بعد أكثر من مائة يوماً على الحرب.. السلام إرادة شعبية
فاطمة غزالي
بعد مرور أكثر من مائة يوم على الحرب يبدو أن الإرادة الشعبية السودانية لن تسمح للأصوات التي تنادي الجميع للانحناء لسيناريو( لا صوت يعلو على صوت المعركة) بأن تفرض رغبتها وتبث الرعب في نفوس المدنيين بالتهدد باستخدام القوة المميتة التي جاءت على لسان الفريق ياسر العطا الذي يحرض على استخدام القوة المميتة وتهديده بها اشبه بعبارات أحمد هرون (أمسح أكسح ما تجيبو حي ) ، وعبارة على عثمان محمد طه (شوت تو كيل) وهذه العبارات العنيفة الخالية من الرحمة كانت أوامر لتنفيذ الإبادة الجماعية في دارفور وقتل المدنيين في مناطق السودان المحتلفة . ذهبت الأوامر مسجلة إلى المحكمة الجنائية الدولية فكانا أي أحمد هرون وعلى عثمان من المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية .. قطعاً تحريض العطا ذهب إلى المؤسسات الدولية القانونية بالصورة والصوت.
دعاة الحرب أمثال ياسر العطا وفلوله الكيزانية يسارعون في التخوين ونزع ثوب الوطنية من الرافعين شعار(لا للحرب .. نعم للسلام) لأن هذا الشعار يهزم خطة الحرب التي كتبتها أيادي البطش الكيزانية بحبر من دماء، ونفذتها وحوشهم البشرية المتعطشة لرؤية الدماء . لا شك أن شراسة المعارك في حرب الجنرالين أرهقت المدنيين بقبح وجهها وملامحه الشريرة ، وبلغ عدد ضحايا من المدنيين في هذه المعارك 1800قتيل وأكثر من 3مليون مهجر ما بين نازح ولاجئ، وعدد ليس بالقليل من الجرحى، هذه الارقام ينبقي أن تجبر الشرفاء بالقوات المسلحة على تتحرر من سيطرة الإسلاميين في قيادة الجيش الذين يوزعون صكوك الوطنية المزيفة على الذين يصطفون بجانب شعارهم( بل بس) أي فرض منطق الحرب بالاصطفاف خلف هذا الشعار المدمر للوطن وشعبه الذي يتعاطي معه بعض (البلابسة ) بدون وعي بل استجابة للاستقطاب الذي لعب فيه التأثير بخطاب الاستمالة العاطفية والجهوية دوراً كبيراً بدغدغة المشاعر باسم حماية الوطن وهو خطاب في ظاهره الوطنية وفي باطنه عودة النظام البائد الذي أوقدت قياداته نيران الفتنة وأشعلت الحرب اللعينة.
من أجل حماية الشعب السوداني من القوة المميتة التي يهدد بها الفريق ياسر العطا أصبح صمت البندقية والخروج من مأزق الحرب فرض عين و مطلباً شعبياً للسواد الأعظم من السودانيين، أي أن العملية السلمية هدف استراتجي يعمل من أجل تحقيقه كل دعاة السلام من القوى السياسية والمدنية والأهلية قبل أن يكون رغبة إقليمية أو دولية .اختلفنا أو اتفقنا مع الإطاريين أو الجذرين لابد أن يكون هناك اتفاق يجمع بينهم حول قاسم مشترك للتلاقي والعمل من أجل وقف الحرب لأن غياب القوى السياسية من المشهد في هذه المرحلة من شأنه يساهم في تكرار التجارب الفاشلة للعسكر.الحراك السياسي الذي تشهد القاهرة وعواصم أخرى ينبغي أن يضع أسس لتجاوز تجارب المرحلة التي سبقت الحرب بتقيم شامل يركز على أمهات القضايا وليس المحاصصات وإغلاق الباب أمام العسكر بالعودة إلى الثكنات وإعادة بناء الجيش تطهيره من الإسلاميين جرثومة الحرب التي أعيت الوطن بالقتل والدمار. حماية الوطن من عسكرة الحياة تتطلب أيضاً حل كل الجيوش الأخرى ( جيوش الحركات المسلحة، الدعم السريع ومليشيات الإسلاميين كتائب البراء/ الدفاع الشعبي/ القوات الخاصة/ كتائب الظل) وهلم جرا.
