اخبار السودان

الحرية والتغيير والشيوعي وتباين الرؤى

زين العابدين صالح

زين العابدين صالح عبد الرحمن

أن إشكالية استمرار الأزمة السياسية في السودان، و التي أدت إلي الحرب، ماتزال تخيم على الوضع السياسي في السودان. كأن الحرب لم تخلق واقعا جديدا يجبر الكل على دراسة المشكلة بعيدا عن التحيزات الحزبية الضيقة، و يجري الكل دراسة نقدية لمعرفة العوامل التي قادت للحرب، بهدف تجنبها في أي مبادراة قادمة. و الأزمة في سياقاتها المختلفة تعد محفزا للتقيم و التقويم للتجربة السياسية السابقة منذ إندلاع ثورة ديسمبر 2018م مرورا بكل التحديات التي واجهت عملية التحول الديمقراطي، إذا كانت داخل ( إعلان قوى الحرية و التغيير) التي شاركت المكون العسكري في السلطة الانتقالية أو خارج تحالف السلطة. فمراجعة التجربة و نقدها من خلال قاعدة مشاركة عريضة تشارك فيها مؤسسات و منظمات خارج الدائرة السياسية، سوف يخلق حوارا واسعا داخل المجتمع يمنع بروز أدوات العنف. لكن مشكلة العقل السياسي السودان العجز عن التفكير خارج الصندوق، و أيضا الخوف من ردات الفعل المضادة التي تحاول القتل المعنوي و تدمير الشخصية.
إذا تمعنا في خطابات القوى السياسية بعد قرابة الأربعة شهور من الحرب، نجد أن الخطاب السياسي حدث فيه بعض الشيء من التغيير، بالنسبة لتحالف قوى الحرية و التغيير ( المركزي) و برز ذلك من خلال الاجتماع الذي كانت قد عقدته في ( القاهرة) حيث أمنت على توسيع قاعدة المشاركة ما عدا حزب ( المؤتمر الوطني) و هي خطوة تعتبر متقدمة من التي كانت سائدة في خطابها قبل الحرب، حيث أنها كانت مصرة على تضيق ماعون المشاركة، و حتى الذين وافقت على مشاركتهم جعلت المشاركة على مراحل تحددها هي. و بهذا الخطاب الذي ظهر مؤخرا في اجتماع القاهرة تكون قد رجعت للخطاب الذي كان قد أعلن عنه بعد سقوط النظام، أن لا يشارك حزب المؤتمر الوطني في الفترة الانتقالية لكن يسمح لهم المشاركة في الانتخابات، و كما قال خالد عمر يوسف القيادي في المؤتمر السوداني و تحالف الحرية و التغيير في عدد من مقابلاته التلفزيونية، لا يمكن الرجوع إلي ما قبل 15 إبريل، و لكن يمكن الاستفادة من نتائج الحوارات التي كانت قد تمت و يمكن طرحها مرة أخرى. القضية المهمة أيضا الإقرار أن الحل السياسي لابد أن يكون سودانيا خالصا داخل السودان، هذا الخطاب يفتح منافذ لتمرير الهواء النقي، في مسألة الحوار العام و يعد خطوة إيجابية. و تأتي العقدة في الفترة الانتقالية، و التي تجعل أغلبية هذه القيادات تنظر للعملية السياسية من خلال دفتر المحاصصات. و إذا استطاعت أن تؤمن على أن يكون هناك رئيسا للوزراء غير منتمي سياسيا، و مهمته الأساسية العمل من أجل تهيئة البلاد للانتخابات العامة و تشكيل المفوضيات الانتخابات و الدستور. ثم يتم انتخاب الرئيس الجمهورية و تحول البلاد للشرعية الدستورية، تكون الحرية قد قطعت شوطا كبيرا للتقارب مع الأغلبية، فالحوارات بين القوى السياسية وحدها التي تعيد الثقة و تمنع بروز أدوات العنف في المجتمع. و القضية المهمة حسم قضية ميليشيا الدعم السريع بالدمج أو التسريح. مثل هذا البرنامج يمكن تسويقها داخل المجتمع السودان، لكي نخرج من عنق الزجاجة.

