ذر الحرب الأهلية المقيتة السودانية , اخبار السودان
خالد فضل
ما تزال الحرب الدائرة بين طرفي المكون العسكري السوداني (الجيش/الدعم السريع) تتمدد لتشمل رقعة جغرافية أكبر، وفي كل يوم تقريبا تدخل مناطق جديدة في دائرة الصراع المستعر منذ 15أبريل 2023م, وتبعا للتمدد الجغرافي تدخل مكونات بشرية متعددة في دائرة المشاركة الفعلية في الصراع . لقد كانت التحذيرات منذ اليوم الأول لإندلاع القتال بين الرحم الولود والجنين المولود (والإشارة هنا إلى تصريحات الفريق البرهان قائد الجيش في توصيفه لعلاقة جيشه بالدعم السريع؛ على أيام صفانا) تشير بوضوح إلى فرضية تطور القتال إلى حرب أهلية شاملة , قالت بذلك أصوات سودانية واعية ومدركة لخطورة الموقف؛ لذلك نادت تلك الأصوات بضرورة الوقف الفوري للحرب , فكان أن تمّ إعتقال الناشطين في مبادرة لا للحرب, في حين كانت الرؤية العمياء تمني النفس بحسم التمرد في ست ساعات على أكثر تقدير !حسبما نُسب لأحد جنرالات الجيش السوداني، بالمناسبة يبدو أنّ الرأي الذي كان سائدا في أوساط الجيّاشة يميل للاستهانة بقدرات الدعم السريع، ولا أدري أهو قصور في التقدير أم أنّ الاستهانة وعدم التحسب للعواقب هي من الصفات الملازمة للشخصية السودانية !سبق لي التحدث مع أكثر من زميل صحفي ومع بعض الأساتذة الجامعيين حول ضرورة التعامل مع مسألة الدعم السريع كقضية وطنية متشابكة الملابسات وعدم الإكتفاء بالتوصيف الخامل عن الرحم وجناه!!
وهو الرأي الذي استقر عندي أكثر بعد نشوب الحرب , لذلك يبدو أن الطريق الوحيد لوقف الحرب هو التفاوض الجاد والشامل , وقد أعلنت جهات إقليمية ودولية عديدة عن مواقفها الواضحة بضرورة الحل التفاوضي لأنّ الحرب لن تُحسم لصالح أي طرف من الطرفين , مثلما حذّرت تلك الجهات من خطورة تحول النزاع إلى حرب أهلية شاملة, هذه الجهات والهيئات الإقليمية والدولية والأممية ما تزال تتعامل مع الأصوات السودانية الداعية لوقف الحرب باعتبارها الأقرب للموضوعية, والأكثر عقلانية وهو الموقف الذي يثير الهيجان لدى أساطين الحرب ودعاتها فتراهم يرجمون كل مسعى محلي أو إقليمي أو أممي يقود إلى وقف الحرب بوابل من العدائيات الهوجاء.
والحرب تتمدد , ونذر تحولها لحرب أهلية شاملة لكل البلاد تزداد.
فعليا تشمل الحرب الآن جهات البلاد الأربع، الشرق والشمال والوسط _عدا الخرطوم _ تبدو أكثر موالاة للجيش ؛ وقد استجابت هذه الجهات بصورة واضحة لجملات الاستنفار التي أعلنها قائد الجيش , وتقود عناصر النظام المباد هذه الحملات بسفور مما يزيد من معقولية الشكوك حول الدور الأبرز لتلك العناصر في اشعال الحرب أساسا, وهو الأمر الذي يضعف من جانب آخر من التأييد للجيش في أوساط عديدة , أمّا الغرب والجنوب فهو أميل لتأييد الدعم السريع؛ وباعتبار أنّ الحاضنة الاجتماعية لغالبية منسوبي الدعم السريع تتركز في تلك الجهات, بالطبع لا يمكن تعميم هذه الفرضية على كل مواطني تلك الجهات، فهناك عناصر في كل جهة تميل إلى تأييد هذا الطرف أو ذاك رغم وجودها في الحيز الجغرافي الموالي لطرف، هنا تتعقد المشكلة أكثر وتقترب نذر حرب الجميع ضد الجميع من التحقق مع الأسف, خاصة أن حالة الاستقطاب وخطاب الكراهية تعج بها الأدبيات المنشورة في الوسائط الإعلامية والفضاء الإسفيري المفتوح.
إنّ الخروج من الجب السحيق الذي وردت إليه بلادنا يتطلب وعيا شعبيا بخطورة مآلات استمرار الحرب وتمددها, وهذا يتطلب تكثيف الحملات والدعوات إلى وقف الحرب, وبمثل ما كان لسودانيي/ات المهاجر من دور بارز إبان إندلاع الثورة الشعبية المجيدة في ديسمبر2018م تبدو الحاجة الآن لدورهم الأهم والأكبر في الضغط من خلال أدواتهم التي يجيدون من أجل وقف الحرب أولا ومن ثمّ الشروع مباشرة في خطوات الحل السياسي الشامل الذي يفضي إلى مواصلة مشوار الإنتقال نحو الحرية السلام والعدالة.
المصدر: صحيفة التغيير