا الوطني. مع استمرار هذا الوضع سيتواصل تدهور المستوى المعيشي، فغياب الإنتاج يؤدي حتما إلى تضخم الأسعار.
لذلك يجب تكييف المعادلة، من خلال تدعيم الأشخاص الذين برزت فيهم ملامح النجاح في بناء الاقتصاد، أما عرقلة كل من لديه فعالية وتوزيع الأموال باسم خلق المساواة في المجتمع، مع إعطاء الأموال لشباب لم نقم بتكوينه لتسيير الاقتصاد ليمسي مستدينا، هنا نحن نضيع أموالنا واقتصادنا وشبابنا. وإذا كانت السلطة والطبقة السياسية لا تستطيع إدراك الواقع بطريقة عقلانية، سوف تكون الحلول وهمية.
كيف تنظر إلى تعدد المبادرات السياسية وهل تعكس وجود نشاط سياسي؟
الحقيقة هي أن الأحزاب السياسية لحد اليوم في حالة سبات، ولن يكون أي نشاط إلا وهو مرتبط بالانتخابات المقبلة. أما بالنسبة للمبادرات، منذ 1999 ونحن نرى مبادرات تحضر للانتخابات، لجان التأييد مقبولة في إطارها ولكل شخص حرية تأسيسها وتنظيمها ولكن في بعض الأحيان هنالك خلط. الحقيقة أن هناك إرادة لجمع فئات سياسية تحضيرا للانتخابات وهذا من حقها ولكن يجب تقديمها بهذا الشكل لا على أنها ستدافع عن الجزائر… بالأساس ما هو دورنا وثقلنا اليوم كأحزاب سياسية في الجزائر؟ لم يتبق لنا دور..
في اعتقادك، ما الذي دفع نحو تراجع ثقل الأحزاب السياسية؟
السلطة اتخذت قرارات خوفا من نوع من الفوضى بعد الحراك فأغلقت كل القنوات السياسية وحتى الاتصالية فأصبح الإعلام عقيما وفقد المواطن ثقته فيه، وبالتالي أصبح يستمع لأشخاص خلف البحار يهاجمون الجزائر لتكسيرها لا لتغييرها وتطويرها. هذا خطأ استراتيجي، لأننا ندفع بالمجتمع نحو أحضان قوى تعمل ضد مصالح الجزائر.
أتفهم المسير الذي قد لا يقبل الانتقاد، لكن هذا هو مقابل أخذ المسؤولية، المسؤول ملزم بشرح مشروعه وتحمل مسؤولية نتائج تجسيده في الواقع، إيجابية كانت أم سلبية.
التناقض بين الخطاب العام الذي يقول إن كل شيء إيجابي والواقع الذي يحمل الكثير من السلبيات يكرس ضياع الثقة في الخطاب الرسمي.
في نظرنا، يجب فتح المجال الإعلامي وأن يكون نقاش حقيقي مع الطبقة السياسية مع تفادي خلط الأدوار بين الأحزاب السياسية والمجتمع المدني كما ينص عليه الدستور.
من المرتقب أن يعرض مشروع قانون الأحزاب خلال الدورة البرلمانية المقبلة، ما الذي تنتظره من هذا التعديل؟
كما قلت، إما أن نبني ديمقراطية على أساس ترك المجتمع ينتظم بكل حرية تدريجيا أو نخنق العمل السياسي بالقانون.
كيف يفرض على الأحزاب المشاركة في الانتخابات وإلا تحل قانونيا وفي نفس الوقت يطلب منها جمع أكثر من مائة ألف توقيع لدخول انتخابات؟
فكرة سن قانون للتحكم في السياسة والغلق على من لا يعجبنا مقابل تسهيلات لمن يعجبنا يجب الخروج منها.
حسب ما اطلعت عليه من مقترحات في مشروع التعديل التي تم تداولها هناك فكرة تغيير جل القيادة الوطنية للحزب كل عهدتين، وهذا بمثابة قطع لرؤوس الأحزاب، خاصة الجديدة منها التي ما إن تتمكن من تكوين إطارات في وقت لا يقل عن العقد مباشرة بعد ذلك يطالبها القانون بتسليم الحزب للمجهول.