لا جدال مطلقاً في أن العقل الجمعي للسودانيين يؤمن بأن استمرارالحرب اللعينة التي فرضتها فلول النظام البائد قسراً ستجعل السودان بؤرة من الجحيم حينما تتلاقى أطرافه المحترقة( دارفور ، كردفان ) في مركز الدائرة (الخرطوم ) الملتهبة بينران الحرب والفوضى والأحطر أنها مهددة بالقوة المميتة وهي الوسيلة التي يستخدمها فلول النظام للعودة للحكم على جماجم الموتى إلا أن هدفهم صعب المنال لأن المفاضلة نتيجتها حسمت برفض شعبي كبير لتجربة الإسلاميين في السودان وإن انتصروا على الدعم السريع ينتظرهم الشعب السوداني في الدور النهائي لهذه المعركة، لأن السودانييون ليس لهم استعداد للوقوع في شرك الإسلاميين للمرة الثانية بعد تجربة قاسية أخرجت فيها الحركة الإسلامية كل أثقالها من الشر الذي لا يعرف الحدود ولا تلجمه الأخلاق ،لا القيم ،لا الأديان ولا الاعراف .
ما يثير الخوف من أن تتمدد هذه الحرب وتضرب بعنف كل اجزاء الوطن . فكلما فُتح باب للسلام لإنهاء تراجيديا الحرب خرجت قيادات الإسلاميين من وزارة الخارجية ومؤسسة الجيش لتتسابق في اغلاقه بتصريحات تعكس المواقف الرافضة لوقف الحرب حتى الفريق شمس الدين الكباشي لم يسلم من عمصرية الإسلاميين حينما جنح إلى السلام بتصريح أعلن فيه رغبة الجيش في التفاوض. الشاهد أن كلمة الحرب تجمعهم تفرقهم وكلمة السلام لأنهم يعشقون الدم ويجيدون فن الأذى كالعقارب .
بعد مرور لأكثر من مائة يوم على الحرب هناك توجه عنصري قبل فلول النظام لتغيير وصف الحرب من حرب سياسية بين قائد القوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقائد الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو إلى وصفها بالحرب العنصرية التي يسوق لها النظام البائد وأبواقه من معاشي ضباط الجيش بتصريحات بإمكانها أن تدفع في هاوية الصراع الجهوي والعرقي في مرحلة أمنية خطيرة وذات تعقيدة كثيرة خلقت مواقف متابينة في المشهد السوداني الذي لا يتحمل الضرب على وتر العنصرية المبنية على أساس المناطق بالحديث عن أن عن معارك الدعم السريع ضد أبناء الوسط النيلي قي محاولة لاجترار مرارات الماضي بين أبناء الوسط النيلي وأبناء غرب السودان . الواقع يكذب هذا الوصف للحرب والشاهد أن كل السودانيين يدفعون فاتورة الصراع بين القائدين البرهان وحميدتي وحينما يقصف الجيش المدنيين بالطيران لم يميز بين منازل السودانيين ولم يقصف على أساس جهوي للمنازل أي لم يستهدف ابناء الغرب ويترك منازل ابناء الشمال وكذلك الدعم السريع حينما يستخدم مضادات الطيران والاسلحة الثقيلة لم يميز بين منازل أبناء الشمال وأبناء الغرب وإن كان لطرفي الصراع دوافع عتصرية من الصعوبة بمكان أن يخدث ذلك في عاصمة السودان التي تحتضن كل السودانيين . ضحايا جرائم الحرب التي ارتكبت من قبل الطرفين الدعم السريع والجيش هي ضد السودانيين من كل أجزاء السودان، والذين استولوا على منازل المواطنيين من منسوبي الدعم