اخبار السودان

حمور زيادة يكتب عن: حقيقة حرق الدار السودانية للكتب

حمور زيادة

حمور زيادة

رغم الفيديو الذي بثه الجنجويد من داخل وأمام “دار الكتب السودانية” كما اسماها الجنجويدي، وهو يقصد “الدار السودانية للكتب”، لم اتعجل بالتصديق انها بخير. تريثت مثلما تريثت عندما اعلنت ابنة الراحل مكاوي ان خبر حرق الدار قد وصلهم. لكن يبدو بعد كل هذا الوقت انها لم تحترق ولله الحمد.
يظهر ان الخبر كان شائعة مثل خبر قصف القصر الجمهوري القديم. ولا اعرف هل خبر حرق دار الوثائق القومية الذي انتشر قبل اسابيع حقيقي أم لا.
لكن ان نجت الدار السودانية فقد أحرق الجنجويد مكتبات اخرى، مثل مكتبة مركز محمد عمر بشير بالأهلية، ومكتبة جامعة الأحفاد. ومن يرق الدماء وينهب ويغتصب، لا يتعفف أمام الكتب.
لكن ما لفت نظري في هذه الشائعة هو أن أشخاصاً بعينهم من جماعة “بل بس” اهتموا بها، وتحسروا على حرق المكتبة العريقة، رغم ان كتاباتهم قبل اسابيع في تتفيه الاهتمام بقصف القصر الجمهوري لازالت موجودة.
احدهم ارسل الىّ ساخراً من انزعاجي بقصف المبنى الأثري، وقال لي “عندك فيهو غرفة؟”
تبدو تلك حالة نموذجية لاستخدام الاخبار لتعزيز الموقف.
فداعم الجيش لا ينشر الا الاضرار التي يسببها الجنجويد.
وداعم الجنجويد لا ينشر الا الاضرار التي يسببها الجيش.
ويتضجر الاثنان من ذكر أي انتهاك ارتكبه من “يشجعه”.
يمكن أن نستنتج بسهولة أن هناك أناس لا تهمهم الجريمة، بقدر ما يهمهم ان يستخدموها في نصرة موقفهم.
فلو ظهر خبر ان “س” قصف او حرق مسجد النيلين مثلاً، سيطير مؤيدو “ص” بالخبر. فاذا ظهر أن “ص” هو من فعل ذلك، سينقلبون فوراً ليقولوا لنا “انتو صلاة ما بتصلوا، مالكم ومال مسجد النيلين؟”.
في اليومين الماضيين قرأت كتابات لمؤيدي الجنجويد ترد على اتهامات بارتكاب جرائم في احياء بعينها. كانت الردود من نوع “مش قلتو الجيش مسيطر، طيب احنا الجابنا الحي ده شنو؟”. وهو ليس نفياً ولا حجة، انما مجرد رد “لديح”.
فوجئت ان بعض من احسن الظن بعقولهم يؤيدون الجنجويد ويردون بهذا الشكل الملتوي! فادركت كيف أن العصبية العوجاء تتلف الرزانة والموضوعية.
أزمة كبيرة أن يتعامل الناس مع الحرب بمنطق تشجيع كرة القدم، والرغبة في الانتصار في نقاش، و”ردم” المخالف. كأن هذه الحرب لا يموت فيها ناس، ولا يتضرر منها ناس. هي مجرد موضوع نزاع لطيف على فيس بوك.
في الاسبوع الثالث للحرب أرسل احدهم رسالة فرحة لعدد من اسرته ان الطيران يقصف الان الحي الفلاني. ردت عليه احدى قريباته انها وبناتها في ذلك الحي، وانهن يتوقعن الموت. لم يرد صاحبنا. فالأمر بالنسبة له مجرد خبر لتعزيز الموقف. لا يهمه من يعاني.
هل يعني ذلك أني اريد من الناس ألا تؤيد أحد الطرفين؟ الحقيقة ان الأمر لو كان بيدي لتمنيت ذلك. لكن ليس هذا ما اريده. انما اريد أن لا ينسى الناس انها حرب حقيقية وليس “غلاط نت”. وان الضحايا والخسائر ليسو حججاً للنقاش.
وأنتم تهللون للحرب تذكروا، ولو للحظة، من يعانون منها.
لكنها أمنيات اعلم انها لن تتحقق. فنحن قوم يهمنا نصرة موقفنا ورأينا، أكثر مما يهمنا الناس وعذاباتهم.
حماك الله ايها القارئ من ويلات هذه الحرب، وحمى أحبابك.

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *