السودان: غياب مرصد موحد لانتهاكات الحرب.. مخاوف ضياع الحقوق والإفلات من العقاب
غياب مرصد موحد يضم كافة الانتهاكات التي يتعرض لها المدنيون يثير مخاوف من ضياع الحقوق والتمهيد للافلات من العقاب، خاصة مع وجود رصد مسيس من بعض المكونات في الوسائط الاجتماعية؛ تورد انتهاكات جانب وتغفل انتهاكات الجانب الآخر.
التغيير: أمل محمد الحسن
تجاوزت الحرب في السودان 100 يوم منذ اشتعالها بين الجيش والدعم السريع في 15 أبريل الماضي، بالعاصمة السودانية الخرطوم قبل أن تنتشر في عدة ولايات أخرى.
سقط آلاف القتلى من المدنيين وسط عدم القدرة على تقديم إحصائيات طبية دقيقة بسبب وفاة معظم المدنيين داخل منازلهم، ودفن بعضهم فيها، بينما أكد شهود انتشار الجثث في الطرقات مدن ولاية الخرطوم وبصورة أكبر في مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور.
الباقر العفيف: رصد الانتهاكات يواجه تحديات كبيرة و”الخاتم عدلان” يعمل على سد الفجوة
ووفق إحصائيات رسمية فاقت أعداد الفارين من الحرب، داخليا وخارجيا، 3 ملايين شخص، في ظل ظروف انسانية متردية وتهديدات بانعدام الغذاء بجانب تأثر 80% من المرافق الطبية.
يعاني الذين ما زالوا داخل ولاية الخرطوم من أعمال سلب وسرقة طالت كافة الممتلكات وعلى وجه الخصوص السيارات، كما تنتشر العصابات التي باتت مسلحة بشكل كبير في كل أحياء العاصمة ما يزيد من المخاطر الأمنية.
الانتهاكات الجنسية
تاريخيا؛ تم استخدام الاغتصاب كإحدى أسلحة الحرب في اقليم دارفور، ومعظم مرتكبي جرائم العنف الجنسي بحسب إحصائيات وحدة مكافحة العنف ضد المرأة تمت من قبل جنود يرتدون زي الدعم السريع.
الانتهاكات الجنسية التي طالت النساء والفتيات في مختلف بقاع الحرب، لا يتجاوز الرصد الحقيقي لها نسبة 2% وفق تصريحات سابقة لمديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة سليمى اسحاق.
سليمى اسحاق: عودة الشبكات ساهمت في وصول معلومات أكثر انتظاما حول الانتهاكات الجنسية
وقالت اسحاق لـ “التغيير” إن الوصول للمعلومة بات أدق من أيام الحرب الأولى خاصة من الولايات بعد عودة شبكات الاتصالات للعمل، مؤكدة ورود معلومات بشكل أكثر انتظاما.
وأضافت: “هناك غرف طوارئ ومجموعات موجودة على الأرض تعمل معنا في عمليات الرصد التي نعتمد فيها على الأطباء والمراكز العاملة والتي تصلها الحالات”.
غياب ممنهج
غياب مرصد موحد يضم كافة الانتهاكات التي يتعرض لها المدنيون يثير مخاوف من ضياع الحقوق والتمهيد للافلات من العقاب، خاصة مع وجود رصد مسيس من بعض المكونات في الوسائط الاجتماعية؛ تورد انتهاكات جانب وتغفل انتهاكات الجانب الآخر.
هذا الغياب للعمل في مجال حقوق الانسان ورصد الانتهاكات التي يتعرض لها السودانيين ليس أمرا حديثا مرتبطا بالحرب فقط وفق المحامي والمدافع ع حقوق الانسان، علي عجب، والذي أكد أن تغييب المنظمات العاملة في مجال حقوق الانسان تم بصورة ممنهجة في عهد نظام البشير.
وقال: “30 سنة فترة طويلة تم فيها تجريف واسع جدا لحركة حقوق الانسان وملاحقة العاملين في هذا المجال”.
وأشار “عجب” إلى مركز الخرطوم لحقوق الانسان الذي تم اقتلاعه من جذوره حد تعبيره، وتمت مصادرة جميع ممتلكاته ووثائقه مشددا على صعوبة إعادة انشائه من جديد.
وأكد “عجب” لـ”التغيير” استهداف شبكات الرصد التابعة للمركز والمنتشرة في الولايات المختلفة، والتي تتمتع بتدريب عالي على رصد وتوثيق الانتهاكات.
وأضاف: “الرصد عمل احترافي وعملية علمية يحتاج العاملين فيها لتدريب مكثف”.
علي عجب المحامي: نظام البشير حارب المنظمات الانسانية وشرد العاملين في مجال حقوق الانسان
وشدد “عجب” على ضرورة وجود خبرات لوضع المسائل في اطار قانوني وسياسي وحقوقي تتم على اساسه المطالبات وفضح الانتهاكات.
