دولة 56 فرية العقل الخامل
دولة 56 فرية العقل الخامل
زين العابدين صالح عبد الرحمن
يقول برهان غليون في كتابه (مجتمع النخبة) يقول “المطلوب هو دائماً إحداث قفزة في الفكر الخامل تنقله من حالة العجز إلى حالة القوة والحيوية والنشاط. أي المطلوب دائماً هو تغيير العقل وهذا يعني تغيير مفاهيم الناس القديمة البالية واستبدالها بمفاهيم جديدة صالحة للعصر الجديد”.
إن الانتقادات التي وجهت لدولة 56 من قبل بعض المجموعات التي تبنت البندقية كأداة لتحقيق أهدافها، انتقادات واهية لا تحمل أي أفكار تعالج أو تتجاوز طبيعة الدولة التي تحققت. والنقد هنا ليس للدولة باعتبارها أداة غير فاعلة، إنما يقدم لنقد النخب السياسية التي حققت الاستقلال، والتي لم تحكم إلا فترات قصيرة، فكانت الغلبة إلى المؤسسة العسكرية.
العناصر الناقدة للمصطلح عجزت أن تؤسس لرؤية فكرية، تفند من خلالها مثالب الدولة، أو تقدم رؤية بديلة لها، لكنها جعلت من المقولة مصطلح عصي على التعريف، وهو يتغير ويتبدل حسب الظرف، ووضع العناصر في سلم السلطة، يصعد المصطلح عندما تجد هذه العناصر التي تستخدمه صداً من السلطة الحاكمة، ولم تلتفت لحركتها أو تعيرها اهتماماً فيزداد الصياح، ويخفت تماماً عندما تجلس هذه العناصر على مائدة تفاوض وتحصل على بعض المكاسب للقيادات في الحركة، وهنا يغيب المصطلح مع نشوة السلطة والوظيفة.
لا نذهب كثيراً عندما أعلنت مليشيا الدعم السريع تمردها على الجيش، واقتنعت بفكرة استلام السلطة رفعت شعار (الديمقراطية) إنها تحارب من أجل الديمقراطية، وفجأة تبدل الشعار عندما فشلت في استلام السلطة، بدأت تتحدث بعض عناصرها ذوي ثقافة اليسار المرتبك الحديث عن (هدم دولة 56 ) الأمر الذي يؤكد أن المليشيا لا تملك أي وعي سياسي يؤهلها أن تقدم رؤية فكرية. ولم تؤسس المليشيا بأنها حركة إصلاح سياسي بل هي مليشيا تم تكوينها لقمع القوى الديمقراطية، وقد وضح في مسارها منذ التكوين حتى اليوم.
ننظر لتجربة أخرى: هي الحركة الشعبية لتحرير السودان، وإذا نظرنا لكل الأدب السياسي الذي تم إنتاجه من 1983 إلى 2011م وأيضاً إنتاج مصطلحات (دولة 56) والتي استخدمها الدكتور جون قرنق في مسيرته التاريخية، لم يكن لها أي نعكاسات إيجابية بعد الانفصال. نسيت النخبة التي فصلت الجنوب وكونت دولتها كل الشعارات التي كانت ترددها قبل الانفصال وتجاوزت بها مفاهيم (دولة 56) بل قادت بلدها إلى حروب أشرس من الحرب التي كانت تخوضها في الدولة الأم، فشلت القيادات التي ذهبت مع دولة الجنوب المستقلة أن تؤسس دولة ديمقراطية تحترم القانون، وتحترم حق القوى السياسية الأخرى في النشاط السياسي والمشاركة في السلطة وأصبح هناك حاكم واحد يدين له الكل بالولاء، نسيت حتى مصطلح الديمقراطية التي كانت ترددها ليل نهار، وظلت مجموعة سلفا كير (الحركة الشعبية) تحكم البلاد بالمؤسسات القمعية، وسقطت كل المقولات التي كانت ترددها تلك المجموعة ضد (دولة 56) لأن المصطلح نفسه لم يؤسس على الفكر، بل اتخذ كشعار عند الطلب. وأيضاً فشلت العناصر التي احتفظت بالأسم في الشمال أن تقدم نقداً للتجربة وتبين للشعب لماذا انحرفت الحركة نحو الانفصال، واحد فقط خاض في ذلك هو الدكتور الواثق كمير، أما البقية ماتزال تراهن على الشعار تحمّل الإسلاميين وحدهم وزر الانفصال وعدم تطبيق الديمقراطية في دولة جنوب السودان. فالعقل الذي يستخدم الشعار هو عقل خامل يعجز أن ينقده ويقدم البديل.
انظروا لواقع الحركات التي حاولت أن تجمع شعار (دولة 56) بشعار (مخاطبة جذور المشكلة) كلها شعارات تحاول قيادات الحركات أن تجمل بها نفسها. أنظر لواقع الحركات بعد اتفاق جوبا نسيت الشعارات وأصبح همها فقط السلطة (الوظيفة) ولم تقدم أي شيء إلى سكان دارفور، وخاصةً الذين يعانون قسوة الحياة في الملاجيء وأماكن النزوح. وعندما بدأت الحرب قالت قيادات الحركات إنهم في الحياد. فهمنا موقفكم في الحياد بين الجيش والمليشيا، هل أنتم أيضاً في الحياد عندما تنتهك حرمات المواطنين في زالنجي والجنينة وكتم وغيرها من حروب التطهير العرقي وقتل المواطنين وهم هاربين من ويلات الحرب.
هذا هو العقل الذي يدير الأزمات يتقلب ويتلون بمقتضى المصالح. فالعقل السياسي عقل خامل غير منتج لا للثقافة ولا للأفكار، لذلك لا يستطيع أن يستفيد من التجارب الماضية، يريد أن يمارس ذات الفعل السياسي بذات أدوات الفشل وينتظر النجاح. نسأل الله حسن البصيرة.
المصدر: صحيفة التغيير