مركز “ستارت غيت” في بنجرير يقود قاطرة مواكبة المقاولات الناشئة بالمغرب
في فضاء فسيح يمتد على 3 آلاف متر مربع، يسعى مركز “ستارت غيت” (STARTGATE)، التابع لجامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية (UM6P)، إلى مواكبة أكبر عدد من المشاريع والمقاولات الناشئة، ليس فقط في المغرب بل أيضا على مستوى القارة الإفريقية.
هذا الفضاء، الذي يوجد بالقرب من الجامعة بمدينة بنجرير، يضع رهن إشارة الشباب الموهوب كل الشروط الضرورية لصقل معارفهم وتطوير أفكارهم وتطبيقها على أرض الواقع وضمان أن تنجح إلى أبعد الحدود بما يُسهم في التحول من مقاولات ناشئة صغيرة إلى شركات كبرى تُحدث تغييرا في العالم.
الفضاء الفريد من نوعه يتيح مكانا للعمل الجماعي (coworking) ببنية تحتية ذات معايير عالمية لتنظيم ورشات التشبيك والتواصل والعمل؛ فهو عبارة عن حرم جامعي صُمم خصيصا لتزويد رواد الأعمال الشباب ببيئة مواتية تعزز إبداعهم وتحفز روح الابتكار لديهم.
حصيلة ثلاث سنوات
ساهم مركز”STARTGATE” ، منذ إطلاقه في مارس 2020 وإلى حدود اليوم، في مواكبة أكثر من 600 مشروع مقاولاتي ومقاولة ناشئة. كما نجح المركز في خلق شراكات استراتيجية مع مؤسسات عمومية وشركات كبرى ومؤسسات دولية؛ وهو ما أثمر إطلاق عدد من المشاريع المبتكرة، التي سرعت التحول في عدد من القطاعات الإنتاجية.
سارة شريف دوزان، مسؤولة عن “STARTGATE” بجامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية، قالت، في تصريح لهسبريس، إن المركز واكب، طيلة 3 سنوات من العمل، أكثر 624 حامل مشروع ومقاولة ناشئة في عشرين قطاعا متنوعا من أكثر من 15 دولة إفريقية.
أطلق المركز عددا من البرامج الخاصة بالمواكبة منها “Explorer” و”Entrepreneur Academy” و”UFounders”، كما تم مد جسور التعاون مع شركاء آخرين مثل حاضنة الشركات الناشئة في قطاع التجارة بالتجزئة “Moroccan Retail Tech Builder” ؛ وهو ثمرة شراكة بين جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية ووزارة الصناعة والتجارة ومؤسسة المكتب الشريف للفوسفاط، إضافة إلى برنامج باسم “Plug and Play”.
أشارت شريف دوزان إلى أن رؤية مركز “ستارت غيت” تقوم على توفير مركز إفريقي للابتكار من خلال منظومة متكاملة لدعم المبادرة المقاولاتية، وهذا يتحقق من عدد من نقاط القوة؛ على رأسها الوصول إلى المنظومة التي تقدمها جامعة UM6P من بنيات تحتية وخدمات ومواهب إضافة إلى التجربة المتراكمة في عدد من المجالات.
مواكبة من البداية إلى النهاية
تجربة 3 سنوات من العمل جعلت المسؤولة عن المركز تؤكد أن المقاولات الناشئة تحتاج بالأساس مواكبة في المراحل الأولى وأيضا في مراحل النضج التي تتطلب تسريعا وولوجا إلى الأسواق لجذب الاستثمارات، أي المواكبة في البداية ثم النهاية؛ وذلك يتحقق في هذا المركز من خلال البرامج التي تم إطلاقها طيلة السنوات الماضية.
وصال بنطالب، مسؤولة التواصل والعلاقات العامة في برنامج “Plug and Play Morocco”، قالت إن البرنامج يساعد المقاولات الناشئة على الوصول إلى الأسواق من خلال الإرشاد والتشبيك والوصول إلى رؤوس الأموال.
منصة “Plug and Play” عبارة عن شبكة عالمية للابتكار ومواكبة المقاولات الناشئة من خلال عدد من الشركاء والمستثمرين في مختلف القارات، وكثيرا ما تستثمر المنصة في المقاولات الناشئة في مركز “ستارت غيت” أو تقوم بمهمة الربط بينها والمستثمرين المهتمين.
تتكون هذه المنصة من 50 ألف شركة ناشئة عبر العالم، وأكثر من 500 شركة عالمية رائدة ومئات من شركات رأس المال الاستثماري والجامعات والوكالات الحكومية في صناعات متعددة، وتقوم بإنشاء تعاون وثيقة يوفر منظومة فريدة لتطوير وتنفيذ تقنيات وحلول المستقبل.
سليم المراسي، مؤسس مشارك للمنصة الرقمية “Jobop” المتخصصة في العمل المؤقت، قال إن مقاولته نجحت في الحصول على تمويل بحوالي 10 ملايين درهم لدى صندوق “آزور للابتكار” واستفادت من مرحلة تسريع داخل “ستارت غيت” عبر برنامج “Plug and Play” الذي استثمر هو الآخر فيها 50 ألف دولار.
وتوفر منصة “Jobop” عامل المرونة للشركات التي تبحث عن عمال مؤقتين، كما تضع رهن إشارة الباحثين عن العمل فرصا متعددة. وقد وصل عدد المسجلين في المنصة إلى حوالي 8 آلاف شخص في تخصصات مهنية عديدة.
وأكد المراسي أن فكرة منصته تلقى نجاحا كبيرا في عدد من الدول؛ منها تجربة منصة “Jobandtalent” في إسبانيا التي نجحت في جمع استثمارات بأكثر من 1 مليار دولار وتشتغل في 7 دول عبر العالم، إضافة إلى تجارب ناجحة أخرى في أمريكا وبريطانيا.
نماذج مبتكرة
نموذج آخر من المقاولات الناشئة المستفيدة من المواكبة هي “DeepLeaf” التي تقدم نفسها كمختبر تعليمي دقيق يركز على الاستفادة من تقنية الذكاء الاصطناعي بهدف إحداث ثورة في الطريقة التي يزرع بها الفلاحون المغاربة.
قال شرف حميدي، مهندس بيانات الذكاء الاصطناعي في هذه المقاولة، إن المنتجات توفرها متعددة؛ أولها عبارة عن روبوت دردشة يُمكن للفلاحين أن يسألوه بخصوص الأمراض التي تصيب محاصيلهم والحصول على إجابات فورية، وبالتالي تحسين زراعتهم والرفع من المردودية بفضل التدخل السريع للمعالجة.
المقاولة الناشئة، التي أحدثها طلبة ما زالوا يتابعون دراستهم بجامعة محمد السادس متعدد التخصصات التقنية، طورت أيضا روبوت متحركا باسم “Agrigo” مزودا بثلاث كاميرات تقوم مهمته على التقاط صور المحاصيل وتحديد الأمراض التي تصيبها.
تُبدي فاطمة الزهراء أبداد، مديرة التسويق والاتصالات، امتنانها الكبير لمركز “ستارت غيت” بفضله تمكنت المقاولة الناشئة من الاستفادة من برامج عديدة للمواكبة، كما أتيحت لها للوصول إلى ورشة العمل “FABLAB” التابعة لجامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية لتصميم “الروبوت” ووضعه رهن إشارة الفلاحين.
مبادرات وشراكات وترويج
لا تنحصر مهمة “ستارت غيت” في استهداف المشاريع المقاولاتية بالمغرب؛ بل تتطلع أكثر نحو الدول الإفريقية، خصوصا أن بروز مقاولات ناشئة في القارة الإفريقية لا يزال محتشما إلا في بعض الدول مثل مصر ونيجيريا وكينيا.
إسماعيل فرجية، مُنسق مبادرة الشباب الأفريقي حول التغيرات المناخية بمؤسسة محمد السادس للبيئة، قال، في تصريح لهسبريس، إن المؤسسة أطلقت مع “ستارت غيت” برنامجا لمواكبة المقاولات الناشئة على الصعيد الإفريقي في مختلف مراحل تطويرها.
وذكر فرجية أن “المبادرة تقوم باحتضان هذه المقاولات لمدة تصل إلى 6 أشهر، وقد استفادت من النسخة الأولى عشرة مشاريع إفريقية من 9 دول ونجحت فيما بعد في تحقيق رقم معاملات إجمالي يناهز 100 ألف دولار.
عمل مركز “ستارت غيت” له آثار إيجابية عديدة، فبالإضافة إلى مواكبة المقاولات الناشئة، فإن ما تقوم به يساهم في توظيف عدد من المواهب المغربية في مجالات جديدة. كما يسفر عملها أيضا عن جذب الاستثمارات إلى المغرب؛ وبالتالي خلق دينامية في المنظومة المقاولاتية.
نجاح تجربة “ستارت غيت” مثال حي على الإمكانيات التي يزخر بها الشباب وقدراتهم في مجال المقاولات الناشئة خصوصا؛ وهو ما يستلزم دفعة قوية من خلال تحيين المنظومة القانونية لتوفير المرونة اللازمة لتتدفق الاستثمارات الأجنبية بدون تعقيدات، ومن ثمّ خلق فرص شغل ذات قيمة مضافة عالية.
المصدر: هسبريس