وشكك المحامي والمدافع عن حقوق الانسان في وصول الرصد الذي يتم بدون منهجية لنتائج. وقال لـ”التغيير”: “بناء القضايا الإستراتيجية للمقاضاة المحلية والدولية لا يمكن أن يعتمد على عمل يؤديه أفراد في أوقات فراغهم”.
سد الفراغ
مع غياب مراكز الرصد؛ سعى مركز الخاتم عدلان للاستنارة والتنمية البشرية لسد الفجوة وفق مديره الباقر العفيف، والذي كشف لـ”التغيير” عن صدور تقرير بنهاية سبتمبر المقبل.
وقال إنهم اعدوا شبكة مكونة من 6 منظمات تم تدريبهم بصورة جيدة من أجل القيام بعمليات الرصد التي ستبدأ في اغسطس المقبل.
واشار “العفيف” إلى افراز الحرب لتحديات كبيرة متعلقة بخطورة الحركة والتنقل، مشيرا إلى التفتيش في الارتكازات الذي زاد صعوبة عمليات الرصد.
بجانب انقطاع خدمات الانترنت والإتصالات في بعض مناطق دارفور ما شكل عائقا كبيرا أمام التواصل مع المنظمات المحلية.
وأضاف: “الهواتف النقالة أصبحت مستهدفة ومن يتم ضبطه وهو يقوم بعمليات تصوير قد يفقد حياته”.
وأشار “العفيف” لقضية أخرى مرتبطة بما وصفه بـ”فوضى الأزياء” التي لا تجعل الشخص متأكدا من انتماء النظامي الذي أمامه.
الباقر العفيف: صعوبة التنقل وفوضى الأزياء مصاعب في وجه رصد الانتهاكات
وعدد “العفيف” المؤسسات الإقليمية التي سعت لإعداد تقارير حول رصد الانتهاكات، منها تقرير “افريكا ووتش” ومؤسسة “اتروستي ووتش افريكا” المراقبة للانتهاكات في أفريقيا، كاشفا عن عقدها لاجتماعات في العاصمة الكينية نيروبي لوضع استراتيجية عمل اثناء الحرب.
إلى جانب المركز الأفريقي للعدالة ودراسات السلام في يوغندا الذي قام بالفعل بإصدار تقرير.
رصد تفاعلي
على الرغم من وجود رصد “منحاز” يورد انتهاكات جانب ويغفل انتهاكات الجانب الآخر بشكل كامل؛ إلا أنها تعتبر أمرا مفيدا بالنسبة لمجموعة قصة التي تسعى لتوفير مراصد تفاعلية توسع دائرة العاملين في الرصد من جهة والجهات المستفيدة من الرصد من جهة أخرى.
وقال مديرالبيانات بمجموعة قصة إبراهيم الحاج، إن المعلومات المنحازة التي يتم ايرادها ايضا تتم الاستفادة منها طالما يمكن التحقق منها.
ويعمل “الحاج” مع فريقه على بناء منصة جامعة لكافة المنظمات التي تعمل على المصادر المفتوحة، وهي منصة تجمع بين المنظمات الكبيرة صاحبة الامكانات المالية والتقنية مثل (C4ADS) ومنظمات شبابية لديها موارد بشرية عالية مثل منظمة (عديلة) و(HRH).
واتفق “الحاج” مع الباقر العفيف في أن خدمات الانترنت تشكل حاجزا أمام عمل الرصد، مشيرا الى صعوبة تحميل كل مواد الانتهاكات على الانترنت، خاصة في المناطق ضعيفة التغطية.
ومن جهة أخرى اشتكى من قلة خبرة الراصدين والمصورين والمسجلين للمواد دي من موقع الانتهاك مما يصعب عملية التحقق منها.
رصد نقابي
المتابع لصفحات الأجسام النقابية التي تم تكوينها مؤخرا بعد الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر 2021، مثل نقابة الصحفيين والجمعية التمهيدية لنقابة الأطباء؛ يلاحظ توثيقهم للانتهاكات التي تطال منسوبيهم. الأمر الذي يوفر رصدا نوعيا للمنظمات التي تتابع قضايا الصحفيين أو الأطباء أوالمعلمين.
من ناحية أخرى وفرت النقلة التكنولوجية الهائلة مساحة لتوثيق الانتهاكات المصاحبة لحرب الخرطوم؛ بصورة لم تكن تتوفر لضحايا انتهاكات حرب دارفور أو جبال النوبة.
ويبقى توثيق الانتهاكات من أهم القضايا التي يجب الحرص على اتمامها خلال الحرب الجارية في الخرطوم التي تمت بها ممارسة كافة الانتهاكات والجرائم ضد الانسانية ومخالفة القوانين والأعراف الدولية، منعا للافلات من العقاب مستقبلا كأحد أهم مطلوبات تعويض الضحايا.
المصدر: صحيفة التغيير