إذا نظر إلي خطاب الزملاء في الحزب الشيوعي نجد الخطاب مايزال مضطربا و ليس هناك رؤية للحل، نأخذ حديث الأستاذ صديق يوسف عضو المكتب السياسي و مسؤول الاتصال في الحزب الشيوعي إلي ( سودان بكرة) يقول أن العمل من أجل تكوين أكبر تحالف لوقف الحرب و إجراء حوار شامل يمكن العمل بالقضايا التي يتم الاتفاق عليها و يفتح حوار في القضايا الخلافية. و صديق يوسف لم يجعل للتحالف وصفا و لا للحوار وصفا. بمعنى لم يقول (تحالف الثوريين) أو حوار القوى الجذرية. ربما الأستاذ صديق يوسف و هو رجل دهرى عاصر بدايات تكوين الحزب، و خاصة الراحل عبد الخالق محجوب و الكوكبة التي كانت معه، هؤلاء كانوا يستخدمون قدراتهم الفكرية في أختراق الأزمات، حتى بعد التأمر على حل الحزب الشيوعي و طرد نوابه من البرلمان عام 1965م، لم يعلنوا حربا شرسة ضد الأحزاب التي قامت بالطرد، بل فتحوا حوارا فكريا في صفحات الصحف شدو إليه كل القوى المثقفة و المستنيرة في المجتمع، كانوا يدركون أن قيادة الناس بثقافة سياسية سوف تعمق وعي المجتمع، و هي أفضل من أن تسوقهم إلي ممارسة ردات الفعل السالبة، و أيضا كانت حكمة الأستاذ محمد إبراهيم نقد عندما وافق أن يجر الترابي الذي قام بالانقلاب بعيدا عن السلطة و يجعله أكثر فاعلية ضدها بإنضمامه ل ( قوى الاجماع الوطني) رغم الخلاف الفكري الباين بين الرجلين. و ربما الأستاذ صديق قال هذه العبارة تذكرا لقيادات سياسية كانت تنظر للوطن أكثر من نظرتها للحدود الضيقة.

لكن إذا انتقلنا إلي كاتب أخر الأستاذ تاج السر عثمان بابو القيادي بالحزب الشيوعي، و الكاتب الراتب في عدد من الصحف السودانية، و مع الاحترام له، نجده لم يستطيع مفارقة ما وقع في 1965م، و ربما لأنه لم يعاصر قيادات العصر الذهبي للحزب. لذلك لا يستطيع التفكير خارج الصندوق. في مقاله الأخير بعنوان ( كيف أدي التهاون مع الفلول) يقول في المقال “لابد من وقف الحرب و تقديم المجرمين للمحاكمات و خروج الجيش و الدعم السريع من السياسة و الاقتصاد و قيام الحكم المدني الديمقراطي” الفقرة الأولى لا خلاف عليها تقديم المجرمين للمحاكمات، و أضيف أيضا لابد للشعب أن يعرف من الذي بدأ الحرب و من كان وراءها، هذا من حق الناس باعتبار أن الضرر كبير. أما خروج الجيش و الدعم السريع من السياسة و الاقتصاد و قيام حكم مدني ديمقراطي. هذه ليست شعار يقال فقط خاصة لرجل سياسي له عشرات السنين في العمل السياسي، هذه تحتاج لمبادرة أو مشروع سياسي تتوافق عليه الأغلبية. و لماذا الأغلبية لآن الديمقراطية تحتاج لأكبر قاعدة اجتماعية تؤمنها و في نفس الوقت تخلق توازن القوى في المجتمع. و الأفضل الخروج من دائرة الشعارات التي لا تقدم فكرة إلي العمل الفكري الذي يستطيع أن يقدم رؤى حوارية تخلق التوافق الوطني. أن العملية الديمقراطية ليس أن نفعل ذات فعل الإنقاذ تحت شعارات ديمقراطية. بل أن يكون الخطاب و الثقافة مغايرة تماما لكي تخلق وعي جديد في المجتمع، و تحرر الناس من الخوف الذي يحرم الساحة من رؤى جديدة مطلوبة في عملية التغيير و التحول الديمقراطي.

و أيضا يقول الأستاذ تاج السر عثمان في ذات المقال ” أن التهاون مع الفلول بدأ من دعوة المصالحة أو التسوية أو المساومة التاريخية باعتبارها خيانة للثورة دعوة حق أريد بها باطل” و يضيف قائلا ” أن الداعين للمصالحة مع الإسلاميين أنهم كانوا واقفين ضد اسقاط نظام الإنقاذ قبل ثورة ديسمبر و دعو للحوار مع المؤتمر الوطني على أساس خريطة طريق لإمبيكي و المشاركة في انتخابات 2020م” الأستاذ تاج السر فتح نار على ( تحالف نداء السودن بكل مكوناته و المؤتمر السوداني و الحركات) إذا كل هؤلاء متهاونين و أصحاب دعوة حق إريد بها باطل و أيضا ضد الإسلاميين جميعهم مع من يريد الحزب الشيوعي السوداني أن يقيم نظاما ديمقراطيا؟ هل يعتقد الأستاذ تاج السر أن الإدانة سوف تخرج هذه القوى من دائرة الفعل السياسي، و النقد يجب أن يكون في السياق التاريخي للفعل، هذه القوى كانت تعتقد هناك عدة خيارات لاسقاط النظام و هذا اجتهاد سياسي و قد نجح في عدد من الدول التي كانت فيها نظم شمولية، نجحت الفكرة في ليبريا وغانا و زمبابوي و غيرها، أن المعارضة نازلت الحزب الحاكم في الانتخابات رغم معرفتها بأنه يملك القدرة على تزوير الانتخابات و غامرت و نجحت، لماذا يريد بابو كل القوى السياسية أن تتبنى رؤية الحزب الشيوعي. كنت أعرف أن تاج السر عثمان بابو يتبنى الرؤية الاستالينية لكن ليس لهذه الدرجة التي توقف عقل الإنسان عن التفكير الموضوعي. اتذكر هنا مقولة جورج طرابيشي ” أن الديمقراطية في العالم العربي هي موضع طلب أيديولوجي شديد، و لكن بدون عرض على صعيد الواقع الفعلي، و بدون تأسيس نظري على صعيد المفهوم” و بالفعل أن القوى السياسية جميعها و منها الحزب الشيوعي تريد تأسيس الديمقراطية على بعض الشعارات، و يرجع ذلك لغياب العناصر التي تقوم بالإنتاج الفكري الذي يرفد العملية الديمقراطية. في كتاب المؤتمر الخامس ص95 يقول الحزب ” يتمسك الحزب ( الشيوعي) بالاستنتاجات الرئيسة التي توصل إليها نهائيا، و منذ العام 1967 حول أن انجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية التعددية و الانتقال للاشتراكية لا يتم إلا عبر الديمقراطية متمثلة في الحقوق السياسية للجماهير و ديمقراطية النظام السياسي” و كان من المفترض أن تبدأ العقول ذات الحمولات الفكرية حملة التثقيف و أن تقدم إنتاجها الفكري لشرح هذه المقولة للجماهير، و لكي تخلق بها حوارا فكريا ليس فقط داخل الحزب بل مع التيارات الفكرية الأخرى. إذا كان الحزب الشيوعي قام بهذا العمل كان نشر رؤيته النظرية للديمقراطية، و غير بها الواقع السياسي. لآن الديمقراطية تؤسس على الثقافة و الممارسة. كان خطاب تاج السر بابو تغير و خرج من شرنقة الاستالينية و أكتشف أن الأفق الديمقراطي أوسع، ليس في الشعار بل في الخيال و الإبداع الذي ليس له حدود، واتساع الأفق هو الذي يوصلك للوطن الذي تريد أن يكون.

هل قرأ تاج السر بابو هذه المقولة ” أن تنفيذ مشروع البرنامج الوطني الديمقراطي هو الذي يضع حجر الأساس للبناء الاشتراكي و هو غير منفصل عن راهنية النضال من أجل التحول الوطني الديمقراطي” و هي تؤكد أن الديمقراطية هي الأصل في الفعل الذي يقود للاشتراكية، و الديمقراطية لا تؤسس على الفكر الماركسي بل تؤسس على الفكر الليبرالي، و استلافها كمصطلح لا تؤثر على المجري السياسي لأنها تغبش الوعي و لابد من استلاف ثقافتها لكي تصل القناعة. عزيزي تاج السر أن الديمقراطية يجب أن تنطلق داخل الحزب قبل خارجه لكي تحرر العضوية من الخوف و التلقين إلي الفضاء الفكري الواسع الذي يدفع عجلات الحزب إلي الأمام، إذا حصل ذلك سوف تيغير الوعي السياسي في ذلك الوقت، و يرجع الحزب الشيوعي الذي كان مخزونا للإبداع و الفنون و الأفكار، الأن أصبح خارج دائرة الحدث، و لابد من التغيير ليس الشكلي.. بل تغيير جذري كما تحب القيادات الاستالينية قولة الجذرية. مع خالص التقدير للزملاء. نسأل الله حسن البصيرة.

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *