لم تكن رسائل عادية منزوعة الروح والهوية وانما رسائل اقرب الى المناجاة والبوح باسرار الروح حاول الرسام والقاص والناقد التشكيلي العراقي حمدي مخلف الحديثي ان يضعها بين يد القراء ويصوغها باحترافية المبدع عبر رسائله الى الشاعر العراقي الكبير حميد سعيد التي كانت محطات مضيئة في حياته نزع منها السرية فكانت/ رسائل الى الشاعر حميد سعيد/ بطعم عذوبة نهر الفرات الذي ولد الحديثي على اديمه في مدينة حديثة ونهل من تاريخ ورقي ودور هذه المدينة في سفر العراق الخالد ويشير الى انه يحن الى حديثة وقراها الى النواعير ووادي حقلان، يستهل الحديثي رسالته الأولى للشاعر حميد سيعد/في هذه الليلة شديدة الحرارة اكتب اليك رسالتي الأولى وانت الاسم المحفور على مسافة الشعر العربي حيث لااجد ما يخفف وحشتي واحزاني مستشهدا/ ببورخيس/ في صراعه مع وحش العتمه ورتابته القاتله،
ويرى الحديثي ان الكتاب في جميع العصور وفي جميع الثقافات يجدون انفسهم في لحظة بوح فيتحدثون عن الدافع الذي يقف وراء اندفاعهم الى ممارسة الكتابه الإبداعية وبستدرك الحديثي بالقول: الكتابه صديقتي بعد ان غاب الأصدقاء بين الموت ومدن الغربة واجد نفسي مع الكتابة في محرابها ساجدا امام بهاء الشعر رغم البعد بيننا ويربط ماقاله عن حديثه وماقاله الشاعر حميد سعيد عن مدينته الحلة: اغفو فتاتين في غفوتي ثم اصحو وانت معي ان مدينة الحلة كما توصف ليست مجرد مكان ساحر وليست مجرد مكان حضاري وتاريخي يمتد من بابل القديمة الى الحلة المزيدية التي كانت حاضنة الثقافة العربية بعد ان دمر المغول بغداد ويصف الحديثي شعر حميد سعيد في رسائله بانه شعر يتدفق من حنجرته مثل ماء يتدفق من نبع صحراء يرتوي منه ظمان فتعود الحياة الى شراينه ويوضح كثيرا ماذكرت / عبدالله / محرضا فاصبح رمزا للوطنية وللعروبه وجئت به الينا الان من خلال/ قال لي عبد الله /وفي احد رسائله يدعو الشاعر حميد سعيد الى الرسم / حاول ولاتخف وارسم لوحات تجريدية هي الأقرب الى القصيدة المعاصرة مستشهدا بشعراء ابدعوا في الرسم ومنهم جبرا إبراهيم جبرا وادونيس وشفيق الكمالي ويوسف الصائغ محرضا الشاعر حميد سعيد بالقول : اخرج هذه الروح التي فيك لتعطي ما تعطي من ابداع تشكيلي ويكشف عن ان سعدي الحديثي هو الذي قاده اليه وركز الحديثي في احد رسائله على ان الجيل الستيني قلادة الادب العربي المعاصر سواء في الشعر او السرد وفي النقد أيضا ويخاطب حميد سعيد قائلا : : انا اصغر منك سنا ومنذ غزا الشيب مفرقي وهو من عطايا سنين الاسر لكنني بروحي وقلبي في العقد الثاني من العمر او كما قال الصافي النجفي/عمري الى السبعين يركض مسرعا والروح ثابته على العشرين ويخلص الحديثي الى القول: اختم رسائلي بومضات تضيء عتمة الروح ولو الى حين أكون وحيدا اجد قصيدتك / مقامات بغدادية/ خير جليس يبدد ظلمة روحي ولاشيء يعكر مزاجي ما دامت صومعتي شعر بن الوردية لانني بطبعي اتجنب السير بجوار الحيطان لانها متهالكة وفي أي لحظة تسقط فما جدوى الشعر اذا لم يكن شقيق الروح؟ماجدوى القلم اذا لم تكن دموعه حارة.