السريع أو غيرهم لم يميزوا بين بيوت السودانيين أي لم يحتلوا منازل أبناء الشمال ، و تركوا ابناء الغرب يعيشون في منازلهم آمنين، و الذين مارسوا علميات النهب والسرقة سواءً كانوا من منسوبي الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو(حميدتي )، أو منسوبي قوات حرس الحدود بقيادة موسى هلال أول زعيم للجنجويد ، أو من منسوبي قوات مالك عقار التي جاءت (فزع وصارت وجع ) ، أو المجرمين الذين خرجوا من السجون، أو ضعاف النفوس من المواطنيين كل هؤلاء من صانعي الفوضى لم يميزوا بين المنازل المدنيين أي كل البيوت والأعراض والممتلكات هي عرضة للانتهاك والنهب والسلب. مشهد الفوضى الخلاقة هذا لا يعطي مبرر للترويج للعنصرية التي ارتفع صوتها من قبل منسوبي النظام البائد في وقت يحتد فيه الحوار بالمدافع،والصواريخ ، قطعاً الاستجابة لهذا الخطاب العنصري سيزيد المعركة شراسة وقسوة مما يجعل تكرار تجربة الحرب في رواندا أمر متوقعاً في السودان ما لم يهزم غي فلول النظام البائد وضلالهم الذي يسيطر على عقولهم المريضة التي تصور لهم الصراع العنصري المتوهم بين أبناء الوطن الواحد في مرحلة يتمزق فيها ثوب الوطن . التروج للصراع بأنه عنصري حقيقة سيُعي الراتق من رتق الثوب الذي مزقته الحرب. .
أية محاولة لاستدعاء مرارات الماضي واسقاطها على واقع الحرب اليوم ستكون التكلفة عالية والثمن أغلى بكثير مما نتوقع. المجتمع المدني المستنير يدرك ضرورة تضميد الجراح واستعادة الوعي لمنع خطاب العنصرية والكراهية الذي يرويج له بعض الذين ينتمون إلى المؤسسة العسكرية أو المعاشين امثال الدكتور محمد خليل الصائم استاذ العلاقات الدولية والاستراتجية الذي بث خطاب الكراهية والتخوين في مقابلة مع قناة( الحدث) السعودية وقال إن الحرب الدائرة الآن تستهدف ( الجلابة )على حد قوله وذهب إلى أبعد من ذلك وقال إن بعض المنسوبين إلى الدعم السريع هددوا بالقيام بتصفية عرقية لقبائل الشمال والوسط النيلي ( الجلابة ) وهي كنيتهم كما ذكر، واستند الصائم في تصريحاته على العنصرية التي تخرج من مستنقعات وسائل التواصل الاجتماعي التي تضج بخطاب الكراهية والعنصرية من قبل المرضى المصابين بداء العنصرية من مناطق السودان المختلفة.. حقيقة ما يرد في وسائل التواصل الاجتماعي من حديث عنصري يعبر عن الشخص الذي يلعق من إناء العنصرية ولا ينبغى التعاطي مع حديثه على أنه موقف يعبر عن أهل أي منطقة من مناطق السودان أو قبيلة من القبائل ، وعنصرية بعض الأفراد ليست دليلاً على العنصرية كظاهرة في السودان لكي يستشهد بها البعض في القنوات الفضائية باعتبارها ظاهرة تسقط على أي منطقة من مناطق السودان وهذا السلوك قطعاً يثير الفتن التي من شأنها أن تخلق ردود أفعال خطيرة في المجتمع السوداني الذي ليس له القدرة على تحمل المزيد من الشتات . المرحلة تتطلب التركيز على وقف الحرب ورتق النسيج الاجتماعي وتضميد الجراحات .
المصدر: صحيفة التغيير