نتمنى أن تكون النية تدعيم الأحزاب التي تقدم قيمة إضافية للمجتمع ولديها مشروع حقيقي وتمكينها من دخول المنافسة ليحكم الشعب عليها، أين المضرة في هذا؟
يمكن سن قانون يمنع الأحزاب السياسية من مهاجمة أسس الدولة، ضرب قاعدة القيم أو التعامل مع الخارج ضد مصالح البلاد. بعد ذلك يجب فتح المجال لحرية التعبير والانتقاد دون الوقوع في الشتم أو السب.
يجب تأطير العمل السياسي ولكن ليس في سياق قطع الرؤوس التي تظهر، فالمشكل الذي نواجهه اليوم قلة الساسة في الجزائر على عكس ما شهدته العشرية السوداء، حيث كانت لدينا طبقة سياسية تتكلم من كل الاتجاهات رغم جميع المخاطر، ساهمت بذلك في إنقاذ البلاد لأنها قامت بالتوعية.
لذلك، إذا أردنا بناء دولة القانون والديمقراطية تدريجيا، يجب المساعدة على ظهور مجتمع سياسي جديد.
كيف تفسر عدم دعوة الجزائر إلى “بريكس”؟
كلنا كان لدينا الأمل والإرادة في دخول “بريكس” وكنت من بين أوائل الداعمين لفكرة طلب العضوية لفتح أبواب جديدة.
أما فيما يتعلق بأسباب عدم دخولنا التكتل، أظن أن هنالك استراتيجية غير معلنة لأعضاء “بريكس”، يجب أن نفهم أن التكتل لديه مشروع لتغيير نمط تسيير العالم من القطب الواحد إلى عالم متعدد الأقطاب، وهذا رهان خطير يرفضه الغرب وسيستعمل كل قوته لإفشاله.
نعلم أن الخطة الهيكلية لـ”بريكس” في هذا المشروع هي طرق الحرير الصينية وكيفية خلق اتصال بري وبحري بين القوى الاقتصادية الناعمة في آسيا ومحاولة استقطاب كل الجهات الحساسة التي تضمن لهم التوريد بالطاقة. ومنطقة الخليج العربي حساسة جدا، لأنها كانت تحت وصاية الغرب، الآن أصبحت الصين تأخذ منها البترول والغاز وبالتحديد من إيران والسعودية والإمارات وهذا بالعملات الوطنية.
هنا نفهم أنه طلب من السعودية والإمارات وإيران الانضمام لغلق المنطقة، وقد دعم ذلك بمصر الحليفة للسعودية وبالتالي لدينا أربع دول مسلمة منها 3 عربية من أقوى الدول ماليا وديمغرافيا وهذا يؤدي إلى استقرار المنطقة.
وفي خطة الصين يجب المرور من إثيوبيا للدخول إلى إفريقيا الشرقية، فهنالك استثمارات صينية كبيرة جدا في إثيوبيا ولكن الأخيرة في حالة صراع حول النيل مع مصر، وبالتالي لم يسمح “بريكس” بترك الأمور خارج السيطرة لدخول أطراف أخرى لتأجيج الوضع، فأدخل الثنائي لحل المشكل على المياه داخليا، حيث ستقدم الصين وروسيا والهند ضمانات لكل من مصر وإثيوبيا.
بالنسبة للأرجنتين عضويتها تدخل في إطار التوازن القاري، فهي عضو في مجموعة 20 وستقوي عدد “بريكس” في المجموعة وستنافس هيمنة الولايات المتحدة على أمريكا اللاتينية التي فيها الكثير من المواد الأولية.
إذا الأمر يتعلق بخطة داخلية للتكتل؟
هذه الخريطة توضح لنا الخلفيات الجيواقتصادية والجيواستراتيجية لـ”بريكس”، وفي حال نجاح ضمان استقرار المجموعة بهذه الطريقة، السنة المقبلة ستتغير المعادلة لاستقطاب دول أخرى.
رأينا بعض الدول التي لديها الكثير من الإيجابيات ولكنها ليست في النزاع بين أحادية القطب وتعددية الأقطاب فلم يتم ضمها كإندونيسيا والمكسيك الذي لديه حدود مع الولايات المتحدة حتى لا يكون هنالك صراع مباشر وأيضا بيلاروسيا وهي حليف استراتيجي لروسيا، حيث هناك منصات للأسلحة النووية الروسية في أراضيها ورغم ذلك لم يتم ضمها.
وبالتالي لا يجب أن نحس أننا رفضنا لأنه ليس لدينا قيمة.. بالعكس، هذه القيمة ليست مفعلة حاليا في الخارطة الجيواستراتيجية لـ”بريكس”.
لا يمكن لأعضاء “بريكس” الكشف عن خطتهم ولكن وجب علينا كجزائريين تحليل الواقع من خلال الأفعال لا من خلال بعض التصريحات، كما يجب على الجزائر ترتيب الأوضاع الداخلية وتقوية العلاقات مع كل الدول وفي نفس الوقت لعب كل أوراقنا الإيجابية مع الغرب وأن لا ندخل في صراع مع أي طرف بل يجب أن نستفيد من كل ما يمكن أن يكون في الساحة الدولية لرفع مستوى البلاد.
إقليميا، كيف تنظر إلى دور الجزائر في أزمة النيجر؟
من الواضح أن الجزائر أصبحت تحت الحصار فكل الدول الحدودية مضطربة وأقلها تونس، لكن هي الأخرى لديها أزمة اقتصادية ومالية قد تسمح لبعض الدول بابتزازها، أما بقية المنطقة فهي ملتهبة وهو عائق وعامل من عوامل عرقلة دخول الجزائر إلى بريكس، فموقعها الجغرافي كان إيجابيا لطرق الحرير لكن لكونها تحت الحصار فلا يمكن تفعيله.
الخطر اليوم هو التهاب المنطقة، خاصة أن بعض الدول الغربية لا تقبل تضييع نفوذها في الساحل بحكم مصالحها الحيوية، وبالتالي تسعى جميع القوى العظمى إلى التحكم في الساحل على غرار روسيا، الولايات المتحدة وفرنسا، أما الجزائر مع الأسف فلم تكن لها سياسة منذ عقود لإعادة بناء النفوذ في المنطقة التي هي امتداد جيواستراتيجي للبلاد. هناك محاولات في السنوات الأخيرة للرجوع إلى الساحة الإفريقية والدولية ولكن لا يمكن تحقيق الكثير في ظرف قصير.
نتمنى أن نتفادى حربا في النيجر لأنها ستشكل خطرا على كل المنطقة ونشجع العمل الذي تقوم به الدولة الجزائرية من خلال زيارة وزير الخارجية إلى المنطقة. من جهة أخرى، نرى أن بعض الدول الغربية لا تشجع وجود اضطراب في النيجر، ما يجعلنا نتمنى عودة التوازن. يجب أن تحترم الدول التي لديها مصلحة حيوية قواعد اللعبة ومصالح النيجر، وبالتالي يجب إيجاد حل رابحرابح كما يجب أن تلتزم الجزائر بمساعدة الأشقاء لإيجاد الحل الأنسب.
في ظل تعدد المخاطر الخارجية يكثر الحديث عن ضرورة تعزيز الجبهة الداخلية، ما هو منظورك لتجسيد ذلك؟
أظن أن كل المجتمع السياسي لديه الرغبة في الاتحاد للدفاع عن الجزائر وبنائها، وبالتالي نتمنى أن تتلاشى الشكوك فيما بيننا. نحن أمام موعد مهم جدا (رئاسيات 2024) يجب أن تحضر له البلاد بشفافية ووعي يجعل الجزائريين يشاركون في بناء البلاد دون تنافس مميت حول المناصب. المهم ليس من يكون في هذا المنصب أو ذلك، المهم هو التوافق حول رؤية مستقبلية وبرنامج استراتيجي استعجالي والاختيار المناسب للمسؤولين.
لو نتخذ هذا البرنامج أنا واثق أن الجزائر يمكن أن تخرج بسرعة من كل الأزمات المتراكمة.