الجزائر تهاجم التحالف المغربي الإماراتي لتجاوز الاحتقان و”صفعة بريكس”
في كل مرة تنقطع به حبال السياسة والدبلوماسية ويرتفع منسوب الغضب الشعبي تجاهه نتيجة “ضعف خطابه السياسي وارتهانه لحسابات إيديولوجية ضيقة”، وفي ظل خريطة سياسية جديدة تتشكل في محيطه الإقليمي والدولي دون أن يكون فاعلا في تشكيلها؛ يحاول النظام الجزائري تعليق “فشله الاقتصادي والسياسي” على شماعة المغرب وتحالفاته الإستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
شماعة وصلت إلى أبوظبي، التي اتهمتها وسائل إعلام جزائرية ناطقة باسم قصر المرادية بـ”معاداة الجزائر، والدفع في اتجاه حرب بينها وبين المغرب من خلال تحركات مشبوهة للملحق العسكري للسفارة الإمارتية في الجزائر”، إذ نقلت عن مصادر دبلوماسية أجنبية أن “الأخير صرح لأحد الدبلوماسيين في حضرة نظرائه الأوروبيين بأنه في حالة نشوب حرب بين الجزائر والمغرب فإن أبوظبي ستقف بكل إمكانياتها مع الرباط”.
وليست هذه هي المرة الأولى التي تهاجم فيها وسائل إعلام النظام الجزائري التحالف المغربيالإماراتي، إذ سبق أن اتهمت صحف جزائرية الإمارات “بتزويد المغرب بنظام تجسس على الجزائر”، فيما اتهم عبد القادر بن قرينة، رئيس حركة البناء الوطني الجزائري، الدولة الخليجية بـ”تشجيع التطبيع بتواطؤ مع المغرب”، في محاولة منه لـ”هدم وشيطنة تحالف الرباط وابوظبي”.
تحالف تاريخي وخطاب تقليدي
محمد عصام العروسي، مدير مركز منظورات للدراسات الجيوسياسية والإستراتيجية، قال إن “التحالف المغربي الإماراتي هو تحالف تاريخي، إذ تربط البلدين علاقات تاريخية راسخة على مختلف المستويات والأصعدة”، مشيرا إلى أن “النظام الجزائري عن طريق وسائل إعلامه يحاول أن يضرب هذا التحالف خدمة لأجندة معينة، خاصة في الآونة الأخيرة”.
وحول الدوافع التي تحكم المحاولات الجزائرية الرامية إلى “شيطنة” التحالف الإستراتيجي بين الرباط وأبوظبي، أورد العروسي أن “الطرف الجزائري دائما ما كان متوجسا من تقارب وتقاطع المصالح المغربية الإماراتية ومواقف هاتين الدولتين ارتباطا بعدد من الملفات الإقليمية والدولية”، مضيفا أن “دول الخليج العربي وعلى رأسها الإمارات والسعودية تصطف دائما إلى جانب الرباط في الدفاع عن وحدتها الترابية، وهو ما يثير حفيظة النظام الحاكم في الجزائر”.
وفي السياق ذاته أوضح المتحدث أن “الاعتراف العلني الخليجي بمغربية الصحراء لا تنظر إليه الجزائر بعين الرضا، إذ أصبحت منزعجة من الدبلوماسية العلنية الخليجية الداعمة للموقف المغربي”، مبرزا أن “هذا الانزعاج الجزائري من طبيعة العلاقات المغربية الإماراتية يتم توظيفه إعلاميا في أوقات الأزمات الداخلية والخارجية، خاصة مع رفض طلب الجزائر الانضمام إلى بريكس، وهو ما شكل نكسة كبيرة للنظام الجزائري الذي راهن على هذا الانضمام سياسيا واقتصاديا”.
ولفت مدير مركز منظورات للدراسات الجيوسياسية والإستراتيجية إلى أن “الأداء الدبلوماسي الجزائري على المستوى الدولي والقاري وكذلك الإقليمي بات ضعيفا أمام توجه الحلفاء التقليديين للجزائر نحو تحقيق مزيد من التقارب مع المملكة المغربية”.
وخلص المحلل ذاته إلى أن “النظام الجزائري باستهدافه التحالفات الإستراتيجية التي تضم المغرب يحاول أن يؤكد على موقفه في محاربة التطبيع الذي انخرطت فيه مجموعة من الدول بما يخدم مصالحها القومية، وتغير الخريطة السياسية الدولية، في وقت تستمر الجزائر في التشبث بخطاب تقليدي عقيم وتوجهات سياسية أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها خارج التاريخ وخارج المنطق والواقع السياسيين”.
مسارات جديدة وقصور جزائري
من جهته أورد سعيد بركنان، محلل سياسي، أن “العداء الجزائري تجاه الإمارات أساسه أن الأخيرة أول دولة عربية تفتتح تمثيلية دبلوماسية لها على أراضي الصحراء المغربية، في تأكيد وتزكية لدعمها التاريخي واللامشروط للوحدة الترابية للمغرب”، لافتا إلى أن “الجزائر بدأت تحس بأن الدوائر السياسية والاقتصادية التي كانت تراهن عليها بدأت تضيق شيئا فشيئا، خاصة بعد انضمام الإمارات والسعودية، الحليفتين للرباط، إلى منظمة بريكس”.
وزاد بركنان شارحا أن “المواقف التي يُصرفها النظام العسكري عن طريق إعلامه الموجه ما هي إلا رد فعل على العزلة التي باتت تعاني منها الجزائر، خاصة على المستوى الإفريقي، كما تعاني كذلك من عزلة سياسية كبيرة في محيطها العربي إبان فشلها في إنجاح القمة العربية ما قبل الأخيرة التي أقيمت على أراضيها، حيث تبين للدول الفاعلة في الساحة العربية حينها أن النظام الجزائري يُتقن فن الشعارات أكثر مما يُتقن ممارسة السياسة وإدارة العلاقات الدولية”.
“الأحداث السياسية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومنطقة الساحل فرضت رؤية معينة للسياسية المستقبلية الإقليمية، أساسها المصالحة وتجاوز الخلافات والتركيز على تطوير الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية”، يسجل المتحدث ذاته، الذي أوضح أن “هذه الأحداث والتحولات هي التي عجلت بالمصالحة السعودية الإيرانية وبالتقارب العربي السوري والتطبيع العربي الإسرائيلي؛ وبالتالي فإن هذه الرؤية السياسية الجديدة التي تبنتها مجموعة من الدول، أبرزها المغرب والإمارات والسعودية، تشكل تهديدا للشرعية العسكرية التي تؤسس النظام الحاكم في الجزائر، الذي يتغذى على تأجيج الصراعات والخلافات بين الدول”.
ولفت المحلل عينه إلى أن “الاتهامات الجزائرية لأبوظبي بكونها تستقدم إسرائيل إلى المنطقة وتروج لتطبيع الدول معها، مع الطعن في العلاقات المغربية الإماراتية، إنما تعكس عدم قدرة الجزائر على مسايرة الرؤية الجيوبوليتيكية الجديدة، والمقترب الاقتصادي الجديد، اللذين يتشكلان في المنطقة، باعتراف من حليفها الروسي الذي أكد وزير خارجيته أن اختيار الأعضاء الجدد في بريكس تم على أساس معيار وزن وهيبة الدولة، وهو ما شكل رسالة مباشرة إلى الجزائر”.
وخلص المصرح لهسبريس إلى أن “النظام العسكري يسعى من خلال هذه الاتهامات المتكررة للإمارات، تارة بالتجسس وتارة بدعم التطبيع وتارة أخرى بالدفع في اتجاه الحرب في المنطقة، إلى تقوية صفوفه الداخلية وإطالة عمره السياسي وشرعيته التي بدأ يفقدها أمام تدني فاعلية سياساته الداخلية والخارجية، وافتضاح كذبه على الشعب الجزائري، خاصة بعد صفعة بريكس التي جاءت من أقرب حلفائه الدوليين”.
المصدر: هسبريس