تقرير يرصد تهديدات الجماعات المتطرفة بالقارة الإفريقية على الأمن الدولي
سلّط تقرير حديث نشره “المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات” الضوء على واقع ومخاطر الجماعات المتطرفة في القارة السمراء على الأمن الدولي، إذ تناول بالدراسة والتحليل خريطة التنظيمات الإرهابية وتوزيعها الجغرافي على مستوى القارة، ثم تأثير الهجرة غير النظامية على الأمن القومي الأوروبي إضافة إلى جهود كل من الاتحاد الأوروبي والتحالف الدولي لمحاربة “داعش” في هذا الصدد.
وحول خريطة الجماعات الإرهابية في إفريقيا وملامح التطرف لديها، أشار التقرير المعنون بـ”تهديدات الجماعات المتطرفة في إفريقيا على الأمن الدولي” إلى “تزايد أنشطة الجماعات المتطرفة خاصة على مستوى غرب القارة، حيث سُجلت العديد من الهجمات الإرهابية لجماعات موالية لتنظيمي القاعدة و”داعش” الإرهابيين”، كما تمدد نشاط هذه الجماعات بشكل تدريجي وصولا إلى “منطقة الساحل والدول المحاذية لخليج غينيا، حيث تمكنت التنظيمات الإرهابية من استقطاب وتجنيد عدد من الشباب اعتمادا على وسائل التواصل الاجتماعي”.
المصدر عينه نقل عن لورانس فرانكلين، مسؤول بوزارة الدفاع الأمريكية، قوله إن “هناك حالة من التشابه بين أهداف كل من تنظيمي القاعدة و”داعش”، مع وجود اختلاف في أدوات اشتغالهما؛ ذلك أن القاعدة تعتمد أسلوب التجذر في المجتمعات المحلية الإفريقية من خلال الترويج لأطروحة مواجهة السلطات الأمنية المحلية المدعومة من الخارج، مع التوسع الجغرافي على الأرض دون السيطرة عليها بشكل كامل”.
التطرف في شمال إفريقيا
كشف التقرير وجود مجموعة من التنظيمات الإرهابية التي نشطت بالمنطقة؛ أبرزها “كتيبة عقبة بن نافع” التي كانت تتبع لتنظيم القاعدة والمتحصنة في جبل “الشعباني” بولاية القصرين على الحدود الجزائرية التونسية، إذ “تترأسها في الغالب قيادات جزائرية، كما يبلغ عدد أعضائها 175 مقاتلا”، غير أنها عانت من الانشقاقات الداخلية حيث “انشقت عنها إحدى الوحدات سنة 2014 وبايعت داعش لتسمي نفسها جند الخلافة”.
وبالإضافة إلى التنظيم سالف الذكر، تنشط بالمنطقة جماعة تدعى “حماة الدعوة السلفية في الجزائر”، والتي تأسست أواخر تسعينيات القرن الماضي حيث أطلق عليها اسم “كتيبة الأهوال”، والتي حوّلت اسمها بعد إعلان انضمامها إلى تنظيم القاعدة في العام 2013، ومن أبرز قادتها “سليم الأفغاني”؛ إضافة إلى “جند الخلافة بالجزائر”، التي ظهرت لأول مرة في العام 2014، حيث تشير التقديرات إلى “أن عدد عناصرها يتراوح ما بين 20 و25 مقاتلا”.
كما تنشط بمنطقة شمال إفريقيا جماعة إرهابية أخرى، تدعى “جند الخلافة بتونس”، وهي “أحد فروع تنظيم داعش التي بدأت عملياتها فعليا في بدايات العام 2015 متخذة من جبال المغيلة وسمامة والسلوم في الغرب التونسي قاعدة لعملياتها، معتمدة في تسليحها على الأسلحة الليبية المهربة عبر الحدود”، ومن أبرز قياداتها المدعو “أبو عبيدة الكافي” الذي تولى قيادة الجماعة المتطرفة في العام 2019، إضافة إلى “جماعة الاعتصام السودانية” المنشقة عن الإخوان المسلمين والموالية هي الأخرى لتنظيم “داعش” الإرهابي.
من جهة أخرى، استعرض التقرير خريطة الجماعات الإرهابية في كل من شرق إفريقيا وغربها ووسطها، حيث تنشط عدد من التنظيمات المتطرفة على غرار كل من “حركة الشباب الصومالية”، و”جماعة الشباب الموزمبيقية”، و”جماعة بوكوحرام النيجيرية”، و”داعش” إضافة إلى “جماعة نصرة الإسلام المالية”، و”القوات الديمقراطية المتحالفة الكونغولية” وجماعة “الثخراوي” التي تنشط في مالي والنيجر وبوركينافاسو، في وقت لم يسجل فيه التقرير وجود أية جماعة إرهابية تنشط في المغرب.
وحول مخاطر التطرف في إفريقيا، أكد المصدر عينه “ارتفاع وتيرة العمليات الإرهابية مطلع العام الجاري، خاصة في مالي وبوركينافاسو ونيجيريا، حيث ارتفعت معدلات هجمات تنظيم “داعش” في جنوب ووسط إفريقيا بمعدل 50 في المائة مقارنة بالعام الماضي”؛ وهو ما يُحتم على الحكومات الإفريقية “تطوير استراتيجيات جديدة وتشريعات مستحدثة لمكافحة الإرهاب وتجفيف منابع تمويله إضافة إلى إعداد برامج لتأهيل ودمج المتطرفين”.
