شهر “أيلول” العبري يحرك ضمائر المغاربة اليهود .. صيام واستغفار وحلويات
يعيش المغاربة اليهود، منذ أمس الخميس، أجواء روحية خاصة، بعد بداية الشهر الأخير من السنة اليهودية 5783: أيلول. ويعتبر هذا الشهر ذا حمولة حميمية بالنسبة لليهود، بوصفه “الفرصة الأخيرة” التي يتأمل خلالها العبريون ما جرى في العام السابق ويستحضرون “الخطايا والرغبة في استغفارها بصدق وجدية”؛ لأنهم، كما يقولون، “يعتقدون، حد اليقين، أنه لا ضمانات للبقاء حتى العام الموالي”.
ويلتقط المغاربة اليهود أجواء هذا الشهر، بحيث ينتظرون متم العام الذي سيصادف رأس سنته هذه المرة 16 شتنبر من العام الميلادي؛ لكن اليهود، في المغرب والعالم، يقومون بإحياء حتى ليلة رأس السنة العبرية، أي 15 شتنبر المقبل. وسيكون الشهر الميلادي المقبل حافلا بزخم الذاكرة اليهودية، بحيث سيأتي فيه أيضا ليلة ويوم الغفران، المعروف بـ”كبيور” في الثقافة اليهودية، بتاريخ 24 و25 شتنبر 2023.
أيلول بالمغرب
جاكي كادوش، رئيس الطائفة اليهودية بمراكش والصويرة، أكد أن “شهر أيلول يحتل مكانة جد اعتبارية بالنسبة للمغاربة اليهود، لكونه الشهر الأخير في السنة العبرية”، مبرزا أنهم “يعيشونه بحماس كبير استعدادا لشهر “تشري” الذي يعكس بداية العام الجديد، وهي الفترة التي ينظر إليها المكون العبري كفرصة للتطهر من كل الخطايا التي صدرت عنهم طيلة الشهور السابقة”.
وأفاد كادوش، وهو يدردش مع هسبريس، بأن “من المغاربة اليهود من يقتنون ملابس جديدة، ويصومون طيلة الشهر، ويضيفون لها العشرة أيام الأولى من السنة الجديدة إلى غاية يوم الغفران، الذي يسمى في اليهودية “كيبور””، مسجلا أن “هناك عديدا من العادات العميقة في وجدان المغاربة اليهود التي تجعلهم متحمسين لسنة جديدة: 5784 سنة، وهي سنوات تحاكي الخلق الإلهي لهذا الكون بكل مكنوناته منذ بدايته”.
وشدد رئيس الطائفة اليهودية بمراكش والصويرة على أن “اليومين الأول والثاني من “تشري” يشكلان عيدا عبريا يسمى “روش هشناه”، والذي يكثر فيه الدعاء والصلاة. وكما يتناول اليهود المغاربة، كبقية العبريين في كل العالم، في هذا العيد حلويات وعسلا وتفاحا خلال الفترة المسائية، لكي يكون العام المقبل أكثر حلاوة من الذي مضى”، مفسرا بأن “هذا العيد هو فرصة لإيقاظ القلب والتوبة، ولذلك يكون في بال العبريين منذ بداية أيلول”.
وأضاف المتحدث: “العديد من المغاربة اليهود يكثرون من الصلوات والدعاء طيلة هذه الأيام، ويكثرون منها أيضا في العشرة أيام الأولى من السنة الجديدة التي تسبق “الكيبور”، والتي تسمى “أيام التوبة”؛ لافتا إلى أن هذه المناسبات تذكر المغاربة اليهود بحس انتمائهم الوطني إلى المغرب وكيف يستطيعون إحياء أعيادهم وطقوسهم بكل حرية، انتصارا للتعايش القديم بين اليهود والمسلمين”.
تقاليد غائرة
من جهتها، قالت المغربية اليهودية سوزان هاروش إن “شهر أيلول يحتل مكانة خاصة ضمن البناء الثقافي للديانة اليهودية، وهو ما كان كل المغاربة اليهود على يقين تام به”، مبرزة أنه “خلال الأزمنة القديمة يتذكر اليهود بتقدير شديد الجهود التعبدية التي كانت راسخة مع الحاخام الكبير بابا سالي أبوحصي، الذي عاش في المغرب، وهو أب روحي عظيم، كان هو ومن معه يصومون ستة أيام متتالية ومتواصلة بلا توقف، منذ الأحد الأول بأيلول إلى غاية زوال الجمعة الموالية له”.
وأضافت هاروش: “هذا الشهر لا يزال يحيي هذه العراقة فينا وهذا الجهد التعبدي الذي حضرتُه مع بعض أفراد عائلتي، والمثير فيه هو أنهم لا يخبرون أحدا بهذا الصيام وإنما يتم في صمت”، موضحة أن “الرجال في المكون العبري المغربي لا يزالون يحرصون على شراء ثياب جديدة بيضاء، وهي رمز للبياض والرغبة في تصفية السريرة وتنقية العقل؛ وهذا منح دائما للمغاربة اليهود رغبة في التجدد كل أيلول، على اعتبار أن الإنسان هو من يختار طريقه”.
وأفادت الفنانة اليهودية، ضمن تصريحها لجريدة هسبريس، بأن “هذا الشهر يصبح فترة للتأمل، وحتى الرسائل التي نتبادلها طيلة هذه الأيام حتى مطلع السنة، نرجو من ورائها أن يعيش الإنسان للسنة المقبلة؛ وهي طقوس مشابهة لأخرى رديفة، سواء في الإسلام أو في المسيحية”، مضيفة أن “الموائد في رأس السنة تتضمن مكونات المطبخ المغربي، من لحم الرأس و”سبع خضاري” والسفرجل والرمان”، وزادت: “أنا أرى الرمان في السوق الآن، لكني لن أشتريه حتى مطلع السنة”.
وقالت إن “أكل لحم الرأس في مطلع السنة اليهودية الجديدة هو إشارة لكي يجعلنا الله دائما مع الأوائل، والسمك نضعه لطلب الله لإكثار الخير حتى لا يكاد يحصى على غرار السمك في البحر، والفواكه الجديدة هي دعوة لأن يحينا الله حتى نعيش السنة المقبلة لتذوق كل الفواكه”، خاتمة بأن “الاستعدادات الروحية والنفسية طيلة شهر أيلول تكون عميقة. لذلك، هذا الشهر يذكرنا بحب الله، الخالق، وليس الخوف منه، وهو فرصة للتسامح وطلب المغفرة حتى من الأشخاص الذين أخطأنا في حقهم”.
المصدر: هسبريس