في اليوم العالمي للعلم الأمازيغي .. شعار ثقافي يرفع حمولات رمزية ونضالية
في مثل هذا اليوم من سنة 1997، أقر المؤتمر الأول لـ”الكونغريس العالمي الأمازيغي”، المنعقد بجزر الكناري، عَلما جامعا ومُعبرا عن الهوية الثقافية الأمازيغية وعن الإنسان الأمازيغي الذي تربطه علاقة عاطفية بأرضه ولغته تجسيدا للثالوث الهوياتي الأمازيغي الشهير “أفكان د واكال د واوال”، أي الإنسان والأرض واللغة.
ومنذ اللحظة الأولى لظهوره، أثار العلم الأمازيغي أو “أشينال أمازيغ” ردود فعل متباينة بين من يرى أن حمله، خاصة خلال المظاهرات والاحتجاجات والتظاهرات الرياضية والفنية وغيرها، يوحي بـ”الرغبة في الانفصال وبث التفرقة بين أبناء الوطن الواحد”، ومن يرى فيه مجرد “علم ثقافي” يرمز إلى الهوية الأمازيغية الجامعة لدول شمال إفريقيا أو “بلاد تامازغا” ولا يتعارض مع الانتماء الوطني.
قيم تضامنية ورمزية نضالية
تفاعلا مع الموضوع، قال عبد الله بوشطارت، فاعل أمازيغي دكتور في التاريخ، إن “العلم الأمازيغي هو علم ثقافي وشعار حضاري يُوحد الأمازيغ في شمال إفريقيا والدياسبورا، فهو ليس علما سياسيا أو علما لكيان ما، وإنما هو شعار يُجسد القيم التضامنية والنضال المشترك من أجل كسب الحقوق اللغوية والثقافية في الكثير من البلدان التي يعيش فيها الأمازيغ في شمال إفريقيا”.
وحول قصة “أشينال أمازيغ”، لفت بوشطارت إلى أن “هذا العلم ظهر كفكرة وكمبادرة خلال عقد السبعينيات داخل الأكاديمية الأمازيغية بفرنسا، لكن لم يتم تبنيها رسميا إلا في المؤتمر العالمي الأمازيغي المنعقد في تافيرا بلاس بالماس بجزر الكناري الأمازيغية سنة 1997”.
وسجل المتحدث أن “ألوان العلم الأمازيغي تعبر عن الخريطة الجغرافية لشمال إفريقيا التي تسمى في الأسطوغرافيا التاريخية، وخاصة عند ابن خلدون، بلاد البربر أو بلاد الأمازيغ، حيث يُعبر اللون الأزرق عن البحر الأبيض المتوسط، أسفله اللون الأخضر الذي يعبر عن السهول وجبال الأطلس وغاباته، ثم اللون الأصفر الذي يعبر عن الصحراء الأمازيغية التي يعيش فيها الأمازيغ منذ القدم من المغرب وموريتانيا إلى واحة سيوا”.
وزاد شارحا: “في وسط هذه الألوان، يظهر الحرف الأمازيغي ياز، مكتوب باللون الأحمر كدلالة على الوجود الإنسان الأمازيغي واللغة الأمازيغية، إذ يرمز هذا اللون عادة إلى التضحيات والنضالات التي يخوضها الأمازيغ في سبيل تثبيت وجودهم عبر التاريخ”.
وتابع المتحدث عينه بأن “هذا العلم يُجسد في الحقيقة استمرارية النضال من أجل الحقوق الأمازيغية، ليس في بلد واحد فقط وإنما في جميع بلدان تامازغا، إذ أصبح اليوم من بين الأعلام الأكثر شهرة في العالم، كما أن ظهوره في مكان ما يوحي بوجود وعي ثقافي وسياسي بالقضية الأمازيغية، وبالتالي فهو يحمل حمولة رمزية نضالية بالأساس لا أقل ولا أكثر”.
وخلص بوشطارت إلى أن “العلم الأمازيغي لا علاقة له بأي كيان سياسي ولا يرمز إلى الانفصال، بل العكس، فهو ينتشر في كل بلدان شمال إفريقيا، وبالتالي فهو شعار للوحدة الثقافية، كما ينتشر أيضا في بلدان المهجر بأوروبا وأمريكا وكندا وآسيا التي يعيش فيها الأمازيغ، فنلاحظه في الملاعب الرياضية والمهرجانات الثقافية والمسيرات الاحتجاجية والاعتصامات والحفلات والأعراس والندوات وغيرها”.
خطاب حقوقي وادعاءات واهية
في السياق ذاته، أورد عبد الله بادو، ناشط أمازيغي، أن “الحركات الاحتجاجية في العالم ككل تخلق لها رموزا لتمييزها وتمييز مرجعيتها عن غيرها من الحركات الأخرى”، مشيرا إلى أن “العلم الأمازيغي لا يغدو كونه شعارا ورمزا يُميز الحركة الأمازيغية، كما أن القول إنه يرمز إلى حركة انفصالية هو قول يدحضه الواقع؛ ذلك أن خطاب الحركة هو خطاب حقوقي يسعى إلى تحقيق مجموعة من الأهداف والحقوق في إطار الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي صادق عليها المغرب”.
وأضاف بادو أن “سقف تطلعات الحركة هو تحقيق مكاسب حقوقية في إطار هذه الاتفاقيات والوثائق الدولية”، متسائلا: “عن أي انفصال نتحدث في هذا الإطار؟ وانفصال عمّاذا؟”، موضحا أن “الحركة الأمازيغية، على العكس من ذلك، تدعو إلى وحدة شعوب شمال إفريقيا باعتبارها المجال التاريخي للأمازيغ، كما أن العلم الأمازيغي بدروه يُوحد تحته كل مكونات هذه الحركة باختلاف مرجعياتها وأدبياتها”.
وسجل المتحدث عينه أن “من الطبيعي أن يتم اتهام الحركة الأمازيغية بالانفصال، ذلك أن جميع الحركات في العالم غالبا ما يتم الضرب في مصداقية خطابها عبر التسويق لادعاءات من هذا النوع، التي لا أساس لها من الصحة”، مبرزا أنه “قبل الحكم على أي حركة، يجب أولا الاطلاع على أدبياتها وأهدافها وديناميتها”.
وخلص الناشط الأمازيغي عينه، في تصريح لهسبريس، إلى أن “أغلب نشطاء الحركة الأمازيغية هم نشطاء مدنيون يعترفون بالمؤسسات ويشتغلون في إطارها ويناضلون من أجل تحقيق مكاسب حقوقية، ويكفي الرجوع إلى بيانات جميع المنظمات التي تدافع عن الأمازيغية التي لا وجود فيها لأي مصطلح يوحي بفكرة الانفصال، عكس ما يدعيه البعض”.
المصدر: هسبريس