هجرة الرّسول صلى الله عليه وسلم
الهجرة النبوية من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة تعدّ أهم حدث في تاريخ المسلمين؛ حيث كانت أساسا ومنطلقا لقيام الدولة الإسلامية، وتمكنت من خلاله من توسيع دائرة الدعوة الإسلامية، على اعتبار أن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم رسالة عالمية.
روى ابن اسحاق أن خروج الرسول من بيته مهاجرا إلى المدينة المنورة كان في ليلة الجمعة الموافق للسابع والعشرين من شهر صفر من السنة الرابعة عشر بعد البعثة، وقد أورد المباركفوري هذا القول في كتابه “الرحيق المختوم”، وبنى قوله هذا على كون السنة تبدأ من شهر محرم، وهو بهذا القول لا يخالف ما ذكره أهل السير من أنّ الهجرة كانت في العام 13هـ.
والأسباب التي دعت المسلمين إلى الهجرة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة تتمثل في إيذاء المشركين للمسلمين؛ بعد أن اشتد أذى المشركين على المسلمين، خاصة ضعافهم، كآل ياسر، وبلال بن رباح، بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسلم من أذيتهم، حتى جاء أبو بكر الصديق رضي الله عنه في إحدى المرات يدافع عن النبي حتى انهال عليه نفر من مشركي قريش ضربا فأغمي عليه، وهو يقول: “أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله”.
كما أن حصار قريش للمسلمين، وبالأخص بني هاشم في شعب أبي طالب، ووضعهم بنود المقاطعة على وثيقة، وعلقوها على ستار الكعبة المشرفة، فكان مجمل بنودها مقاطعة المسلمين ماديا ومعنويا، ودامت ثلاث سنوات، إلى جانب تآمر المشركين على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد عقدوا اجتماعا لهم ليكيدوا للخلاص من النبي عليه الصلاة والسلام، فاختلفت الآراء ما بين نفي وحبس، واستقروا على أن يتم اختيار عشرة رجال من كل قبيلة؛ ليشتركوا في قتل رسول الله فيتفرق دمه بين القبائل، فلا تستطيع بني هاشم مواجهتها جميعا.
لقد ساعدت الهجرة النبوية على انتشار الإسلام وتفشي ظاهرة التكافل الاجتماعي بين المهاجرين والأنصار، حيث آخى بينهم النبي صلى الله عليه وسلم، ونظّم العلاقات بين المسلمين واليهود، فكتب كتابا قرر فيه الحقوق والواجبات لكل شعب المدينة المنورة. وقيامه عليه السلام ببناء المسجد النبوي؛ وكان بمثابة منبر إعلامي وإشعاع فكري بالنسبة للمسلمين، وكان مقرا للشورى. كما قرر الرسول بناء الاقتصاد الإسلامي، من خلال تنظيم سوق المدينة وتصويبه بسبب سيطرة اليهود عليه من خلال الاحتكار والربا. إلى جانب تكوين النبي الكريم لجيش إسلامي، وذلك لمحاربة أعداء الدين الإسلامي.
وقد اضطر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخروج من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة كارها، ليكمل دعوته إلى رسالة الإسلام، حيث تذكر كتب السير أنه عليه الصلاة والسلام التفت لمكة قائلا بأنها أحب البلاد إلى الله وإليه عليه الصلاة والسلام، ولولا قريش لما خرج منها، لكنه صلى الله عليه وسلم عاد إليها فاتحا، ودخل الناس في دين الله أفواجا.