اخبار

“كابوس الحرب الأهلية” يتصدر المشهد في “إسرائيل”

يدخل “الانقلاب القضائي” الإسرائيلي شهره السابع، وسط تظاهرات واحتجاجات من المعارضة بدأت تتخذ وسائل خشنة، وتنامٍ للتحذيرات الداخلية من تدهور هذا الاستقطاب إلى “كابوس الحرب الأهلية” في إسرائيل و”تفكك الدولة”.

“الحرب الأهلية”، بات المصطلح الأكثر تداولاً في وسائل الإعلام والمراكز البحثية والتصريحات السياسية في إسرائيل على مدار الساعة، إلى جانب سواه من مفردات غير معهودة مثل: “الفوضى، وانهيار الدولة”.

مع دخول الاحتجاجات الإسرائيلية على الانقلاب القضائي لحكومة اليمين أسبوعها التاسع والعشرين، تزداد حدة الاستقطابات السياسية والحزبية، وسط انتشار لافت لمفردات واتهامات بين الإسرائيليين، لم تكُن سائدة في سنوات وعقود سابقة.

يتخوف الإسرائيليون من تحقق نبوءة الرئيس السابق رؤوفين ريفلين، قبل سنوات عدة، حين حذر بأن “نتنياهو سيأخذ الدولة معه إذا سقط”.

وأضاف: “صحيح أن إسرائيل قد تكون بعيدة عن حرب أهلية حقيقية الآن، لكن المسافة تتضاءل مع مرور كل يوم”.

تحذيرات السياسيين من الحرب الأهلية في إسرائيل
تركز وسائل الإعلام والمراكز البحثية والتصريحات السياسية الصادرة عن أقطاب الساحة الحزبية الإسرائيلية، على التحذيرات من الوقوع فيما لا تحمد عقباه من كابوس الحرب الأهلية في إسرائيل، وأن الدولة تقفز بخطوات متسارعة نحو حدوث ما لم تشهده منذ قيامها قبل أكثر من سبعة عقود، من خلال الدعوات المتزايدة بالنزول للشوارع، وتهديد الوزراء اليمينيين باعتقال المتظاهرين المعارضين للحكومة، وإمكانية استخدام العنف ضدهم، وصولاً لدعوة المعارضة بإعلان العصيان المدني، دون أن يعرف الإسرائيليون أين وكيف ستنتهي هذه الأزمة السياسية المتفاقمة، بحسب صحيفة “معاريف”.

ذكر كذلك وزير الأمن السابق بيني غانتس، وفق ما نقلته عنه القناة 13 العبرية، أنه “يخشى اندلاع حرب أهلية في إسرائيل، لأن المجتمع يتفكك من الداخل”.

وأضاف: “أخشى أن تقع حرب أهلية هنا. لا أحد يريد ذلك، لكن التدهور على منحدر سلبي، بالإضافة إلى أن خطر حدوث حرب أهلية يتزايد، وهذه ليست نبوءات نابعة عن غضب، وإنما عن كلام واقعي. أنا أعيش داخل الدولة، وأرى كيف نتفكك”.

أما الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، فأكد أن “من يعتقد أن حرباً أهلية حقيقية حدّ لن نصل إليه، فهو لا يفهم، لأن الأسابيع الماضية مزّقتنا، وأضرّت بالاقتصاد والأمن والمجتمع والعلاقات السياسية”.

وتابع: “لقد سمعت خطاباً مروعاً، كراهية حقيقية. الإسرائيليون لم يعد الدم في الشوارع يصدمهم،  نحن في وضع سيئ.. سيئ جداً، الصراع الداخلي يمزقنا”.

أما الجنرال الإسرائيلي يائير غولان عضو حزب “ميرتس” السابق، فحرّض بحسب صحيفة “معاريف”، على أن “هناك طريقة واحدة فقط ضد حكومة “الحقد والشر” الحالية، وهي إعلان الانتفاضات الأهلية، لأنها تدمّر نظام القضاء، وهي حكومة “خبيثة وشرّيرة”، ولا مزيد معها من المظاهرات المهذبة، لا مزيد من المنشورات الهاربة في المساء، ولا مزيد من الرثاء والبكاء، فقط الأفعال والنتائج فقط”.

وقال: “سيتم إغلاق الخدمات والطرق، ومن يدّعون أنهم يحكمون من خلال الفاسدين والمتطرفين والظلاميين سيكتشفون أن الشعب الإسرائيلي صاحب السيادة”.

