اخبار المغرب

ظاهرة حرق الكتب السماوية

الصادق العثمانيالجمعة 28 يوليوز 2023 08:39

الكُتب السماوية كثيرة ومتعددة وعددها بالضبط غير معلوم؛ لكن القرآن الكريم قد ذكر منها 5 كتب وهي: القرآن الكريم، الذي أُنزِل على محمّد صلّى الله عليه وسلّم، والتوراة التي أُنزِلت على موسى عليه السلام، والإنجيل الذي أُنزِل على عيسى عليه السلام، وزبور داود عليه السلام، وصُحف إبراهيم عليه السلام، ويلزم على المسلم الإيمان بها إجمالا، في حين أنّ ما ورد من الأحاديث بأنّ عدد الكُتب السماويّة يبلغ 104، فهذا في الحقيقة يحتاج إلى بحث دقيق؛ لأن الحديث الذي ورد فيه هذا العدد من الأنبياء لا يرقى لمستوى الصحة، وقد أكد لنا القرآن الكريم في أكثر من آية بأن هذه الكتب السماوية كالإنجيل والتوراة.. فيها الهدى والنور والموعظة يقول سبحانه وتعالى “وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ”. ويقول تعالى في حق التوراة “إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ”. علما أن الصحف السماوية هي جزء من الكتب السماوية، ممّا يعني أنه لا يوجد فرق بينهما، فكلاهما نزلا من الله سبحانه وتعالى، على أنبيائه ورسله وتضمّنا أحكامًا، ودليل ذلك، الأنبياء الذين تمّ ذكرهم في القرآن الكريم جاء معهم لفظ الكتب في بعض المواطن، وجاء معهم لفظ الصّحف في مواطن أخرى، وكلها تتعلّق بوحدانية الله تعالى، ودليل ذلك قوله تعالى “أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى، وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى، أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى”.

وقوله تعالى “قُل مَن أَنزَلَ الكِتابَ الَّذي جاءَ بِهِ موسى نورًا وَهُدًى لِلنّاسِ”، ولهذا فجميع الكتب أو الصحف السماوية التي أنزلها الله تعالى على أنبيائه، وعدم الإيمان بها كفر، والإيمان بها واجبٌ شرعي؛ فهي من أركان الإيمان الستة، وتلك سمة كبرى من سمات الدين الإسلامي في أنه يقيم جسور التواصل بطريقة متفردة ليحقق أسمى معاني التسامح الديني، لذا يزرع في عقول أتباعه ركيزة هامة من ركائز الفهم لهذا الدين، وهي أن الأديان السماوية كلها تستقي من معين واحد يقول سبحانه: “شرع لكم من الدين ما وصىّ به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه”. فمصدر الوحي إذن واحد، ولهذا وجب الإيمان بجميع الأنبياء والمرسلين مع الإيمان بالكتب التي أنزلت عليهم، فالمسلم الحقيقي يحمل الاحترام والحب الذي ليس له حدود لجميع أنبياء الله وكتبه ورسله، ذلك الإحساس الرائع الذي لم تشاركنا فيه ملة أخرى، وذلك بوحي من مبادئ الإسلام ونبي الإسلام القائل: “أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة” قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال “الأنبياء إخوة من علات وأمهاتهم شتى، ودينهم واحد فليس بيننا نبي”. وفي هذا السياق أقول:

ليس من الدين ولا من الأخلاق ولا من الذوق السليم ولا من الحرية في شيء، حرق الكتب المقدسة وتمزيقها وضربها بالأرجل تحت الأقدام؛ فكل من يقوم بهذا الفعل المشين فهو همجي بربري عنصري، لا يمكن اعتباره من أهل الإيمان والفكر والمعرفة والثقافة والحكمة؛ لأن هؤلاء يواجهون الكلمة بالكلمة، والفكرة بالفكرة، والشدة باللين.. يقول سبحانه “ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن، إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله، وهو أعلم بالمهتدين”.

فالرسول صلى الله عليه وسلم، كان واعيا بخطورة الاستهزاء والسخرية من الكتب المقدسة كالتوراة والإنجيل، فمنع الناس من فعل ذلك، وقد جاء في سنن أبي داوود في الحديث (4449) أن رسول الله ﷺ وضعت له وسادة فجلس عليها ثم قال: “بالتوراة” فأتي بها فنزع الوسادة من تحته فوضع عليها التوراة ثم قال: “آمنت بك وبمن أنزلك”. ووضعها ﷺ على الوسادة تعظيما لها وتكريما للنبي الذي أنزلت عليه وهو سيدنا موسى عليه السلام، ولما تتضمنه من الحق كذلك وإن طال بعضها شيء من التأويل أو التحريف؛ لكن يبقى أن فيها شيئا من كلام الله تعالى؛ لهذا من حق أي مسلم مؤمن أن يغضب ويستنكر ويندد في حال تم حرق بعض النسخ من القرآن الكريم، وأن يتظاهر سلميا وأن يعرف بكتابه الذي آمن به بالحكمة والموعظة الحسنة، كما ينبغي عليه فعل ذلك في حرق التوراة أو الإنجيل أو أي صحيفة من صحف إبراهيم وموسى.. فشريعة الإسلام واضحة وضوح الشمس في ما يتعلق بالكتب السماوية المنزلة على أنبياء الله ورسله؛ بحيث اعتبرت الإيمان بهم والإقرار بكتبهم من أركان الإيمان في الإسلام، وعليه فكل مسلم لا يؤمن بالكتب السماوية فهو غير مسلم.

النشرة الإخبارية

اشترك الآن في النشرة البريدية لجريدة هسبريس، لتصلك آخر الأخبار يوميا

يرجى التحقق من البريد الإلكتروني

لإتمام عملية الاشتراك .. اتبع الخطوات المذكورة في البريد الإلكتروني لتأكيد الاشتراك.

لا يمكن إضافة هذا البريد الإلكتروني إلى هذه القائمة. الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني مختلف.>

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *