التفاوض لو يجدي التمني السودانية , اخبار السودان
التفاوض لو يجدي التمني
خالد فضل
لا حل لأي قضية إلا بالتفاوض حول جذور أسبابها ومن ثم اقتراح المعالجات اللازمة لتلك الأسباب، هذه العبارة مستهلكة، ومن كثرة تكرارها بات التفاوض نفسه أحد جذور القضايا السودانية الشائكة، لابد أن هنالك خلل ما، أهو في الدولة السودانية وسنعود بعد قليل لنبدي ملاحظة حول تكوينها أم هو في تركيبة الشخصية السودانية نفسها أم هو فشل النخب؛ كما عند المرحوم د. منصور خالد.
الملاحظة حول تكوين الدولة السودانية التي تبلورت ملامحها لأول مرة في الرقعة الجغرافية الحالية تقريبا قبل 200 سنة على يد الغزاة الأتراك والمصريين فيما عرف بالتاريخ السوداني (فتح السودان)، ومن عجب أن ملامح هذه الدولة نفسها كادت تتلاشى عندما دام الأمر للوطنيين المهدويين، فتنافرت القبائل والجهات وتناسلت الغبائن وبات مصطلح أولاد الغرب وأولاد البحر عنواناً للفشل في خلق دولة وطنية موحدة تضم هذا الشعث المتباين من أعراق وثقافات ومعتقدات ولغات وطرق معيشة… إلخ.
ثم جاء التكوين الثاني على يد الغزاة الإنجليز والمصريين هذه المرة فيما عرف بفترة الحكم الثنائي، وقد امتدت هذه الحقبة لنحو 57 سنة، تقتضي الأمانة أنها كانت أطول فترة شهد فيها السودانيون قدراً كبيراً من التقدم والتطور وظهرت خلالها ملامح الدولة وهياكلها بصورة أفضل مما شهده السودانيون في حقبة ما بعد الاستقلال، لم تكن هنالك حرب أهلية طويلة في البلاد مثل حرب الجنوب القديم والتي استمرت لأكثر من ربع قرن كأطول حرب أهلية شهدتها القارة الأفريقية، ولم تكد تنطفئ نيرانها والتي شملت جبال النوبة والنيل الأزرق وشرق السودان كذلك، حتى شب أوارها مفجعاً وقاسياً في دارفور التي ماتزال تعاني ومنذ عشرين عاماً من الآن، فهل كان للتكوين الأجنبي الذي تم لهياكل الدولة أثر في ضعف إحساس الناس وانتمائهم لدولتهم المزعومة؟.
لقد ظل السودانيون في حالة تفاوض مستمرة كلها حدثت في ظروف ضغط ومغاضبة ونزاع وشقاق وحروب، نادراً ما تم تفاوض بين السودانيين في ظروف هادئة ومعطيات مشجعة وبيئة صالحة لابتداع صيغ جديدة تطويراً وتجويداً لما هو موجود، معظم التفاوضات كانت تعنون بـ حل جذور الأزمة، ولكن يبدو والله أعلم أن الأزمات المعنية كانت أزمات مالية ومعيشية للقيادات التي تتفاوض، ثم ملاحظة هنا حول هذا التفاوض إذ أن الفصائل التي توصف بـ(المتمردة) كانت دائماً تقدم أطروحات سياسية نقدية بارعة، وتطرح حججاً موضوعية، وتقدم بدائل معقولة ولكن مع الأسف عند إبرام الاتفاقات كحصاد لهذا التفاوض يكون أظهر الثمار هو تحول معظم قادة هذه الفصائل إلى أعضاء جُدد في بيروقراطية ذات الدولة المتهالكة وهياكلها الرثة، أنظر عافاك الله إلى تاريخ كل الاتفاقات السودانية لمعالجة قضية الحرب الأهلية وهي القضية المركزية الأساسية منذ فجر رفع العلم على يدي السيدين المرحومين الأزهري والمحجوب إلى حالك عتمة ليل الجنرالين البرهان وحميدتي، تجد أن كل التفاوض تم بوساطات أجنبية من ملك إثيوبيا هيلا سلاسي إلى عهد آبي أحمد والإيغاد.
علينا التواضع قليلاً ومعرفة قدر أنفسنا وترك التنطع الفارغ، وعناوين الصدارة لبلادنا دائماً في الشق السلبي مثل الأول أفريقياً في أعداد النازحين داخلياً، والأول في طول آماد الحروب الأهلية والأول في وفيات الأمهات الحوامل والأول في إهدار الموارد الطبيعية والأول في تدني نسبة الانفاق في التعليم والصحة… إلخ.
فهلا نظر السودانيون من دعاة الحرب وخاصةً من يوصفون بالخبراء الاستراتيجيين الذين يبرطمون في الفضائيات وخالد الإعيسر في مترتبات دعاويهم لاستمرار الحرب فما الذي يرومونه، والوطن حطيم وشعبه نازح ونازف وعاصمته مدمرة ومحطمة.
إن التفاوض لوقف دائم لإطلاق النار بين فرقاء ما يعرف بالمكون العسكرى السوداني هو العتبة الأساسية الأولى لتفاوص شامل وجاد يبنى على ما تحقق في الملفات التي تناولها الاتفاق الإطاري إضافةً أو حذفاً باعتباره نقطة متقدِّمة كذلك في سبيل الولوج إلى بناء دولة وطنية مدنية كاملة يقتصر فيها دور المكون العسكري على المهام الأساسية لكل قوة محددة ومعرفة بالألف واللام، عسى ولعل يبدأ التفاوض الجاد بين المدنيين والسياسيين والخبراء الاستراتيجيين الأصليين الذين يكتمون الغيظ وفي ظروف اهدأ نسبياً ودون مطامع ذاتية أو منافع وقتية، وابقى سلملي على جماعة سلام الوظائف!.
المصدر: صحيفة التغيير