“السوشيال” على طريقة إيلون ماسك ..هل يصبح تويتر X منصة لليمين؟!
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
انطلاقا من تداخل الأبعاد الاقتصادية المضفرة بالدور السياسى فى معادلات بقاء ونمو الميديا والمنصات عالميا، تماما مثل كروموسومين لا ينفصلان جينيا، فى هذا السياق تحديدا يمكن السعى لتفسير الكثير من تحولات منصة تويتر وبدءا من العلامة الجديدة المحيرة والمدهشة X التى حلت بديلا للطائر الوديع المغرد.
حينما تعالت ضجة مصحوبة باندهاش عن الصعود المذهل الأول لمنصة Threads التى أطلقتها شركة ميتا وتحقيقها لرقم مائة مليون مشترك فى خلال خمسة أيام، وما صاحب ذلك من حديث عن المنافس الجديد بل والمحارب “القاتل” لتويتر، فإنه الآن وبعد ما يقرب فقط من شهر اختفت الإحصاءات التى كانت تنشرها شركة ميتا تباعا عن معدلات نمو المشاركين فى المنصة وتتوالى مؤشرات محدثة متنوعة المصادر عن انخفاض حاد ومؤثر فى معدلات نمو المشاركين والمستخدمين النشطين، وقد سبق لنا أن أشرنا تفصيلا لذلك قبل ثلاثة أسابيع فى مقال لنا هنا بأن لكل من تويتر و Threads جمهورين مختلفين ربما لا يجتمعان إلا مصادفة وعبورا على منصة واحدة وأن الوقت كفيل بكشف ذلك.
كانت استراتيجية إيلون ماسك الحاصل على درجتين جامعيتين فى الفيزياء وفى الاقتصاد فى اتجاه وضع الرمز X الأثير كعلامة تجارية لديه على تويتر دلالة وربما تحمل مؤشرات على أنه يحاول أن يستثمر فى منصته اقتصاديا، بينما أطلق الطائر الأزرق الوديع بعيدا ولتكون منصته بديلا أو توازيا فى مجال السوشيال ميديا لشبكة قنوات فوكس نيوز، وأنه ربما يلعب بذات أوراق المخضرم إمبراطور الميديا العجوز روبرت ميردوخ، بتضفير الاستثمار والسياسة معا فى تويتر لتكون نظيرا لشركة فوكس نيوز التي نجحت فى ذلك فى مجال الصناعة التليفزيونية.
فقد منح ماسك ثقة وإتاحة وحضورا لممثل اليمين فى السباق الرئاسى دى سانتوس، بعد أن أعرض المرشح للسباق الجمهورى دونالد ترامب ونأى عن تويتر بعد أن أعاد له ماسك حسابه فعالا على تويتر، كما أعاد إيلون ماسك حسابات لشخصيات يمينية متنوعة الحضور فى الحياة والشهرة بل بعضها كان قد تم وقف حسابه من قبل بسبب ما نسب له من انتهاكات الاستخدام.
مؤشرات وأحداث متنوعة تبين طريق ومسار ورؤية إيلون ماسك وترتبط دلاليا وموضوعيا بتغيير الشعار إلى الرمز X المحتشد دلاليا رغم صمته بالدهشة والتساؤلات حتى لو أصر إيلون ماسك على كونه “مجرد حرف” يفضله، يبرر المتحدثون باسمه الأمر بأنه غرام قديم بالعلامة X تجلى بداية فى مشروعاته الاستثمارية بدءا بموقع “X.com” الرائد كما أن شركته للفضاء التى أطلقت مؤخرا صاروخا لبث أقمار صناعية للإنترنت هى “SpaceX” وأن هذا جزءا من توحيد العلامة التجارية الشاملة لكل ممتلكاته التجارية تحت علامة موحدة هى X.
يعمل ماسك على الانفتاح على قاعدة جمهور واسعة ومؤثرة يمينية والأخرى مساحة أخرى تجارية محضة فى استراتيجيته الجديدة، فهو لا يسعى
لمنصة منافسة لمنصات شركة ميتا بل نحو تطبيق فائق يسمى X هو فى نظره ليس ساحة سوشيال ميديا بل “ساحة عالمية” كما تقول ليندا ياكارينو الرئيس التنفيذي لتويتر التى عينها ماسك في مايو الماضى، تتضمن المنصة وفق ذلك أيضا خدمات مصرفية وسوقا عالمية للأفكار والسلع والخدمات بل والفرص أيضا على حد قولها، والغريب أن هذا البعد المصرفى تحديدا يقوم به التطبيق الصيني الشهير WeChat والذى يضم 1.671 بليون شخصا نشطا شهريا وفقا لإحصاءات 2023، فهل أصبحت تطبيقات السوشيال الصينية نموذجا عالميا للاستثمار فى المنصات؟!، وهل لذلك علاقة ما بالقرار الذى أصدره الرئيس الأمريكى بايدن قبل يوم واحد يحظر على الشركات الأمريكية الاستثمار فى مجال الذكاء الاصطناعى فى الصين، وقد كان إيلون ماسك نفسه قد أطلق شركة للذكاء الاصطناعى قبل أقل من شهر حملت أيضا العلامة الأثيرة (XAI).
جاء تغيير العلامة التجارية بعد انفاق استثمارى ضخم وتاريخى صحبته ضجة وتساؤلات عما ينتويه ماسك من شراء تويتر، وما تلى ذلك من فترة تخبط و”استعراض” نجم عنها انخفاض كبير فى ايرادت الإعلانات والموارد المالية قاربت النصف، فهل يبرر الرمز X التوجهات “التحريرية” الجديدة فى إطار خطة استثمارية تمثل العلامة X الناجحة دوما مع ماسك مساحة تفاؤل واستراتيجية عمل بعد أن رأى أن يجعل من تويتر ساحة أساسية لليمين الأمريكى وأن يختبر مبدئيا مدى نجاح ذلك؟!، وذلك فى إطار السعى لجذب جمهور ضخم أمريكيا ثم أوروبيا يكون قاعدة جمهور “مخلص” للمنصة وسياق جاذب للإعلانات والموارد والدور السياسى أيضا، أليس هو الجمهور “الفائز” الذى أتى بترامب رئيسا، وها هو ذا يدفع ترامب بثقل الى الرئاسة رغم كل ما يلاحقه من محاكمات واتهامات شخصية ومهنية وهجوم كثيف موسع من الإعلام “التقليدى”، وألم تفعل من قبل شبكة فوكس نيوز ذلك وحققت أرباحا مهولة حيث راهنت على الخيار ذاته ؟!.
استضاف تويتر منذ أسابيع مضت مقابلة مباشرة مع دى سانتوس الحاكم الجمهوري لفلوريدا والمرشح الرئاسى الجمهورى وبان أنه ربما يستخدم تويتر كمقر لحملته الرئاسية بديلا للمؤتمرات والحوارت والظهور على وسائل الإعلام التقليدية ضيفا، وكان ذلك بمشاركة وتعليق من ماسك مؤشرا على الدعم، التوجه يمينا تمثل أيضا فى استحضار مقدمى برامج من شبكة فوكس لتقديم محتوى على تويتر.
يدعم تحولات ماسك وتويتر معا الأخيرة حالة الجمود والركود التى تعانى منها المنصة التى نافسته أو راهنت على انتهائه Threads وبينما أن تغيير علامة تويتر لم يؤثر سلبيا فى معدلات تحميل التطبيق بل زادت قليلا لا زال يحتاج الأمر دراسات لتعرف هوية القادمين الجدد فى الشهور القادمة على تويتر وكيف يؤثرون على تحولات محتواه ومعدلات أرباحه.
ويشير تقرير لشبكة CNN على موقعها فى 3 أغسطس الحالى أنه بالفعل انخفض عدد المستخدمين النشطين يوميًا في Threads بنسبة 82٪ عن بدء الإطلاق ونقلت عن Sensor Tower أن الأشخاص يفتحون التطبيق أيضًا بشكل أقل تكرارًا ويقضون وقتًا أقل بمعدل 2.9 دقيقة يوميا وأن البيانات الجديدة تظهر أن التراجع مستمر.
لا مجال هنا للهزل أو العبث أو الطفولة هكذا أدرك إيلون ماسك وأفاق من نشوة استعراضاته المدوية عند بدء استحواذه على تويتر، استعاد ذاكرة الفتوحات الاستثمارية محتفيا بالعلامة X الأثيرة، ومتبعا استراتيجية إعادة انتشار وبناء قاعدة جماهير قد تكون مختلفة وأوسع كثيرا من نخبة تويتر “التقليدية” الضيقة، تاركا شركة ميتا ومنصتها الجديدة Threads فى فضائها الخاص تحتفى بنجوم الرياضة والفن كامتداد لتطبيق انستجرام ومنافسا يسعى لوقف زحف ونمو تطبيق تيك توك صينى المنشأ، ولعل أبلغ مثال يتم استحضاره هنا أنه بينما يمنح ماسك مساحة معتبرة لحضور الشأن السياسى ويستضيف مرشح الحزب الجمهورى، فإن أشهر وأكبر الحسابات نموا علي منصة Threads هو لكيم كاردشيان بمعدل يزيد عن خمسة ملايين متابع، وفى ذلك مؤشر اختلاف وعلامة هوية واستقرار لتويتر وربما نظر ومسار بل استثمار ومستقبل فى علامته وتوجهاته واستراتيجيته الجديدة.