عضو الكنيست ماتان كاهانا من المعسكر الوطني المعارض، حذّر من تعبيرات الحرب الأهلية في إسرائيل، وقال: “ويل لنا إذا انجررنا لتلك الحالة، ولا يجب أن يُسمح لأحد بالاقتراب من هذه المنطقة على الإطلاق”، على حدّ وصفه.

الجنرال يوم توف ساميه، بدوره أصدر كتاباً قبل أسابيع بعنوان “الوحدة أو الموت”، رصد فيه أهم مؤشرات بدء الحرب الأهلية في إسرائيل، باعتبارها كرة ثلج تتدحرج، وقد تتحول في أي لحظة إلى “كرة نارية”.

وقال إنها “ستكون إشارة لبدء حرب أهلية، لأن الأزمة الحالية التي تشكل خطراً على الدولة، هي الأكثر حدة من سابقاتها، لأنها تحمل بذور انقسامات في المجتمع الإسرائيلي إلى حدّ التهديد الوجودي للدولة”.

مخاوف الجمهور الإسرائيلي
لم تقتصر التحذيرات الإسرائيلية من سيناريو الحرب الأهلية على المستويات السياسية والحزبية والأمنية، بل إنها امتدت إلى الأصعدة الإعلامية والثقافية والاقتصادية، التي بات لديها اعتقاد بأن “قطاعات سكانية واسعة يسودها الاغتراب والبغضاء، كل منها يعمل باستقلالية وانفصال، مع بوادر تحذيرية، مع اتساع رقعة الانقسام والكراهية والتحريض”. 

بحسب صحيفة “معاريف”، فإنه “بدلاً من إطفاء النار المشتعلة، ووضع حدّ لنقاط الانهيار، فقد فضّلت القيادة الإسرائيلية اتباع مسار شقّ المجتمع، وبات شعار الحرب الأهلية طاغياً على النقاشات، لأنها باتت موجودة بالفعل. صحيح أنها لا تزال هادئة نسبياً، لكنها تتصاعد يومياً دون عوائق، عندما لا يوقف أحد هذا الجنون”.

محافل إسرائيلية تحمّل نتنياهو مسؤولية ما يحدث، بأنه من خلال تحريضه المتزايد على خصومه، يقرّب إسرائيل عدة خطوات من حرب أهلية، بحسب ما نقله موقع “المونيتور” الأمريكي.

وأضافت أن ما يقوم به نتنياهو “يجعل تماسك اليهود في حالة تآكل في السنوات الأخيرة، ليحل محله هوّة داخلية دموية تغذيها الكراهية الشريرة الخارجة عن نطاق السيطرة، بل إن التقدير السائد يرى أن إسرائيل نادراً ما كانت قريبة جداً من صدام داخلي عنيف، وربما حتى من حرب أهلية، مثل الظروف الحالية”.

دخول الانقلاب القضائي شهره السابع شهد مزيداً من المطالبات الإسرائيلية بوقف الحرب الأهلية، وإلا فإن الأيام القادمة ستكون صعبة وقاسية، وستقود الدولة إلى نقطة الهلاك؛ لأن تهديدها الداخلي بات وجودياً، وفق موقع “makorrishon”.

شخصيات اقتصادية بارزة تحدثت لموقع “calcalist” العبري، لم تترد في القول إنه في حال إقرار التغييرات القضائية، فإن حرباً أهلية ستندلع في إسرائيل، وحينها لن يكونوا مهتمين بالبقاء فيها، بل سيغادرونها، لأنها تخلّت عنهم، ولن يكون لديهم سبب للبقاء فيها، على اعتبار أن هذه الحرب الأهلية في إسرائيل أصبحت اليوم أقرب من أي وقت مضى.

مع استمرار نتنياهو في إقرار تشريعاته القضائية، وصلت نقاشات الإسرائيليين في الأسابيع الماضية إلى حد تناول كيفية اندلاع الحرب الأهلية بينهم، ومن سينتصر فيها، وإلى أي جانب ينحاز الجيش والأجهزة الأمنية، في ضوء من يحكمها من مجموعة “القتلة المدججين بالسلاح والمتعصبين والشوفينيين والمرضى النفسيين”، على حد تعبير إسرائيليين، وفقاً لما نقلته صحيفة “هآرتس”.

حتى إن أستاذ الدراسات المستقبلية البروفيسور ديفيد باسيج، دأب على تقديم سلسلة من الحلقات التلفزيونية المثيرة من 7 أجزاء حول سيناريو تحقق الحرب الأهلية في إسرائيل، واضعاً الأسباب والدوافع، ومستشرفاً الأشكال المتوقعة منها، ومقترحاً على الإسرائيليين كيفية التصرف فيما لو وقع هذا الاحتمال الذي يقترب أكثر فأكثر مع مرور الوقت، عقب تحول مصطلح “الحرب الأهلية” ليصبح الأكثر شيوعاً في الخطاب الإسرائيلي اليوم، تعبيراً عن قلق هائل وغير مسبوق، مما دفع بسياسيين ورؤساء مخابرات سابقين، أبرزهم يوفال ديسكين، لقرع أجراس التحذير منها.

استطلاعات مقلقة
ما يعزز المخاوف الإسرائيلية من تحقق كابوس الحرب الأهلية، ما نشره معهد الديمقراطية الإسرائيلي من نتائج استطلاع للرأي في مارس/آذار 2023، وجد أن ثلث المستجيبين بنسبة 31% يعتقدون أن حرباً أهلية عنيفة من المرجح أن تندلع مع أحزاب اليمين، و28% اعتبروا أن هذه الحرب ستندلع مع قوات الأمن.

إلى جانب ذلك تظهر الحرب الكلامية، إذ يقارن المتظاهرون الحكومة بالنازيين، ويضعون ملصقات الجيش النازي على صور وزرائها، فيما يتهم نتنياهو خصومه بأنهم “فوضويون”.

كما كشفت دراسة لمعهد سياسة الشعب اليهودي عن تسجيل قفزة بنسبة 9000% في استخدام هاشتاغ “الحرب الأهلية” “#מלחמת_אחים، على “تويتر”، المنصة المفضلة في إسرائيل.

أكثر من ذلك، فإن نشطاء مواقع التواصل الإسرائيليين باتوا يتهيأون عبر تغريداتهم، للشكل المتوقع لكيفية اندلاع هذه الحرب، وماذا سيرتدي كل فريق، وماذا سيحمل من أسلحة، بعد أن باتت مطروحة على الطاولة، عقب تحول الفجوة بين المعسكرات السياسية إلى أعمال شغب حقيقية، ًللمواجهة الجسدية.

الاغتيال السياسي
فضلاً عن التظاهرات الواسعة التي تعمّ الإسرائيليين، وما قد تسفر عنه من اندلاع اشتباكات ميدانية، فإنه يمكن استحضار سيناريو “الاغتيال السياسي” الذي سيشكّل قفزة خطيرة في الاستقطاب الحزبي، ويحرق مراحل زمنية وصولاً لكابوس الحرب الأهلية، مع استعادة الإسرائيليين للدور التحريضي الذي مارسه نتنياهو على رابين، حين وقف على الشرفات والميادين أمام الآلاف الذين صاحوا “الموت لرابين”، حتى وصل الناشط اليميني المتطرف يغآل عامير لإطلاق الرصاص عليه في نوفمبر/تشرين الثاني 1995.

بات وقوع مثل هذا الاغتيال السياسي الجديد احتمالاً متزايداً يحذر منه إسرائيليون، عقب اعتقال الشرطة والأمن لعدد من ناشطي اليمين واليسار، الذين خططوا لاستهداف قادة بارزين في المعسكرين.

يزداد هذا الاحتمال مع تجول ناشطي الليكود بقمصان عليها عبارة “اليساريون خونة”، فيما يغرد نجل نتنياهو باستمرار ضد المعارضة، ويتهمهم بتشكيل تهديد وجودي على الدولة، “ما يجعل المناخ الحالي أسوأ بكثير مما كان عشية اغتيال رابين، لأن عملية التفكك الداخلي تتسارع بشكل كبير، ولم يعُد الانقسام بين اليسار واليمين، بل أخطر من ذلك بكثير، كما يتوقع أفنير بارنياع، المسؤول السابق في جهاز الأمن العام الشاباك”، بحسب صحيفة “يديعوت”.

الانقسام الأيديولوجي
أسباب عدة دفعت الإسرائيليين لاستحضار خيار الحرب الأهلية، أهمها الانقلاب القضائي الذي يسعى لتغيير وجه الدولة ومعالمها وهويتها، والانتقال بها من دولة ليبرالية وفق النموذج الغربي السائد إلى منظومة ديكتاتورية فاشية على غرار المجر وبولندا، إذ يتم تغييب القضاء لصالح السلطة التنفيذية، بحسب ما أورده موقع “bahazit” العبري.

