لَمْ يتسنَّ لسياسي أن ينهضَ بمِثل الدَّوْر الذي نهض به الراحل أحمد حسن البكر في تاريخ العراق الذي وضعته في دائرة الحدث صانعًا له ومركز استقطاب من 1963ـ1979 كان فيها القائد في ميادين العمل السِّياسي والعسكري، قاده هذا الدَّوْر إلى رئاسة الحكومة العراقيَّة عام 1963 ورئيسًا للجمهوريَّة ولقيادة قُطر العراق لحزب البعث العربي الاشتراكي عام 1968. لَمْ تنَلْ مِنْه الملمَّات والمصاعب التي واجهته في تلك السنوات من دُونِ أن تكسرَ إرادته وتغيِّرَ بوصلة مَسيرته نَحْوَ التغيير والحفاظ على العراق عروبيًّا واحدًا وقويًّا ومهابًا.وتحوَّل البكر عَبْرَ هذا الدَّوْر إلى ملاذٍ لرفاق السِّلاح والعمل السِّياسي ومرجعيَّة لهم الذين وجدوا في شخصيَّته المتوازنة القائد الذي كان زاهدًا بالسُّلطة ومتواضعًا، ويسعى للحفاظ على تقاليد العمل السِّياسي ومتطلَّباته.
وواجَه البكر كما يروي الدكتور محمد مظفر الأدهمي في كتابه الموسوم (أحد حسن البكر الرئاسة الصعبة.. 1963ـ1979) الذي صدر مؤخرًا في بغداد من إصدارات دار الذاكرة للنشر والتوزيع. يروي أنَّ البكر حاول أن يمسكَ العصا من الوسط في تعاطيه مع الخلافات التي حدثت في صفوف قيادات البعث بعد نجاح ثورة 8 شباط 1963 على عبد الكريم قاسم؛ ليجنِّبَ الدولة والحزب ضياع هذه التجربة التي أدَّت فيما بعد إلى اشتداد الصراع بَيْنَ الطرفيْنِ، وبنجاح عبد السَّلام محمد عارف في استثمار هذا الصراع بانقلابه على الحكم في 18 تشرين الثاني 1963.
ويتوقَّف الأدهمي عند محطَّات مضيئة في فترة رئاسة البكر عَبْرَ مسؤوليَّته الأولى بالدولة والحزب بإنجازات ما زالت في ذاكرة العراقيين مستذكرًا مواقفه وإنجازاته ومِنْها: بيان 11 آذار وقانون الحُكم الذَّاتي مع الأكراد ـ قرار تأميم النفط ـ إعلان الجبهة الوطنيَّة مع بقيَّة الأحزاب ـ النهضة الشاملة في الصِّناعة والزِّراعة والإدارة والتعليم، وارتفاع المستوى المعيشي والصحِّي للمواطن العراقي. وحملة مَحْوِ الأُمِّيَّة التي قادها البكر حين أصدر قانون مُحْوِ الأُمِّيَّة رقم ١٥٣ لسنة ١٩٧١. وبتطوير الجيش والقوَّات المسلَّحة ومشاركة العراق في حرب تشرين1973 ضدَّ الكيان الصهيوني ونصرة شَعب فلسطين.
وحسنًا حاول المؤلِّف الدكتور الأدهمي برؤية الباحث والمؤرِّخ والمُهتَمِّ بالتاريخ العراقي، حيث حاول أن يوثِّقَ مَسيرة رجل بحجم أحمد حسن البكر الذي ترك بصمة واضحة في تاريخ العراق في فترة كانت أخطر فترات الإثارة في تجربته خلال 17 عامًا من مَسيرته؛ لِيعطيَ للرجُل الزاهد بالسُّلطة التي تنازل عَنْها في تموز 1979 لنائبه الرئيس صدام حسين؛ لِيعطيَ الرجُل حقَّه وإبراز دَوْره في مسار العراق في تلك الحقبة التي كانت مليئة بالتحدِّيات والمفاجآت والمصاعب الذي تمكَّن بنظرته وشجاعته ودَوْره أن يطفئَ نيران وتحدِّيات كانت تستهدف العراق أرضًا ومستقبلًا .
وعِنْدما نتوقَّف عِند إبراز دَوْر شخصيَّة كانت عامل توازن بَيْنَ أقرانه ورفاقه، فإنَّنا نشير إلى دَوْره القيادي مذ كان عضوًا في اللجنة القوميَّة العُليا للضبَّاط الأحرار التي تمكَّنت بعد توسيع دائرة المنتمين لمنظَّمة الضبَّاط الأحرار التي أطاحت بالملكيَّة عام 1958.وهذه القدرة للراحل أحمد حسن البكر على حشد وتجميع رفاق السِّلاح، في محاولة لتصحيح المسار ووقف حالة التداعي التي أضعفت منظومة الدولة في العراق، حان الوقت للتغيير فكانت ثورة 17 تموز 1968 التي قادها وأطاحت بحكم الرئيس عبد الرحمن محمد عارف.