الهجرة غير النظامية والأمن الأوروبي
شدد التقرير على أن “الجماعات المتطرفة في القارة السمراء تُعد تهديدا لأمن الدول الأوروبية من جهة، وتهديدا لمصالح الدول الغربية في البلدان الإفريقية من جهة أخرى؛ ذلك أن هذه الجماعات أصبحت تتوفر على إمكانيات مهمة، مستفيدة من شبكات الجريمة المنظمة وأنشطة تهريب الأسلحة في عدد من المناطق، إضافة إلى وجود روابط، تسهلها الهجرة، بين هذه الجماعات ونظيراتها في أوروبا”.
كما تتوفر الجماعات المتطرفة “على شبكات لوجستية واسعة في كل من القارتين الإفريقية والأوروبية والآسيوية”، سجل المصدر عينه، مشيرا إلى أن “تردد البلدان الأوروبية في فتح حدودها أمام الأفارقة بسبب تخوفها من تكرار سيناريو هجمات إرهابية نفذها متطرفون تسللوا إلى أوروبا بموجب آليات تهدف إلى مساعدة اللاجئين، مع ما نجم عنه من تنامي الموجات المعادية للأجانب والمهاجرين في أوروبا، يمكن أن يخلق مناخا يمكن للتنظيمات المتطرفة استغلاله للترويج لأطروحتها”.
واعتبرت الوثيقة ذاتها أن “الدول الأوروبية مدعوة إلى العمل بتنسيق مع نظيرتها الإفريقية إلى مواجهة التهديدات الأمنية باختلاف أشكالها ومنع انتشار الإيديولوجيات المتطرفة، إضافة إلى تبني سياسات وآليات أكثر فعالية لإدارة موجات الهجرة ومعالجة دوافعها الأساسية”، مشيرة إلى أنه “لا ينبغي على أوروبا تسويف حقوق اللاجئين وأن لا تخلط بين المهاجر لأسباب اقتصادية ومن يحتاج الحماية وفقا لما تنص عليه الاتفاقيات الدولية”.
جهود مكافحة الإرهاب
اعتبر التقرير أن “تصاعد المد الإرهابي في القارة السمراء خلال العقد الأخير دفع دول هذا التحالف إلى تطوير استجابتها للتهديدات الأمنية من خلال محطات عديدة؛ أهمها محطة مراكش، حيث انعقد المؤتمر الوزاري لدول التحالف في الـ11 ماي من العام الماضي بمشاركة أكثر من 60 دولة ومنظمة، إذ يعد هذا المؤتمر الأول من نوعه في إفريقيا”.
وحول مخرجات مؤتمر مراكش، أشارت الوثيقة الصادرة عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات إلى “اتفاق الدول الأعضاء في التحالف على بناء تصورات مشتركة حول المصادر الذي تغذي الإرهاب خاصة في منطقة الساحل، إذ جرى الاتفاق لأول مرة على الربط بين الجماعات الإرهابية والحركات الانفصالية على اعتبار وجود تحالف موضوع بينهما”، إضافة إلى “إسناد جهود محاربة “داعش” للسلطات الوطنية في الدول الإفريقية الأعضاء في التحالف، وتبادل المعلومات الاستخباراتية لفهم طبيعة تحركات “داعش” وأنشطتها في المنطقة، أضف إلى ذلك محاربة الفكر المتطرف وتعزيز قيم الاعتدال”.
وبخصوص جهود دول شمال إفريقيا في هذا الإطار، أشار التقرير إلى “استضافة الرباط لمكتب برنامج الإرهاب في إفريقيا التابع للأمم المتحدة، حيث يعد المغرب شريكا مهما لحلف الناتو في محاربة الإرهاب، حيث نجحت المملكة منذ عام 2002 في تفكيك أزيد من 200 خلية إرهابية”، مشيرا إلى “تقرير سابق للخارجية الأمريكية التي اعتبرت المغرب شريكا ومساهما أساسيا في محاربة داعش في العراق وسوريا”.
كما أشار إلى جهود الاتحاد الأوروبي في مجال مكافحة الإرهاب في إفريقيا من خلال مجموعة من الاستراتيجيات الأمنية والتنموية والدبلوماسية؛ فبالإضافة إلى سياسة التدخلات العسكرية، ترتكز السياسة الأوربية في هذا الصدد على المساعدات الإنمائية وتبادل المعلومات الاستخباراتية مع الدول الإفريقية خاصة في منطقة الساحل.
وخلص التقرير إلى أن “الفقر ونقص الخدمات الأساسية وانعدام الاستقرار السياسي في الدول الإفريقية كلها عوامل توفر أرضية خصبة لانتشار التطرف والإرهاب، إذ ينذر توسع الجماعات المتطرفة بهجمات أكثر تعقيدا خاصة في منطقة الساحل؛ وهو ما يمكن أن يؤدي إلى موجات نزوح وهجرة من المنطقة، ستضاعف من الضغوط على دول شمال إفريقيا وأوروبا”.
المصدر: هسبريس