اخبار السودان

الحرب: خيرها وشرِّها…!! السودانية , اخبار السودان

الحرب: خيرها وشرِّها…!!

محمد عبد الرحمن الناير (بوتشر)

أعتقد أن الحروبات ليست شراً مطلقاً، وعلى الرغم من أهوالها وفواجعها إلا إنها تكشف الكثير من المسكوت عنه، ومن خلال الآلام والجراحات والدماء والدموع والأشلاء يتم الانتباه لأصل الأزمة وأسبابها الحقيقية وجذورها التأريخية وما تقود إليه من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي.

إن الحرب التي يدور رحاها بالسودان هي نتيجة للفشل التأريخي للصفوة السياسية وعوار دولة ما بعد الاستعمار التي قامت على العنف والاكراه وفرض الأمر الواقع بالقوة بدلاً عن الحوار والتفاوض وإبرام عقد إجتماعي بين “الشعوب” السودانية تحدد فيه ماهية الدولة التي تنشدها وكيفية حكمها وفق دستور توافقي يلبي تطلعات الحاضر والمستقبل، وأن تكون المواطنة هي الأساس الأوحد لنيل الحقوق وأداء الواجبات، وألا تتبنى الدولة أي هوية ثقافية أو دينية تعبر عن فئة/ات محددة من المجتمع المتعدد والمتنوع، أي كانت نسبة هذه الفئة لمجموع السكان، لجهة أن هكذا قضايا يجب ألا تخضع لمعايير الأكثرية والأقلية، لتعبر الدولة عن الجميع كمواطنين متساويين.

إن الدولة السودانية قامت على الاستهبال والاستسهال، وغياب المشروع الوطني الجامع وضعف الإدارة والإرادة، وقد باتت المصالح والامتيازات الصفوية والأطماع الشخصية والحزبية والجهوية هي المحرك لبوصلة أغلب المشتغلين بالسياسة والعمل العام، ونجد أن الصراع بين الأحزاب والتنظيمات إذا كانت على سدة السلطة أو المعارضة هو صراع فوقي حول كرسي السلطة والاستئثار بها وليس صراعاً حقيقياً من أجل التحول المدني وتوطين الديمقراطية وتداول السلطة، فكل الحكومات المتعاقبة منذ عام 1956 سواء كانت مدنية أم عسكرية أو حكومة “خاتف لونين” لا توجد اختلافات كبيرة بينها من حيث السلوك والممارسة؛ ولا تختلف إلا في أسمائها وتوجهاتها السياسية والأيدلوجية وجميعهم “أحمد وحاج أحمد” وإن شئت “ورل وشوربة الورل”…!!.

إن مجتمعاتنا السودانية هي الأخرى في أغلبها قد قامت على أساطير كاذبة ومتوهمة، ونشأت على إدعاءات زائفة يكذبها واقعنا، فلسنا أفضل البشرية وأكثرهم معرفة ودراية وكرماً ومروءةً وشجاعةً وذكاءً.

ليس من المنطق أن يكون كل الشعب شاعراً وملحناً ومغنياً، ومحللاً سياسياً ورياضياً، وعالماً بالجغرافيا والحضارة والثقافة والتأريخ والأنساب، وخبيراً عسكرياً واستراتيجياً، وكان الأول في فصله الدراسي والأول في دفعته…!!.

أيضاً مجتمعات عنصرية بامتياز لم تكف عن تلقين النشء وهم النقاء العرقي وتفوقهم عمن سواهم من “الأغيار” بل نجد أن مرض العنصرية يمارس حتى داخل المكون القبلي أو العرقي الواحد، وغيرها من أمراض الجاهلية.

إن الحرب الدائرة الآن قد فضحت الكثير من الأوهام التي أضحت كالمسلمات في مجتمعاتنا التي باتت عارية أمام مرآة الحقيقة، وأبرز دليل أولئك الذين أصابهم داء الجشع والطمع، واستثمروا في معاناة المكتوين بنيران الحرب والتشرد، فارتفعت أسعار السلع والخدمات وتذاكر السفر بصورة جنونية غير مبررة، وصار إيجار منزل متواضع مبني بالجالوص في مدينة ولائية نائية يضاهي إيجار شقة في أحياء مدينة نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية…!!

كم سوداني في فجاج التشرد داخلياً أو خارجياً قد تعرض للنصب والاحتيال من بعض بني جلدته “مُدّعو المروءة والكرم” عبر حِيّل المساعدة في إيجاد مسكن أو قضاء خدمة، ومن اختفي عن الأنظار بما حصل عليه من “المال الحرام” دون وازع من ضمير أو أخلاق…؟!!

رغم مصائب الحرب وفواجعها إلا أنها قد أظهرت حقيقة معادن بعضنا التي كانت تتخفى وراء الأكاذيب والإدعاءات وأثواب القداسة الزائفة، ومع ذلك هنالك قلة قليلة من هنا وهناك قد ارتقت مراقي الإنسانية ونُبلها وسماحة قيمها وأخلاقها…!!

18 أغسطس 2023م

[email protected]

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *