هكذا “أنصفت” التحولات المجتمعية المتسارعة الأزواج المغاربة في مسألة النفقة
موازاة مع النقاش العمومي الدائر حول إصلاح مدونة الأسرة، تنشر جريدة هسبريس الإلكترونية تفاصيل النقاشات التي دارت بين أعضاء اللجنة الملكية الاستشارية لمراجعة مدونة الأحوال الشخصية، برئاسة إدريس الضحاك، حول مختلف القضايا المضمنة في المدونة، كما هي مضمنة في مجلد “الأعمال التحضيرية لمدونة الأسرة”. ونخصص هذه الحلقة لمسألة النفقة.
ضرورة مواكبة التشريع للواقع
أرخت التحولات التي شهدها المجتمع المغربي، لا سيما مع بداية الألفية الحالية، بظلالها على النقاش الذي مهّد لتعديل مدونة الأحوال الشخصية (مدونة الأسرة حاليا)، إذ دعا أعضاء من اللجنة الملكية الاستشارية لمراجعة المدونة إلى جعل التشريع مواكبا للواقع الحالي للمجتمع.
هذه الدعوة كانت حاضرة في سياق النقاش بين أعضاء اللجنة حول النفقة، حيث عبّر أعضاء عن تأييدهم لتغيير النمط الذي كان معمولا به، كما هو منصوص عليه في مدونة الأحوال الشخصية، والذي يجعل الإنفاق على الزوج.
واعتبر الأعضاء المدافعون عن تغيير هذا الوضع بأن إنفاق الزوج على زوجته كان يستجيب لحاجات المجتمعات السالفة ولأحوال الأسرة فيها آنذاك، وأن مبررات الفقه في الماضي تقوم على منطق الاستجابة للأدوار التي كانت لكل فرد داخل الأسرة.
واعتبر مؤيدو هذا الطرح داخل اللجنة الملكية الاستشارية لمراجعة مدونة الأحوال الشخصية أن “من الحِكمة أن يعكس الاجتهاد الفقهي اليوم واقع الأسرة المعاصرة”، وأن الإنفاق “ليس بأمر تعبدي وإنما هو أمر أقره الشارع”.
وذهب أحد الأعضاء إلى القول إن “الصورة المثالية للزوج المُنفق على زوجته وأولاده لا توجد إلا في المدونة وفي بعض التصورات التي لا تعترف بالتحولات الاجتماعية والاقتصادية التي طرأت على أفراد الأسرة؛ في حين أن واقع الأسرة المغربية من حيث النفقة هو شيء آخر”.
وقال العضو ذاته إن جل الأسر المغربية لا تعتبر المرأة وحده مطالبا بالنفقة عليها وعلى أولاده، إلا في الحالات التي يكون الزوج ذا دخل عال والزوجة لا دخل لها. كما أن جل الأزواج اليوم لا يعتبرون بأنهم وحدهم الملزمون بالنفقة على عائلاتهم إلا في الحالات المتعارف عليها اجتماعيا.
النفقة تنفر الرجال من الزواج
وأشار أعضاء إلى حالات يطرح فيها جعل النفقة على الزوج وحده إشكالا، مثل الحالات التي تتزوج فيها المرأة زوجا فقيرا وهي مستعدة لأن تُنفق عليه، لا سيما أن المرأة، في ظل انتشار البطالة، يمكن أن تجد عملا لا يجده الرجل، متسائلين عمّا إن كان الرجل في هذه الحالة سيكون مُلزما بالإنفاق.
واعتبر عضو في اللجنة الاستشارية لمراجعة مدونة الأحوال الشخصية أن جعل الإنفاق على الزوج وحده لا يشجع الرجال على الزواج، بل ويضع البعض منهم في حرج، داعيا إلى ضرورة أن تنص المدونة على الاتفاق الذي يمكن أن يكون بين الزوج والزوجة على الإنفاق، وأن مساهمة المرأة “هي ضرورة اقتصادية في إطار التكافل بين الزوجين”.
واقترح أحد الأعضاء التنصيص على أن نفقة الزوج واجبة على الزوج؛ غير أنه يجوز للزوجة الموسرة أو ذات دخْل معين أن تنفق أو تساهم في هذه النفقة، ويكون ذلك تبرعا منها في حق الزوج المعسر لا دْينا في ذمته، إلا إذا وقع الاتفاق على خلاف ذلك.
وحسمت اللجنة الاستشارية النقاش الذي دار بين أعضائها حول مسألة النفقة، بالتنصيص على: “نفقة كل إنسان في ماله، إلا ما استثني بمقتضى القانون”.
أسباب وجوب النفقة على الغير: الزوجية والقرابة والالتزام
المصدر: هسبريس