عندما تقوم مجموعة “إكواس” بـ “إجهاض” وساطتها
من اتصالات مباشرة لدبلوماسيتها مع روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، إلى إرسال وزير خارجيتها إلى نيجيريا والبنين وغانا، إلى رفض فتح مجالها الجوي أمام الطائرات الحربية، مرورا برفض الانقلاب العسكري في النيجر، لا تريد الجزائر نشوب حرب جديدة بالمنطقة تضاف إلى حرب ليبيا وشمال مالي، لأنها على اطلاع بكل تفاصيل ما أفرزته تلك الأزمات، وتحملت لوحدها عبء تداعيات تلك التدخلات العسكرية الخارجية.
أثبتت التدخلات العسكرية الخارجية، أكثر من مرة، أنها ليست مجدية ولا تأتي بالحلول للأزمات، بل تزيدها تعقيدا وصعوبة في الحل، ولم تعد معه بعثات حفظ الأمن العسكرية، سواء للأمم المتحدة أو للاتحاد الأوروبي، هي الأخرى ذات نجاعة ومردودية، وهي محل رفض في عدة مناطق لأنها تبقى علاجات أمنية لمشاكل تحتاج إلى حلول سياسية.
وأضحى النقاش القائم اليوم يدعو إلى ضرورة استبدال هذه البعثات العسكرية بما يسمى “المفاوضات المحلية” لحل الأزمات. وكان يمكن أن يكون تدخل مجموعة “إكواس” ضمن هذا التوجه الجديد الذي يرتكز على “المفاوضات المحلية” كتقليد دبلوماسي جديد بديل للتجارب العسكرية السابقة، لولا تعرض هذا التوجه الجديد لـ “الإجهاض” في أول تجربة له في النيجر، حيث تم وأده قبل ولادته من قبل عرابي التدخلات العسكرية في الشؤون الداخلية للدول.
وهذا “الإجهاض” لتجربة “إكواس” في إيجاد حلول إفريقية لمشاكل القارة، من قبل مستعمر الأمس، ليس الأول من نوعه، بل سبقته مبادرات إفريقية أخرى للتكفل بالمشاكل الأمنية في الساحل من طرف دول المنطقة، تعرضت هي الأخرى للحصار والتهميش، وهو ما جرى لتجربة “دول الميدان” التي بادرت بها الجزائر بمعية موريتانيا ومالي والنيجر، لتنسيق جهود محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة في الساحل، أو ما تعلق بمبادرة “دول جوار ليبيا للتقريب بين الفرقاء الليبيين في حل الأزمة السياسية في البلاد، والتي تعرضت هي الأخرى لكل أنواع الضرب تحت الحزام، حتى يسهل لـ “الأجندات الخفية” الاستفراد بهذا البلد الشقيق بنيّة السيطرة على ثرواته النفطية.
الذين يروجون دوما لأجل التدخل العسكري يبررون خياراتهم قائلين بأنهم يفعلون ذلك بسبب عدم قدرة الدول الإفريقية على التكفل بنفسها بمشاكلها الأمنية، وهو ما يخالف الحقيقة، فحتى عندما جاءت مجموعة “إكواس” لتأخذ على عاتقها التكفل بأزمة النيجر تم دفعها آليا لاعتماد الخيار العسكري، على طريقة نظرية ابن خلدون “تقليد المغلوب للغالب”، كخيار أوحد، ولم تجرب الحلول الدبلوماسية إلا بعد تصاعد أصوات دولية وإقليمية رافضة للحل العسكري، وأيضا بعد توالي ردود الفعل الشعبية في القارة الإفريقية الرافضة للحرب، وهو ما جعل “إكواس” تفقد منصبها كوسيط موثوق به لحل الأزمة بين الفرقاء في النيجر، لأنها لم تعد تحوز على الشروط المطلوبة للوساطة، وهي الحياد وعدم الانخراط في أي أجندة خارجية.
ولعل ما جرى في بداية الأزمة من رفض للحوار بين المجلس العسكري وبين وفد “إكواس” الذي رفض استقباله في نيامي، بينما لم يمانع المجلس العسكري حتى في استقبال مساعدة وزير الخارجية الأمريكي نولاند، مؤشر على أن مجموعة “إكواس” كسرت وساطتها وفوتت الحل الإفريقي، وفتحت الباب من حيث لا تدري لمن يقولون إن إفريقيا غير قادرة على إنتاج حلول لمشاكلها.