وأضاف أنه “في إسرائيل، فإننا أمام قوى أيديولوجية صاعدة تتسم بالفاشية والعنصرية، وباتت عنصراً أساسياً في الائتلاف اليميني الحاكم، وذات ميول استبدادية، ما ستكون له عواقب وخيمة على الدولة، وسيجعل لها دوراً مركزياً في استشراء حالة الانقسامات”.

لقد دفع تعزز تحقق هذا الكابوس برئيس الدولة هرتسوغ، إلى أن يعقد اجتماعاً في منزله بحضور عدد من رجال الدين اليهود، الذين تناولوا الحروب الأهلية المذكورة في التوراة، والخطر الكبير فيها؛ لأن الدولتين اليهوديتين اللتين نشأتا انهارتا قبل أن تبلغا عامهما الثمانين. 

برز من أهم ضيوف هذا اللقاء الباحثان من معهد هارتمان: أوريت أفنيري وعاموس أتسيل، مؤلفي الكتاب الأكثر مبيعاً بعنوان “مسيرة الحماقة اليهودية” الذي استعرض 12 حرباً بين اليهود أنفسهم على مدى 1200 عام بين فترة القضاة، وتدمير الهيكل الثاني المزعوم.

تؤكد هذه المعطيات أن إسرائيل تشهد شقاقاً اجتماعياً عميقاً، وأن جمر الكراهية قد يبقى مشتعلاً لعدة سنوات قادمة، مما قد يسفر عن تآكل مستمر لمؤسسات الدولة المختلفة، ويساعد في إشعال هذه الكومة النارية بأكملها، باستخدام مفردات كانت تقع إلى عهد قريب تحت طائلة التشهير والقذف، لكنها باتت اليوم متداولة بصورة شبه يومية، ومنها اتهام الساسة الإسرائيليين لبعضهم بأوصاف “الاحتيال، والاستعداد لـ(بيع الدولة) مقابل وجودهم السياسي والشخصي، وأنهم مجموعة من الفاشلين والماكرين، ممن يديرون عصابة إجرامية، وباتوا شخصيات مقززة وغير مقبولة”، على حد وصفهم.

تزايد معدلات الكراهية
كشفت العديد من استطلاعات الرأي الإسرائيلية في الشهور الأخيرة، عقب الإعلان عن الشروع في “الانقلاب القضائي” عن تفاقم حالة الكراهية الداخلية داخل الدولة؛ لأنها ستؤدي بهم إلى الهاوية، وباتت إسرائيل نفسها تشهد انتشاراً غير مسبوق لما بات يوصف بـ”وباء” الكراهية الداخلية، وأصبحت الدولة تسجل فشلاً ذريعاً في محاولة الحفاظ على “وحدتها الوطنية”.

دفعت هذه المعدلات المتصاعدة من الكراهية الداخلية بين الإسرائيليين بالأوساط السياسية لرفع “البطاقة الحمراء”، خشية التعبير عنها بالعنف الجسدي في الشوارع، في ضوء اعتقادهم بأن ذروة الكراهية ما زالت تنتظرهم، لأن أحداث الأشهر الأخيرة أثبتت أن هناك الكثير من الكراهية والانقسام يحمله الإسرائيليون لبعضهم، والخطورة أن دوائرها بينهم أوسع بالفعل مما يرونه الآن، لأنها تشمل كثيراً من مؤشرات الاشمئزاز والازدراء الذي يظهره أنصار المعسكرات الحزبية الإسرائيلية لبعضهم، بعد أن دأبوا في الآونة الأخيرة على وصف منافسيهم بالعديد من التعبيرات الفظّة، وكأنهم أمام طغمة عسكرية لا يمكن إيقافها، تريد البقاء في السلطة، وبأي ثمن، حتى لو كان من خلال تشويه سمعة المعسكر الموازي، واستخدام أوصاف “الخيانة”، وفق “معاريف”.

النتيجة المتوقعة لما يشهده الإسرائيليون من مظاهر الكراهية والتفسخ الداخلي، تتمثل بحسب موقع “hamakom”، في خشيتهم من تجدد الحرب الأهلية التي حذّر من اندلاعها مناحيم بيغن، رئيس الوزراء الراحل، لأن نتيجة تجدد حوادث العنف الداخلي بينهم ستكون متمثلة بنقلهم إلى هوامش التاريخ، وفق المفردات الإسرائيلية المستخدمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *